بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (الجوابُ الكافي لِمَن سألَ عن الدّواءِ الشَّافي) لابن القيّم
الدّرس: الخامس عشر
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلِّ اللهُمَّ وسلِّمْ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. أما بعد؛ قَالَ العلامة ابن القيم رحمَه اللهُ تعالى في كتابِه "الجوابُ الكافي لِمَنْ سألَ عَن الدواءِ الشَّافي":
وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَإِنْ قُتِلْتَ أَوْ حُرِّقْتَ، وَلَا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ وَإِنْ أَمَرَاكَ
– الشيخ: (وَإِنْ قُتِلْتَ أَوْ حُرِّقْتَ)، مَنْ هُدِّدَ بالقَتْلِ تهديداً حقيقياً وبالتَّحْرِيقِ فإنهُ حينئذٍ يكونُ مُكْرَهَاً، فلا يجوزُ لَه أنْ يقصدَ الشِّركَ، لكن إذا أظهرَ الشِّرْكَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمانِ فذلكَ لا يضرُّهُ؛ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا [النحل:106]
ومَنْ صبرَ -صبرَ على العذابِ- كانَ ذلك خيراً له، كما وقعَ مِن الصحابةِ في أيام مِحْنَتِهِم على أيدي المشركين، منهم مَنْ أجابَهم ووافقَهُم في الظاهرِ وقلبُهُ مُطْمَئِنٌّ، ومنهم مَن صبرَ على العذابِ حتى ماتَ، كما في قصة عمَّارٍ وأَبَوَيْهِ.
– القارئ: فَقَالَ: (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَإِنْ قُتِلْتَ أَوْ حُرِّقْتَ، وَلَا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَلَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا، فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ، وَلَا تَشْرَبَنَّ خَمْرًا فَإِنَّهُ رَأَسُ كُلِّ فَاحِشَةٍ، وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ تُحِلُّ سَخَطَ اللَّهِ).
وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ
– الشيخ: تعليقٌ على الحديث، ها؟ أيش قَالَ؟ أيش قَالَ؟
– القارئ: عَن طريقِ صفوانِ بن عمرو بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ جُبيرِ بنِ نُفَيرِ الحَضْرَمِي عَن معاذٍ فذكرَهُ، قَالَ المنذريُّ: وإسنادُ أحمدَ صحيحٌ لو سَلِمَ مِن الانقطاعِ، فإنَّ عبدَ الرحمنِ بنَ جُبيرِ بنِ نُفَيرِ لمْ يسمعْ مِن معاذٍ، راجعْ تحقيقَ المسندِ.
– الشيخ: بعده
– القارئ: وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ
– الشيخ: يعني أحاديثُ الوعيدِ التي تتضمَّنُ التحذيرَ مِن الإقدامِ على المعاصِي.
– القارئ: فَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ أَنْ يَتَعَامَى عَنْهَا، وَيُرْسِلَ نَفْسَهُ فِي الْمَعَاصِي، وَيَتَعَلَّقَ بِحُسْنِ الرَّجَاءِ وَحُسْنِ الظَّنِّ.
قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيلٍ: احْذَرْهُ وَلَا تَغْتَرَّ، فَإِنَّهُ قَطَعَ الْيَدَ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَجَلَدَ الْحَدَّ فِي مِثْلِ رَأْسِ الْإِبْرَةِ مِنَ الْخَمْرِ، وَقَدْ دَخَلَتِ الْمَرْأَةُ النَّارَ فِي هِرَّةٍ، وَاشْتَعَلَتِ الشَّمْلَةُ نَارًا عَلَى مَنْ غَلَّهَا وَقَدْ قُتِلَ شَهِيدًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أبو مُعَاوِيَةُ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ يَرْفَعُهُ قَالَ: (دَخَلَ رَجُلٌ الْجَنَّةَ فِي ذُبَابٍ، وَدَخَلَ النَّارَ رَجُلٌ فِي ذُبَابٍ) قَالَوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (مَرَّ رَجُلَانِ عَلَى قَوْمٍ لَهُمْ صَنَمٌ لَا يَجُوزُهُ أَحَدٌ حَتَّى يُقَرِّبَ لَهُ شَيْئًا، فَقَالَوا لِأَحَدِهِمَا: قَرِّبْ، فَقَالَ لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ، قَالَوا قَرِّبْ وَلَوْ ذُبَابًا، فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ، فَدَخَلَ النَّارَ، وَقَالَوا لِلْآخَرِ: قَرِّبْ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأُقَرِّبَ لِأَحَدٍ شَيْئًا مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، فَدَخَلَ الْجَنَّةَ).
وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ يَتَكَلَّمُ بِهَا الْعَبْدُ يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَرُبَّمَا اتَّكَلَ بَعْضُ الْمُغْتَرِّينَ عَلَى مَا يَرَى مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ مَا بِهِ، وَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُ، وَأَنَّهُ يُعْطِيهِ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، وهَذَا مِنَ الْغُرُورِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا رِشْدِيْنُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الْأَنْعَامِ:44]
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُتَابِعُ عَلَيْكَ نِعَمَهُ وَأَنْتَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ فَاحْذَرْهُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ مِنْهُ يَسْتَدْرِجُكَ بِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزُّخْرُفِ:33-35]
وَقَدْ رَدَّ سُبْحَانَهُ عَلَى مَنْ يَظُنُّ هَذَا الظَّنَّ بِقَوْلِهِ: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي [الْفَجْرِ:16،15] أَيْ: لَيْسَ كُلُّ مَنْ نَعَّمْتُهُ وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ أَكُونُ قَدْ أَكْرَمْتُهُ، وَلَا كُلُّ مَنِ ابْتَلَيْتُهُ وَضَيَّقْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ
– الشيخ: لا، لا في شيء؟ قل.
– القارئ: وَقَدْ رَدَّ سُبْحَانَهُ عَلَى مَنْ يَظُنُّ هَذَا الظَّنَّ بِقَوْلِهِ: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي
– الشيخ: {كَلَّا} لا بُدَّ هذا الذي فيها {كَلَّا} اقرأها بس "{كلَّا} أيْ:" بعدَها.
– القارئ: {كَلَّا} لَيْسَ كُلُّ مَنْ نَعَّمْتُهُ وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ أَكُونُ قَدْ أَكْرَمْتُهُ، وَلَا كُلُّ مَنِ ابْتَلَيْتُهُ وَضَيَّقْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ أَكُونُ قَدْ أَهَنْتُهُ، بَلْ أَبْتَلِي هَذَا بِالنِّعَمة، وَأُكْرِمُ هَذَا بِالِابْتِلَاءِ.
– الشيخ: أيش؟ لا.
– القارئ: بَلْ أَبْتَلِي هَذَا بِالنِّعَمةِ
– الشيخ: بالنعمةِ، بالنِّعَمِ، نعم.
– القارئ: بَلْ أَبْتَلِي هَذَا بِالنِّعَمِ، وَأُكْرِمُ هَذَا بِالِابْتِلَاءِ.
– الشيخ: لا، "وأَبْتَلِي هَذَا"، "وأَبْتَلِي هَذَا" ما في، ما في
– القارئ: الذي عندي
– الشيخ: عندك أيش؟
– طالب: الأولى: "أَبْتَلِي"، الثاني: "أُكرم"
– الشيخ: ما هو بالظاهر، الثانية: "أَبْتَلِي"، والثانية: أَبْتَلِي، اقرأ.
– القارئ: بَلْ أَبْتَلِي هَذَا بِالنِّعَمِ وَأبتلي هَذَا بِالِابْتِلَاءِ.
– الشيخ: لا،لا، ما هو بجيد، وأَبْتَلِي هَذَا، وأَبْتَلِي هَذَا بِالنِّعَمِ وَأبتلي هَذَا، وَأبتلي هَذَا، وَأبتلي هَذَا، يمكن "وأبتلي هذا بالبلاءُ"، يمكن يمكن تمشِي كدا، "وَأبتلي هَذَا بالبلاءَ"، الذي هو ضيقُ الرزقِ، وراجِعُوا النُّسَخَ التي راجعوا، راجعْ يا علي.
– طالب: أبشِرْ، بإذن الله.
– القارئ: وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الْإِيمَانَ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ)
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: رُبَّ مُسْتَدْرَجٍ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، وَرُبَّ مَغْرُورٍ بِسَتْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، وَرُبَّ مَفْتُونٍ بِثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ.
– الشيخ: أعوذُ باللهِ، أعوذُ باللهِ مِن ذلك.
– القارئ: فَصْلٌ:
وَأَعْظَمُ الْخَلْقِ غُرُورًا مَنِ اغْتَرَّ بِالدُّنْيَا وَعَاجَلَهَا، فَآثَرَهَا عَلَى الْآخِرَةِ، وَرَضِيَ بِهَا مِنَ الْآخِرَةِ، حَتَّى يَقُولَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ: الدُّنْيَا نَقْدٌ، وَالْآخِرَةُ نَسِيئَةٌ، وَالنَّقْدُ أَنفعُ مِنَ النَّسِيئَةِ.
وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: "ذَرَّةٌ مَنْقُودَةٌ، وَلَا دُرَّةٌ مَوْعُودَةٌ".
– الشيخ: أعوذُ بالله، الله الـمُستعان، هذه كلماتُ مَن بلغَ بهم إيثارُ الدنيا والغفلةِ عَن الآخرة، بل التكذيبُ هذا لا يصدرُ إلا عَن تكذيبٍ أو سَفَهٍ مُفرِطٍ، فمَنْ آثرَ الحقيرَ على النَّفِيسِ وهو يعلمُ الفرقَ بينهما فهوَ أسْفَهُ الناسِ.
– القارئ: وَيَقُولُ آخَرُ مِنْهُمْ: "لَذَّاتُ الدُّنْيَا مُتَيَقَّنَةٌ، وَلَذَّاتُ الْآخِرَةِ مَشْكُوكٌ فِيهَا،
– الشيخ: إي، خلاص "مشكوكٌ فيها"، صار شَاكّ.
– القارئ: ولَا أَدَعُ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ". وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ تَلْبِيسِ الشَّيْطَانِ وَتَسْوِيلِهِ، وَالْبَهَائِمُ الْعُجْمُ أَعْقَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ فَإِنَّ الْبَهِيمَةَ إِذَا خَافَتْ مَضَرَّةَ شَيْءٍ لَمْ تُقْدِمْ عَلَيْهِ وَلَوْ ضُرِبَتْ، وَهَؤُلَاءِ يُقْدِمُ أَحَدُهُمْ عَلَى عَطَبُهُ، وَهُوَ بَيْنَ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ.
وهَذَا الضَّرْبُ إِنْ آمَنَ أَحَدُهُمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلِقَائِهِ وَالْجَزَاءِ، فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ حَسْرَةً؛ لِأَنَّهُ أَقْدَمَ عَلَى عِلْمٍ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَأَبْعَدُ لَهُ. وَقَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ: النَّقْدُ خَيْرٌ مِنَ النَّسِيئَةِ.
جَوَابُهُ أَنَّهُ إِذَا تَسَاوَى النَّقْدُ وَالنَّسِيئَةُ فَالنَّقْدُ خَيْرٌ، وَإِنْ تَفَاوَتَا وَكَانَتِ النَّسِيئَةُ أَكْثرَ وَأَفْضَلَ فَهِيَ خَيْرٌ، فَكَيْفَ وَالدُّنْيَا كُلُّهَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا كنفَسٍ وَاحِدٍ مِنْ أَنْفَاسِ الْآخِرَةِ؟
كَمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَمَا يُدْخِلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ؟)
فَإِيثَارُ هَذَا النَّقْدِ عَلَى هَذِهِ النَّسِيئَةِ، مِنْ أَعْظَمِ الْغَبْنِ وَأَقْبَحِ الْجَهْلِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا نِسْبَةَ الدُّنْيَا بِمَجْمُوعِهَا إِلَى الْآخِرَةِ، فَمَا مِقْدَارُ عُمُرِ الْإِنْسَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخِرَةِ، فَأَيُّمَا أَوْلَى بِالْعَاقِلِ؟ إِيثَارُ الْعَاجِلِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ، وَحِرْمَانُ الْخَيْرِ الدَّائِمِ فِي الْآخِرَةِ، أَمْ تَرْكُ شَيْءٍ حَقِيرٍ صَغِيرٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ قُرْبٍ، لِيَأْخُذَ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ وَلَا خَطَرَ لَهُ، وَلَا نِهَايَةَ لِعَدَدِهِ، وَلَا غَايَةَ لِأَمَدِهِ؟
وَأَمَّا قَوْلُ الْآخَرِ: لَا أَتْرُكُ مُتَيَقَّنًا لِمَشْكُوكٍ
– الشيخ: إلى آخرِه، نعم يا محمد.
– طالب: في بعض الأسئلة.
– الشيخ: نعم، الله أكبر، سيأتي يقولُ بعضُ الشَّواهد يقولُ:
خُذْ مَا تَرَاهُ وَدَعْ شيئاً سمعتَ بِهِ … في طلعةِ البدرِ ما يُغْنِيكَ عَن زُحَلِ
آمَنتُ باللهِ، آمَنَّا باللهِ، الحمد لله، نسألُ اللهَ الثباتَ.