الرئيسية/شروحات الكتب/الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي/(7) فصل الدعاء والقدر قوله “وقد رتب الله سبحانه حصول الخيرات في الدنيا والآخرة”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(7) فصل الدعاء والقدر قوله “وقد رتب الله سبحانه حصول الخيرات في الدنيا والآخرة”

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (
الجوابُ الكافي لِمَن سألَ عن الدّواءِ الشَّافي) لابن القيّم
الدّرس: السّابع

***    ***    ***    ***

 
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آلِه وصحبه أجمعين، أما بعد: قال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه: "الجوابُ الكافي لمن سألَ عن الدواءِ الشافي":
وَقَدْ رَتَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ حُصُولَ الْخَيْرَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَحُصُولَ الشُّرُورِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي كِتَابِهِ عَلَى الْأَعْمَالِ، تُرتيبَ الْجَزَاءِ عَلَى الشَّرْطِ، وَالْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ، وَالْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ يَزِيدُ عَلَى أَلْفِ مَوْضِعٍ.
فَتَارَةً يُرَتِّبُ الْحُكْمَ الْخَبَرِيَّ الْكَوْنِيَّ وَالْأَمْرَ الشَّرْعِيَّ عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ لَهُ كَقَوْلِهِ -تعالى-: فلما عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [الأعراف:166] وَقَوْلِهِ: فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف:55]
وَقَوْلِهِ: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نكالًا من الله [المائدة:38]
وَقَوْلِهِ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ إلى قوله: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35]
وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا.
وَتَارَةً يُرَتِّبُهُ عَلَيْهِ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَقَوْلِهِ: إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [الأنفال:29]
وَقَوْلِهِ: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]
وَقَوْلِهِ: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا [الجن:16] وَنَظَائِرِهِ.
وَتَارَةً يَأْتِي بِلَامِ التَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ: لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]
وَقَوْلِهِ: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143]
وَتَارَةً يَأْتِي بِأَدَاةِ كَيِ الَّتِي لِلتَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ: كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ [الحشر:7]
وَتَارَةً يَأْتِي بِبَاءِ السَّبَبِيَّةِ، كَقَوْلِهِ -تعالى-: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ [الأنفال:51]
وَقَوْلِهِ: بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [البقرة:283]
وَقَوْلِهِ: بِمَا كُانوا يكْسِبُونَ [الأنعام:120]
وَقَوْلِهِ: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كذّبوا بِآيَاتِنا [الأعراف:146]
وَتَارَةً يَأْتِي بِالْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ ظَاهِرًا أَوْ مَحْذُوفًا، كَقَوْلِهِ: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى [البقرة:282]
وقوله: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172]
وَقَوْلِهِ: أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام:156] أَيْ: كَرَاهَةَ أَنْ تَقُولُوا، ونظائره.
وَتَارَةً يَأْتِي بِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ كَقَوْلِهِ: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا [الشمس:14]
وَقَوْلِهِ: فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً [الحاقة:10]
وَقَوْلِهِ: فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ [المؤمنون:48]
وَتَارَةً يَأْتِي بِأَدَاةِ "لَمَّا" الدَّالَّةِ عَلَى الْجَزَاءِ، كَقَوْلِهِ: فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف:55]
وَنَظَائِرُهِ.
وَتَارَةً يَأْتِي بِإِنَّ وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ، كَقَوْلِهِ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ [الأنبياء:90]
وَقَوْلِهِ فِي ضد هَؤُلَاءِ: إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [الأنبياء:77]
وَتَارَةً يَأْتِي بِأَدَاةِ " لَوْلَا "، الدَّالَّةِ عَلَى ارْتِبَاطِ مَا قَبْلَهَا بِمَا بَعْدَهَا، كَقَوْلِهِ: فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143]
وَتَارَةً يَأْتِي "بِلَوِ" الدَّالَّةِ عَلَى الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [النساء:66]
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقُرْآنُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ صَرِيحٌ فِي تُرَتُّبِ الْجَزَاءِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْأَحْكَامِ الْكَوْنِيَّةِ وَالْأَمْرِيَّةِ عَلَى الْأَسْبَابِ، بَلْ ترتب أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَصَالِحِهِمَا وَمَفَاسِدِهِمَا عَلَى الْأَسْبَابِ وَالْأَعْمَالِ.
وَمَنْ فقِهَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَأَمَّلَهَا حَقَّ التَّأَمُّلِ انْتَفَعَ بِهَا غَايَةَ النَّفْعِ، وَلَمْ يَتَّكِلْ عَلَى الْقَدَرِ جَهْلًا مِنْهُ وَعَجْزًا.

– الشيخ: هذا كله ردًا على من يقولون أنَّ الدعاءَ لا فائدة منه، إنْ كان المطلوب مقدَّرًا فسيحصلُ دعوتَ أو لم تدعُ، هذا السؤال تقدَّرْ، وإن كان لم يُقدَّرْ فلا جدوى في الدعاء، ما في فائدة، فهو -رحمه الله- يعني أراد أنْ يُفنِّدَ هذه النظرة، وهو إنكارُ الأسباب، وتأجيلُ الأسباب، والاتكالُ على القدر.
 

– القارئ: وَمَنْ فقه فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَأَمَّلَهَا حَقَّ التَّأَمُّلِ انْتَفَعَ بِهَا غَايَةَ النَّفْعِ، وَلَمْ يَتَّكِلْ عَلَى الْقَدَرِ جَهْلًا مِنْهُ، وَعَجْزًا وَتَفْرِيطًا وَإِضَاعَةً، فَيَكُونُ تَوَكُّلُهُ عَجْزًا، وَعَجْزُهُ تَوَكُّلًا، بَلِ الْفَقِيهُ كُلَّ الْفقيه الَّذِي يَرُدُّ الْقَدَرَ بِالْقَدَرِ، وَيَدْفَعُ الْقَدَرَ بِالْقَدَرِ، وَيُعَارِضُ الْقَدَرَ بِالْقَدَرِ، بَلْ لَا يُمْكِنُ لِإِنْسَانٍ أَنْ يَعِيشَ إِلَّا بِذَلِكَ، فَإِنَّ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ وَالْبَرْدَ وَأَنْوَاعَ الْمَخَاوِفِ وَالْمَحَاذِيرِ هِيَ مِنَ الْقَدَرِ.
وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ سَاهُونَ فِي دَفْعِ هَذَا الْقَدَرِ بِالْقَدَرِ، وَهَكَذَا مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَأَلْهَمَهُ رُشْدَهُ يَدْفَعُ قَدَرَ الْعُقُوبَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ بِقَدَرِ التَّوْبَةِ وَالْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَهَذَا وِزَانُ الْقَدَرِ الْمُخَوِّفِ فِي الدُّنْيَا وَمَا يُضَادُّهُ سَوَاءٌ، فَرَبُّ الدَّارَيْنِ وَاحِدٌ وَحِكْمَتُهُ وَاحِدَةٌ لَا يُنَاقِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلَا يُبْطِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَشْرَفِ الْمَسَائِلِ لِمَنْ عَرَفَ قَدْرَهَا، وَرَعَاهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
لَكِنْ يَبْقَى عَلَيْهِ أَمْرَانِ بِهِمَا تَتِمُّ سَعَادَتُهُ وَفَلَاحُهُ.

– الشيخ: قِفْ على هذا، اللهُ المستعان، الله أكبر الله أكبر، يعني الأمرُ الدنيا والآخرة كلُّها، المصالحُ والمفاسد مُترتبةٌ على أسبابٍ وعلل، وكلُّها بقدرِ الله وخلق الله، فهو خالقُ الأسباب والمُسببات، وكلها جاريةٌ بمشيئته -سبحانه وتعالى- وبحكمتِه، فله الحكمةُ البالغةُ فيما خلقه وفيما شرعَه، له الحكمةُ البالغة في خلقِه وأمره وشرعِه وقدره. انتهى.
 

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :متفرقات