بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (الطّرق الحُكميَّة في السّياسة الشَّرعيَّة) لابن قيّم الجوزيَّة
الدّرس السّابع عشر
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على رسولِ اللهِ، اللَّهمَّ اغفرْ لنا ولشيخِنا وللمسلمينَ، قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ-:
هَذَا الْحُكْمُ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَنْ غَيْرِ عِوَضٍ مَالِيٍّ، كَالْإِتْلَافِ وَالضَّمَانِ وَالْمَهْرِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَحِلُّ حَبْسُهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْغَرِيمِ: إنَّهُ مَلِيءٌ، وَإِنَّهُ غَيَّبَ مَالَهُ.
قَالُوا: وَكَيْف يُقْبَلُ قَوْلُ غَرِيمِهِ عَلَيْهِ، وَلَا أَصْلَ هُنَاكَ يَسْتَصْحِبُهُ وَلَا عِوَضَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ.
وَأَمَّا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوا الدَّيْنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ عَنْ عِوَضٍ مَالِيٍّ، كَالْقَرْضِ، وَثَمَنِ الْبيع وَنَحْوِهِمَا.
وَقِسْمٌ لَزِمَهُ بِالْتِزَامِهِ، كَالْكَفَالَةِ وَالْمَهْرِ وَعِوَضِ الْخُلْعِ وَنَحْوِهِ، وَقِسْمٌ لَزِمَهُ بِغَيْرِ الْتِزَامِهِ، وَلَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ، كَبَدَلِ الْمُتْلَفِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ، وَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ وَنَحْوِهِ.
فَفِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ: يُسْأَلُ الْمُدَّعِي عَنْ إعْسَارِ غَرِيمِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِإِعْسَارِهِ لَمْ يُحْبَسْ لَهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ إعْسَارَهُ، وَسَأَلَ حَبْسَهُ: حُبِسَ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ عِوَضِ الدَّيْنِ عِنْدَهُ، وَالْتِزَامَهُ لِلْقَسَمِ الْآخَرِ بِاخْتِيَارِهِ: يَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ وَهَلْ تُسْمَعُ بَيِّنَتهُ بِالْإِعْسَارِ قَبْلَ الْحَبْسِ أَوْ بَعْدَهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ.
وَإِذَا قِيلَ: لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ الْحَبْسِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَكُونُ مُدَّةُ الْحَبْسِ شَهْرًا، وَقِيلَ: اثْنَانِ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ، وَقِيلَ: أَرْبَعَةٌ، وَقِيلَ: سِتَّةٌ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا حَدَّ لَهُ، وَأَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ.
وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ: أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ بِقَرِينَةٍ أَنَّهُ قَادِرٌ مُمَاطِلٌ، سَوَاءٌ كَانَ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ أَوْ عَنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَسَوَاءٌ لَزِمَهُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ.
فَإِنَّ الْحَبْسَ عُقُوبَةٌ، وَالْعُقُوبَةَ إنَّمَا تَسُوغُ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِهَا، وَهِيَ مِنْ جِنْسِ الْحُدُودِ، فَلَا يَجُوزُ إيقَاعُهَا بِالشُّبْهَةِ، بَلْ يَتَثَبَّتُ الْحَاكِمُ، وَيَتَأَمَّلُ حَالَ الْخَصْمِ، وَيَسْأَلُ عَنْهُ، فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ مَطْلُهُ وَظُلْمُهُ ضَرَبَهُ إلَى أَنْ يُوفِيَ أَوْ يَحْبِسُهُ، وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ عَجْزُهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَوْ أَنْكَرَ غَرِيمُهُ إعْسَارَهُ، فَإِنَّ عُقُوبَةَ الْمَعْذُورِ شَرْعًا ظُلْمٌ.
وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ مِنْ حَالِهِ شَيْءٌ أَخَّرَهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ حَالُهُ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي دَيْنَهُ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُم لَيْسَ لَهُمْ إذَا أَخَذُوا مَا وَجَدُوهُ إلَّا ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُمْ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحَبْسَ مِنْ جِنْسِ الضَّرْبِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ أَشَدَّ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ الْغَرِيمُ لِلْحَاكِمِ: اضْرِبْهُ إلَى أَنْ يُحْضِرَ الْمَالَ، لَمْ يُجِبْهُ إلَى ذَلِكَ فَكَيْفَ يُجِيبُهُ إلَى الْحَبْسِ الَّذِي هُوَ مِثْلُهُ أَوْ أَشَدُّ.
وَلَمْ يَحْبِسْ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طُولَ مُدَّتِهِ أَحَدًا فِي دَيْنٍ قَطُّ، وَلَا أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَلَا عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.
قَالَ شَيْخُنَا -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَكَذَلِكَ لَمْ يَحْبِسْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ زَوْجًا فِي صَدَاقِ امْرَأَتِهِ أَصْلًا.
وَفِي رِسَالَةِ اللَّيْثِ بن سعد إلَى مَالِكٍ، الَّتِي رَوَاهَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ الْحَافِظُ فِي تَارِيخِهِ "عَنْ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمَخْزُومِيِّ، قَالَ: هَذِهِ رِسَالَةُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ إلَى مَالِكٍ فَذَكَرَهَا إلَى أَنْ قَالَ: "وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقْضُونَ فِي صَدَقَاتِ النِّسَاءِ، أَنَّهَا مَتَى شَاءَتْ أَنْ تُكَلِّمَ فِي مُؤَخَّرِ صَدَاقِهَا تَكَلَّمَتْ، فَيَدْفَعَ إلَيْهَا.
وَقَدْ وَافَقَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ وَلَمْ يَقْضِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا مَنْ بَعْدَهُ لِامْرَأَةٍ بِصَدَاقِهَا الْمُؤَخَّرِ، إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ، فَتَقُومَ عَلَى حَقِّهَا.
قُلْت: مُرَادُهُ بِالْمُؤَخَّرِ: الَّذِي أُخِّرَ قَبْضُهُ عَنْ الْعَقْدِ، فَتُرِكَ مُسَمًّى، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ: الْمُؤَجَّلَ. فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُطَالِبُ بِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ، بَلْ هُوَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ: مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْمَهْرِ إلَى الْمَرْأَةِ، وَإِرْجَاءِ الْبَاقِي، كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ الْيَوْمَ، وَقَدْ دَخَلَتْ الزَّوْجَةُ والزَّوجُ وَالْأَوْلِيَاءُ عَلَى تَأْخِيرِهِ إلَى الْفُرْقَةِ، وَعَدَمِ
– الشيخ: إلى الفرقةِ؟
– القارئ: نعم، في نسخةٍ يقول للفرقةِ
– الشيخ: أي سهلٌ هذا، هذا معروفٌ في كثيرِ البلادِ الإسلاميَّةِ لكن عندنا لا يُعرَفُ، ما في مؤخَّر، يعني يمكن في مؤجّل بعض الوقت يمكن، أمّا مؤخّر إلى الفرقة هذا لا يُعرَفُ في بلادنا.
– القارئ: وَعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ بِهِ مَا دَامَا مُتَّفِقَيْنِ.
وَلِذَلِكَ لَا تُطَالِبُ بِهِ إلَّا عِنْدَ الشَّرِّ وَالْخُصُومَةِ، أَوْ تَزَوُّجِهِ بِغَيْرِهَا، وَاَللَّهُ يَعْلَمُ -وَالزَّوْجُ وَالشُّهُودُ وَالْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ- أَنَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ لَمْ يَدْخُلَا إلَّا عَلَى ذَلِكَ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُسَمِّي صَدَاقًا تَتَجَمَّلُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَأَهْلُهَا، وَيَعِدُونَهُ -بَلْ يَحْلِفُونَ لَهُ- أَنَّهُمْ لَا يُطَالِبُونَ بِهِ.
فَهَذَا لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمَرْأَةِ بِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، أَوْ الْمَوْتِ، وَلَا يُطَالَبُ بِهِ الزَّوْجُ وَلَا يُحْبَسُ بِهِ أَصْلًا، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهَا إنَّمَا تُطَالِبُ بِهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ أَوْ الْمَوْتِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا تَقُومُ مَصْلَحَةُ النَّاسِ إلَّا بِهِ.
قَالَ شَيْخُنَا رحمَهُ اللهُ: وَمِنْ حِينِ سُلِّطَ النِّسَاءُ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِالصَّدَقَاتِ الْمُؤَخَّرَةِ، وَحَبْسِ الْأَزْوَاجِ عَلَيْهَا، حَدَثَ مِنْ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ.
– الشيخ: أقولُ: مشاكلٌ، حتَّى الصداقُ المؤخَّر تختارُه المرأة ويجعلونه كبيراً من أجل الزوجِ يحافظُ ويحرصُ على استبقاءِ المرأةِ ولا يطلِّقُها؛ لأنَّه يعرفُ أنَّه إذا طلَّقَها طالبَت بالمهرِ والمهرُ كبيرٌ، وهو يصبر عليها وإن كان يرغبُ في الطلاق لا يطلِّقُ من خشية أن تطالبَه بالمؤخَّر، ولكنَّ الظالمَ يُلّجِئُها ويؤذيها حتَّى تفتدَي منه بالصداق المؤخَّر، تفتدي منه بالصداق المؤخَّرِ، فتفارقُه ولا تحصلُ على شيءٍ.
– القارئ: قالَ رحمَهُ اللهُ:
قَالَ شَيْخُنَا رحمَهُ اللهُ: وَمِنْ حِينِ سُلِّطَ النِّسَاءُ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِالصَّدَقَاتِ الْمُؤَخَّرَةِ، وَحَبْسِ الْأَزْوَاجِ عَلَيْهَا، حَدَثَ مِنْ الشَّرِ وَالْفَسَادِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ.
وَصَارَتْ الْمَرْأَةُ إذَا أَحَسَّتْ مِنْ زَوْجِهَا بِصِيَانَتِهَا فِي الْبَيْتِ
– الشيخ: إذَا أَحَسَّتْ أيش؟
– القارئ: بصيانتِها، يقولُ في نسخةٍ: يضايقُها
– الشيخ: طيب "صيانتها" قلْ..
– القارئ: إذَا أَحَسَّتْ مِنْ زَوْجِهَا بِصِيَانَتِهَا فِي الْبَيْتِ، وَمَنْعِهَا مِنْ الْبُرُوزِ، وَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ وَالذَّهَابِ حَيْثُ شَاءَتْ: تَدَّعِي بِصَدَاقِهَا، وَتَحْبِسُ الزَّوْجَ عَلَيْهِ، وَتَنْطَلِقُ حَيْثُ شَاءَتْ، فَيَبِيتُ الزَّوْجُ وَيَظَلُّ يَتَلَوَّى فِي الْحَبْسِ، وَتَبِيتُ الْمَرْأَةُ فِيمَا تَبِيتُ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ فَالشُّرْوطُ إنَّمَا تُكتَبُ حَالًّا فِي ذِمَّتِهِ تُطَالِبُهُ بِهِ مَتَى شَاءَتْ.
قِيلَ: لَا عِبْرَةَ بِهَذَا بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ، وَأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ عَرَفَ أَنَّ هَذَا دَيْنٌ حَالٌّ تُطَالِبُهُ بِهِ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ، وَتَحْبِسُهُ عَلَيْهِ: لَمْ يُقْدِمْ عَلَى ذَلِكَ أَبَدًا، وَإِنَّمَا دَخَلُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُسَمًّى، تَتَجَمَّلُ بِهِ الْمَرْأَةُ، وَالْمَهْرُ هُوَ مَا سَاقَ إلَيْهَا، فَإِنْ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا طَلَاقٌ أَوْ مَوْتٌ، طَالَبَتْهُ بِذَلِكَ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي نَظَرِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ، وَلَا تَسْتَقِيمُ أُمُورُهُمْ إلَّا بِهِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الْحَبْسَ فِي الدَّيْنِ مِنْ جِنْسِ الضَّرْبِ بِالسِّيَاطِ وَالْعِصِيِّ فِيهِ، وَذَلِكَ عُقُوبَةٌ لَا تَسُوغُ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ وَلَا تَسُوغُ بِالشُّبْهَةِ، بَلْ سُقُوطُهَا بِالشُّبْهَةِ أَقْرَبُ إلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ مِنْ ثُبُوتِهَا بِالشُّبْهَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الَأَصْبَغُ بْنُ نَبَاتَةَ: بَيْنَمَا عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ– جَالِسٌ
– الشيخ: إلى آخره بس [فقط]، نعم يا محمَّد.
– القارئ: شيخُنا في مسألةِ الحبسِ أنَّهُ يخرجُ إذا لم يكنْ عندَهُ شيءٌ مُعسِرٌ إذا كانَ عُرِفَ أنَّهُ جمعَ المالَ مِن قبلُ لأجلِ أنْ يجمعَها لهُ وليسَ لهُ في نيَّتِهِ أنْ يتاجرَ بها أو أنْ ينفعَ النَّاسَ هل يُحبَسُ؟
– الشيخ: ما عرفت سؤالك، أقولُ: ما عرفت أيش تقول؟
– القارئ: أقولُ كأنَّ الشَّيخَ قرَّرَ أنَّهُ لا يُحبَسُ إذا كانَ معسراً
– الشيخ: أي إذا كانَ معسراً ما
– القارئ: إذا كانَ يا شيخُ نفسُ الشَّخصِ أخذَ هذهِ الأموالَ وفي نيَّتِهِ أنَّهُ لا يتاجرُ بها ولا ينفعُ بها النَّاسَ، وإنَّما كما يُقالُ: يحوِّشُها لنفسِهِ ويتاجرُ بها لنفسِهِ لمصلحةِ نفسِهِ
– الشيخ: طيب ما عرفنا، أقولُ: ما عرفنا الآن معنى سؤالك، معسر، عنده شيءٌ؟
– القارئ: لا، يقولُ: ما عندَهُ شيءٌ، هو يجمعُ الأموالَ يا شيخُ أسهمٌ أو يعني أسهمٌ يشتري بها مثلاً عماراتٍ أو عقاراتٍ أو غيرَها، وهو حقيقةً يتاجرُ بها لنفسِهِ، يعني ما ينفعُ النَّاسَ، ما يعطيهم منها شيئاً، وقبضَ عليهِ يعني في مسألةٍ مِن هذهِ المسائلِ، وعُرِفَ بعدَ التَّحقُّقِ أنَّهُ لا يعطي النَّاسَ شيئاً فهل يُعاقَبُ؟
– الشيخ: ما يعني تقصدُ واحد يتصدّى لقبضِ صدقاتٍ، لقبضِ صدقاتٍ من المتبرِّعين أو المحسنين، يزعمُ أنَّه يوصلُها؟
– القارئ: لا، يا شيخَنا، هو مثلُ يا شيخُ يعني هو وسيطٌ تاجرٌ، يعني يُقالُ: تاجرٌ، أنا مثلاً عندي مبلغٌ بسيطٌ لا أستطيعُ الاتِّجارَ، لكن إذا ساهمْتُ معَهُ يعطيني شهريَّاً مبلغاً مِن المالِ، فأنا أعطيهِ مالي، والثَّاني يعطيهِ مالَهُ، مبلغَ خمسين ستين وهكذا، ثمَّ اكتشفْنا بعدَ ذلكَ بأنَّه يعني ليسَ عندَه مثلاً عندَه مسمَّى تجاريٍّ فقط كمظلَّةٍ لهُ ثمَّ ليسَ عندَهُ تجارةٌ واقعيَّةٌ
– الشيخ: هذا يُعاقَبُ حتَّى يردَّ الحقوقَ بس.
– طالب: أحسنَ اللهُ إليكَ، إفاضةُ المالِ في هذا الزمنِ وتساهلُ الناسِ في الديونِ، …؟ تساهُلُ الناسِ في أخذِ القروضِ والسلفِ
– الشيخ: هذا غلطٌ منهم
– طالب: اقولُ: ما لهم إلَّا الحبسُ
– الشيخ: ما له إلَّا الحبسُ وهو معدمٌ!
– طالب: [….]
– الشيخ: معدمٌ معدم، ما له شيء
– طالب: ما له شيء نعم.
– الشيخ: إذا كانَ معدماً الحبس وش يجيبله [ماذا يأتي له بسببه]؟
– طالب: ما يجيب شيء!
– الشيخ: خلاص، إذاً لا يحبس.. المقصودُ: الحبسُ من أجلِ استخراجِ الحقوقِ، نعم يا محمَّد.