بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (الجوابُ الكافي لِمَن سألَ عن الدّواءِ الشَّافي) لابن القيّم
الدّرس: الأول
*** *** *** ***
– الشيخ: ما شاءَ اللهُ، الجوابُ الكافي هذا كتابٌ جديدٌ ومفيدٌ، وهو معروفٌ مشهورٌ، الجوابُ الكافي لمن سألَ عن الدواءِ الشافي، وهو من مصنَّفاتِ الإمامِ العظيمِ -رحمه الله- ابن القيِّم، وهو كتابٌ فريدٌ في بابه، ولا يخفى ما لابنِ القيِّم من البراعة في البيان والتعبيرِ رحمه الله، ومن موضوعِ الكتابِ تبيَّنَ أنَّه رحمه الله يريدُ أن يبيِّنَ أنَّ الدواءَ الشافي لأمراضِ القلوب، وأمراضُ القلوب هي الذنوبُ، هي الذنوبُ، ودواءُ القلوبِ من الذنوبِ هو بالإيمانِ والقرآنِ، والتوكُّل على الله والاعتصام به، وبمجانبة المعاصي، وقد أفاضَ رحمه الله في بيانِ، أفاضَ في التحذيرِ، في التحذيرِ من الذنوب، وذلك ببيانِ آثارِها العاجلةِ والآجلةِ، نسألُ الله العافية.
فهو كتابٌ عظيمٌ ينتفعُ بقراءته وسماعه من هداه الله ووفَّقَه، ففيه ذكرَ ما يزع ويمنعُ ويصرفُ القلوبَ عن الإقدامِ على الذنوب، نسألُ الله السلامة، أعوذُ بالله، نعم يا عليّ.
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلِّ اللَّهمَّ وسلِّمْ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ: قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في "الجوابِ الكافي فيمَن سألَ عن الجوابِ الشَّافي"
– الشيخ: أيش [ماذا]؟ الجواب ولّا [أم] الدواء؟
– القارئ: نعم، قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ- في كتابِهِ "الجوابُ الكافي فيمَن سألَ عن الدَّواءِ الشَّافي" المسمَّى "بالدَّاءِ والدَّواءِ":
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ العليِّ العظيمِ
مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ، أَئِمَّةُ الدِّينِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ- فِي رَجُلٍ ابْتُلِيَ بِبَلِيَّةٍ وَعَلِمَ أَنَّهَا إِنِ اسْتَمَرَّتْ بِهِ أَفْسَدَتْ عليه دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ، وَقَدِ اجْتَهَدَ فِي دَفْعِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، فَمَا تزْدَادُ إِلَّا تَوَقُّدًا وَشِدَّةً، فَمَا الْحِيلَةُ فِي دَفْعِهَا؟ وَمَا الطَّرِيقُ إِلَى كَشْفِهَا؟ فَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَعَانَ مُبْتَلًى، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ رَحِمَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
فَأَجَابَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ..
– الشيخ: يعني، واللهُ أعلمُ، إمَّا أنَّ هذا سؤالٌ واقعيٌّ، يعني: قُدِّمَ للشيخِ، أو سؤالٌ يفرضُه رحمه اللهُ؛ لأنَّ حالَ كثيرٍ من الناسِ، يعني في الناس كثيرون ممَّن هذه حالُهم، يعني مَّمن ابتُلي ببلاءٍ عظيمٍ، ودواء، ومعلومٌ أنَّ هذا الداءَ لا يعني به داءَ الأبدانِ بل داءَ القلوب، ابتلي ببلاءٍ، ببلاءٍ عظيمٍ، والظاهرُ أنَّه يريدُ من معصيةِ اللهِ، كثيراً ممَّن يُبتلَى بالمعاصي يعني تطغى عليه وتغلبُه فلا يستطيع الخلاصَ منها.
فالكتابُ مبنيٌّ على جوابِ هذا السؤالِ، وفي البابِ مسائلُ تأتي استطراداً كما هو شأنُ أهل العلمِ ولا سيما ابن القيِّم وشيخ الإسلام، كثيراً ما يكونُ في كلامهم توسُّعٌ واستطراداتٌ تتضمَّنُ علوماً وفوائدَ كثيرةً.
– القارئ: فَأَجَابَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُفْتِي الْفرقِ، شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَيُّوبَ إِمَامِ الْمَدْرَسَةِ الْجَوْزِيَّةِ بدمشقَ المحروسةِ -رضيَ اللهُ عنهُ-.
الْحَمْدُ لِلَّهِ
ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ
– الشيخ: يعني هذا التعبيرُ معروفٌ أنَّه من الكاتبِ، من الناسخ، من الناقل
– القارئ: الْحَمْدُ لِلَّهِ
ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ–
– الشيخ: الله أكبرُ، الله أكبر، يعني استهلَّ، في هذا الكتابِ لم يدبِّجْ فيه خطبةً، يعني فيه اختصارٌ، وعادةُ ابن القيِّم إذا أنشأَ كتاباً فإنَّه يقدِّم له بخطبةٍ يدبّجُها ويتفنَّنُ في عباراته، من الحمد لله والثناء عليه وتمجيده سبحانه وتعالى.
أمَّا هذا الكتابُ فواضحٌ أنَّه اكتفى بالكلمةِ البليغةِ العظيمةِ "الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ" الحمدُ للهِ، هذا استهلالٌ مختصرٌ، بدونِ أن تكونَ هناك خطبةٌ مشتملةٌ على جملٍ كثيرةٍ ومعانٍ متعدَّدةٍ، نعم فأجابَ إلى آخرِه، أيش [ما] يقول؟
– القارئ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ
ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً»
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضيَ اللهُ عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ»
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ»
– الشيخ: إلَّا أنزلَ له دواءً، يعني: دواءً شافياً، إلَّا أنزلَ له دواءً شافياً
– القارئ: وَفِي لَفْظٍ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، أَوْ دَوَاءً، إِلَّا دَاءً وَاحِدًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرَمُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَهَذَا يَعُمُّ أَدَوَاءَ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ وَالْبَدَنِ وَأَدْوِيَتِهَا، وَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ–
– الشيخ: اللهُ أكبرُ، الناسُ يفهمون فقط أدواءَ الأبدانِ، ولكنَّ الحديثَ أعمُّ من ذلك، كما قالَ ابنُ القيِّم يشملُ أدواءَ القلبِ والروحِ والبدنِ.
– القارئ: وَهَذَا يَعُمُّ أَدَوَاءَ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ وَالْبَدَنِ وَأَدْوِيَتِهَا، وَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْجَهْلَ دَاءً، وَجَعَلَ دَوَاءَهُ سُؤَالَ الْعُلَمَاءِ.
فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ، فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ قَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً، وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، فَاغْتَسَلَ، فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ أُخبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا؟ فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ -أَوْ يَعْصِبَ- عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلُ سَائِرَ جَسَدِهِ»
فَأَخْبَرَ أَنَّ الْجَهْلَ دَاءٌ، وَأَنَّ شِفَاءَهُ السُّؤَالُ.
وَقَدْ أَخْبَرَ
– الشيخ: اللهُ المستعانُ، يقولُ ابنُ القيِّم في النونيِّة:
الجهلُ داءٌ قاتلٌ وشفاؤُهُ * * * أمرانِ في التَّحقيقِ متَّفقانِ
نصٌّ مِن القرآنِ أو مِن سنَّةٍ * * * وطبيبٌ ذاكَ العالمِ الرَّبَّانيِّ
– القارئ: وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ شِفَاءٌ، فَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [سُورَةُ فُصِّلَتْ:44]
وَقَالَ سبحانَهُ وتعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ:82]
وَ" مِنْ " هُنَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ شِفَاءٌ، كَمَا قَالَ تعالى فِي الْآيَةِ الأخرى، فَهُوَ شِفَاءٌ لِلْقُلُوبِ مِنْ دَاءِ الْجَهْلِ وَالشَّكِّ وَالرَّيْبِ، فَلَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنَ السَّمَاءِ شِفَاءً قَطُّ أَعَمَّ وَلَا أَنْفَعَ وَلَا أَعْظَمَ وَلَا أَنْجَعَ فِي إِزَالَةِ الدَّاءِ مِنَ الْقُرْآنِ
– الشيخ: اللَّهم انفعْنا به، اللَّهم اشفِ به قلوبَنا، اللَّهم اشفِ به أدواءَ قلوبنا، اللَّهم اشفِ به أدواءَ قلوبنا وأبداننا، نعم اللهُ أكبرُ.
– القارئ: وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: «انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا
– الشيخ: يظهرُ الموضوع متواصل، خلاص قفْ على هذا.