بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (تحفة المودود في أحكام المولود) للإمام ابن القيّم
الدّرس الأربعون
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على جميع المرسلين، اللهمَّ اغفرْ لنا ولشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الإمامُ ابنُ القيمِ -رحمَه الله تعالى- في كتابه "تحفةُ المودودٍ بأحكامِ المولودِ":
قَالَ الموجبونَ: الْخِتَانُ عَلَمُ الحنيفيّةِ
– الشيخ: عَلَم بمعنى: عَلامة. عَلَم بمعنى: علامة. علامة الحنيفيّةِ.
– القارئ: قَالَ الموجبونَ: الْخِتَانُ عَلَمُ الحنيفيةِ وشِعارِ الْإِسْلَامِ وَرَأسُ الْفطْرَةِ وعنوانُ الْملَّةِ، وَإِذا كَانَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- قدْ قَالَ: (مَنْ لمْ يَأْخُذْ مِن شاربِهِ فَلَيْسَ مِنَّا) فَكيفَ مَن عَطَّلَ الْخِتَانَ وَرَضيَ بشعارِ القُلْفِ عبادِ الصُلبانِ؟
وَمِنْ أظهرَ مَا يُفرِّق بَينَ عُبَّادِ الصلبانِ وَعبادِ
– الشيخ: يُفرَّق، من أعظم ما يُفرَّق به
– القارئ: وَمِنْ أظهرَ مَا يُفرِّقُ بهِ بَينَ عُبَّادِ الصلبانِ وَعبادِ الرحمنِ: الخِتانِ.
– الشيخ: ما يُفرَّق به، اقرأ، اقرأ.
– القارئ: وَمَنْ أظهرِ مَا يُفرَّقُ بِه بَينَ
– الشيخ: جيد، وش أنتو [ماذا عندكم]؟
– طالب: أنا عندي يُفَرِّقُ به، بكسر الراء. "وَمن أظهر مَا يُفرِّق به".
– الشيخ: لا لا، لا، لما ما تصلح، لما يُفرَّق به، أو يُفَرِّقُ، من أعظم ما يُفرِّقُ به، لو جاءت: "ومن أعظم ما يَفْرِقُ"، "ما يَفْرِقُ بين"، "ما يَفْرِقُ بين"، نعم، امشِ المعنى ظاهر، نعم بعده.
– القارئ: بَين عُبَّادِ الصلبانِ وَعِبادِ الرَّحْمَنِ: الْخِتَانُ، وَعَلِيهِ اسْتمرَّ عملُ الحنفاءِ مِن عهدِ إمَامِهمْ إِبْرَاهِيم إِلَى عهدِ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ فَبُعثَ بتكميلِ الحنيفيةِ وتقريرِها لَا بتحويلِها وتغيّيرِها.
وَلـمَّا أَمرَ اللهُ بِهِ خَلِيلَه وَعلِمَ أَنْ أمرَه المطاعُ وَإنَّهُ لَا يجوزُ أَنْ يُعطَّلَ ويُضاعَ بَادرَ إِلَى امْتِثَال مَا أَمر بِهِ الْحَيّ القيومُ وخَتَنَ نَفسَهُ بالقَّدُومُ مبادرةً إِلَى الِامْتِثَالِ وَطَاعَةً لذِي الْعِزَّة والجلالِ وَجعلَهُ فطْرَةً بَاقِيَةً فِي عقبَهِ إِلَى أَنْ يَرثَ اللهُ الأَرْضَ وَمنْ عَلَيْهَا، وَلذَلِكَ دَعَا جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ مِن ذُريَّته أممـَهُم إِلَيْهَا حَتَّى عبدُ اللهِ وَرَسُولُه وكلمتُه ابْنُ الْعَذْرَاءِ البتولِ فَإِنَّهُ اختتنَ مُتَابعَةً لإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، وَالنَّصَارَى تُقرُّ بذلكَ وتعترفُ أَنه مِنْ أَحْكَامِ الْإِنْجِيلِ، وَلَكِنْ اتَّبعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ.
حَتَّى لقدْ أذَّنَ عَالمُ أهلِ بَيتِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ أذاناً سَمعَه الْخَاصُّ وَالْعَامُّ: "أَنَّ مَنْ لمْ يَختتِنْ فَلَا صَلَاة لَهُ، وَلَا تُؤْكَل ذَبِيحَته" فَأخْرجَهُ مِن جملَة أهلِ الْإِسْلَام، وَمثلُ هَذَا لَا يُقَالُ لتاركِ أَمرٍ هُوَ بَينَ تَركِه وَفعلِه بِالْخِيَارِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لمِا عُلِمَ وُجُوبُه عِلماً يقربُ من الِاضْطِرَار.
وَيَكْفِي فِي وُجُوبِه أَنَّهُ رَأسُ خِصَالِ الحنيفيةِ الَّتِي فطرَ اللهُ عبادَهُ عَلَيْهَا ودعتْ جَمِيع الرُّسُلِ إِلَيْهَا فتاركُه خَارجٌ عَن الْفطْرَةِ الَّتِي بعثَ اللهُ رسلَه بتكميلِها، وَمُوْضِعٌ فِي تعطيلِها، ومُؤخِّرٌ لما اسْتحقَّ التَّقْدِيمَ، ورَاغِبٌ فِي مِلَّة أَبِيه إِبْرَاهِيمَ
– الشيخ: وراغبٌ..
– القارئ: رَاغِبٌ فِي مِلَّة
– الشيخ: عن
– القارئ: عفا الله عنك
– طالب: نعم، عن.
– القارئ: ورَاغِبٌ عَنْ مِلَّةِ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ، إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الْبَقَرَة:131-132] فَكَمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ رَأسُ الْملَّةِ الحنيفيةِ وقِوامُها فالاستسلامُ لأَمرهِ كمالُها وتمامُها
وَأما قَوْلُه -صلى الله عليه وسلم- فِي الحَدِيثِ: (الْخِتَانُ سُنَّةٌ للرِّجَالِ مَكرمَةٌ للنِّسَاءِ).
فَهَذَا حَدِيثٌ يُرْوى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، ويُروى أَيْضاً عَن الْحجَّاجِ بنِ أَرْطَأة وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، عَنْ أبي الْمُليح ابْنِ أُسَامَةَ عَن أَبِيهِ عَنهُ، وَعَن مَكْحُولٍ عَنْ أبي أَيُّوبٍ عَن النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فَذكره.
ذكرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ، ثمَّ سَاقَ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنهُ: "لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الأقْلَفِ وَلَا تُقْبَلُ صلَاتُهُ وَلَا تجوزُ شَهَادَتُهُ"، ثمَّ قَالَ: "وَهَذَا يدلُّ على أَنًّهُ كَانَ يُوجِبُهُ وَأَنَّ قَوْلَهُ: "الْخِتَانُ سُنَّةٌ" أَرَادَ بِهِ سُنَّةَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سنة وَأمرَ بِهِ فَيكونُ وَاجِباً". انْتهى
وَالسّنةُ هِيَ: الطَّرِيقَةُ، يُقَال: "سَنَنْتُ لَهُ كَذَا" أَي: شَرَعتُ، فَقَوله: (الْخِتَانُ سُنَّةٌ للرِّجَالِ) أَي: مَشْرُوعٌ لَهُم، لَا أَنه نَدْبٌ غيرُ وَاجِبٍ، فَالسُّنَّةُ هِيَ: الطَّرِيقَةُ المتبعةُ وجوباً واستحباباً؛ لقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّيْ) وَقَوله: (عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدينَ مِنْ بَعْدِي)
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "مَنْ خَالفَ السُّنةَ كَفَرَ".
وَتَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِمَا يجوزُ تَركُهُ اصْطِلَاحٌ حَادثٌ.
– الشيخ: "مَنْ تَركَ السّنةَ كفرَ" يعني: مَن تركَ طريقَ الرسولِ وأعرضَ عنها كفرَ، لكن مَن تركَ سنةً مِن السُّننِ القوليةِ أو العَملية، هذا معلومٌ بالضرورةِ أنه لا يَكفر، تركُ سنةٍ قوليةٍ أو فعليةٍ، بلْ مَن تركَ فريضةً مِن الفرائضِ الواجباتِ يكونُ عاصياً وإنْ لمْ يكنْ كافراً.
– القارئ: وَإِلَّا فَالسُّنُّةُ مَا سَنَّهُ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمَّتِهِ مِنْ وَاجِبٍ ومُسْتَحَبٍّ، فَالسُّنَّةُ هِيَ: الطَّرِيقَةُ، وَهِيَ الشَّرِيعَةُ والمنهاجُ والسبيلُ.
– وَأمَّا قَوْلُكُم: "إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَرَنَهُ بالمسنوناتِ".
فدلالةُ الاقترانِ لَا تَقوى على مُعَارضَةِ أَدِلَّةِ الْوُجُوبِ.
ثمَّ إِنَّ الْخِصَالَ الْمَذْكُورَةَ فِي الحَدِيثِ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ: كالمضمضةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ والاستنجاءِ.
وَمِنْهَا: مَا هُوَ مُسْتَحبٌّ كالسواكِ.
وَأمَّا تقليمُ الْأَظْفَارِ فَإِنَّ الظُّفُرِ إِذا طَالَ جداً بِحَيْثُ يجْتَمعُ تَحْتَهُ الْوَسَخُ وَجبَ تقليمُه؛ لصِحَّةِ الطَّهَارَةِ. وَأمَّا قَصَّ الشَّارِبِ: فالدليلُ يَقتضي وُجُوبَهُ إِذا طَالَ، وَهَذَا الَّذِي يتَعَيَّنُ القَوْلُ بِهِ لأمرِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِهِ وَلقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ لَمْ يَأْخُذْ شَاربَهُ فَلَيْسَ مِنَّا)
– وَأمَّا قَولُ الْحسنِ الْبَصْرِيِّ: "قدْ أسلمَ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- النَّاسُ فَمَا فَتَّشَ أحداً مِنْهُمْ".
فَجَوَابُهُ: أَنَّهمْ اسْتَغْنَوا عَنِ التَّفتيشِ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ من الْخِتَانِ
– الشيخ: يعني: كأنَّ العربَ كانوا يختتنون.
– القارئ: فَإِنَّ الْعَرَبَ قاطبةً كلُّهم كَانُوا يختتنونَ، وَالْيَهُودُ قاطبةً تختتنُ، وَلمْ يبْقَ إِلَّا النَّصَارَى، وهمْ فرقتانِ: فرقةٌ تختتنُ، وَفرْقَةٌ لَا تختتنُ.
وَقدْ عَلِمَ كلُّ مَنْ دخلَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيرِهم أَنَّ شعارَ الْإِسْلَامِ الْخِتَانُ، فَكَانُوا يُبادرونَ اليهِ بعدَ الْإِسْلَامِ كَمَا يُبادرونَ إِلَى الْغُسْلِ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَبِيراً يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيخَافُ التَّلَفَ سقطَ عَنهُ.
وَقدْ سُئِلَ الإِمَامُ أَحْمدُ عَنْ ذَبِيحَةِ الأقْلَفِ، وَذُكرَ لَهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: "لَا تُؤْكَلُ"، فَقَالَ: ذَلِكَ عِنْدِي إِذا ولدَ بَينَ أبوينِ مُسلمينِ فَكبرَ وَلمْ يختتنْ، وَأمَّا الْكَبِيرُ إِذا أسلمَ وَخَافَ على نَفسِهِ الْخِتَانَ فَلهُ عِنْدِي رخصَةٌ.
– وَأمَّا قَوْلُكُمْ: "إِنَّ الْملَّةَ هِيَ التَّوْحِيدُ".
فالمِلَّةُ هِيَ: الدّينُ، وَهِيَ مَجْمُوعُ أَقْوَالٍ وأفعالٍ واعتقادٍ، وَدخُولُ الْأَعْمَالِ فِي الْمِلَّةِ كدخولِ الْإِيمَانِ، فالْمِلَّةُ هِيَ الْفطْرَةُ وَهِيَ الدّينُ، ومُحالٌ أَنْ يَأْمرَ اللهُ -سُبْحَانَهُ- بِاتِّبَاعِ إِبْرَاهِيمَ فِي مُجَرّدِ الْكَلِمَةِ دونَ الْأَعْمَالِ وخصالِ الْفطْرَةِ، وَإِنَّمَا أَمرَ بمتابعتِهِ فِي توحيدِهِ وأقوالِهِ وأفعالِهِ، وَهُوَ -صلى الله عليه وسلم- اختتنَ امتثالاً لأمرِ ربِّهِ الَّذِي أمرَهُ بِهِ وابتلاهُ بِهِ فوفَّاهُ كَمَا أَمرَ، فَإِنْ لمْ نَفْعلْ كَمَا فعلَ لمْ نَكُنْ متَّبعينَ لَهُ.
– وَأمَّا قَوْلُكُمْ فِي حَدِيثِ غُنيم بنِ كُلَيْبٍ عَن أَبِيه عَنْ جدِّهِ: بِأَنَّهُ مِن رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بن أبي يحيى.
فالشافعيُّ كَانَ حَسَنَ الظَّنِّ بِهِ، وَغَيرُهُ يُضعفُهُ، فَحَدِيثُهُ يصلحُ للاعتضادِ بِحَيْثُ يتقوَّى بِهِ، وَإِنْ لمْ يُحْتَجَّ بِهِ بتفردِّهِ. وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ فِي مُرْسلِ الزُّهْرِيِّ، فَإِذا لم يُحْتَجَّ بِهِ وَحدَهُ فَإِنَّ هَذِه المرفوعاتِ والموقوفاتِ والمراسيلَ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ فِي حَدِيثِ مُوسَى بنِ إِسْمَاعِيلَ وَشَبَهِهِ.
– وَأمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تفرَّدَ بقولِهِ فِي الأقْلَفِ: "لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَلَا صَلَاةَ لَهُ".
فَهَذَا قَولُ صَحَابِيٍّ، وَقدْ احْتجَّ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيرُهُم بأقوالِ الصَّحَابَةِ وصرَّحوا بِأَنَّهَا حجَّةٌ، وَبَالَغَ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ وَجعلَ مخالفتَها بِدعَةً، كَيفَ وَلمْ يُحفظْ عَنْ صَحَابِيٍّ خلافُ ابْنِ عَبَّاسٍ؟! وَمثلُ هَذَا التَّشْدِيدِ والتغليظِ لَا يَقُولُهُ عَالـِمٌ مثلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تركِ مَنْدُوبٍ يُخَيَّرُ الرجلُ بَينَ فعلِهِ وَتَركِهِ.
– وَأما قَوْلكُمْ: "إِنَّ الشعائرَ تَنْقَسِمُ إِلَى مُسْتَحبٍّ وواجبٍ".
فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ مثلُ هَذَا الشِّعارِ الْعَظِيمِ الْفَارِقِ بَينَ عُبَّادِ الصَّلِيبِ وَعِبادِ الرَّحْمَنِ الَّذِي لَا تتمُّ الطَّهَارَةُ إِلَّا بِهِ وَتَركُهُ شعارَ عُبَّادِ الصَّلِيبِ لَا يكونُ إِلَّا مِن أعظمِ الْوَاجِبَاتِ.
– وَأمَّا قَوْلُكُم: "أَيْنَ بَابُ الْعُقُوبَاتِ مِن بَابِ الْخِتَانِ؟".
فَنحْنُ لمْ نجْعَلْ ذَلِكَ أصلاً فِي وجوبِ الْخِتَانِ، بلْ اعْتبرنَا وجوبَ أَحدِهمَا بِوُجُوبِ الآخرِ فَإِنَّ أَعْضَاءَ الْمُسلمِ وظهرَهُ وَدَمَهُ حِمَىً إِلَّا مِنْ حَدٍّ أَو حَقٍّ، وَكِلَاهُمَا تتَعَيَّنُ إِقَامَتُهُ وَلَا يجوزُ تعطيلُهُ.
– وَأمَّا كشفُ الْعَوْرَةُ لَهُ فَلَو لمْ تكنْ مصْلحَتُهُ أرجحَ مِن مفْسدَةِ كشفِها وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا ولمسِها لمْ يجزْ ارْتِكَابُ ثَلَاثِ مفاسدَ عَظِيمَةً لأمرٍ مَنْدُوبٍ يجوزُ فعلُهُ وَتَركُهُ.
– وَأمَّا المداواةُ فَتلكَ مِنْ تَمامِ الْحَيَاةِ وأسبابِها الَّتِي لَا بُدَّ للبُنيَةِ مِنْهَا، فَلَوْ كَانَ الْخِتَانُ مِن بَابِ المندوباتِ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ كشفِها لما لَا تَدْعُو الْحَاجةُ إِلَيْهِ وَهَذَا لَا يجوزُ.
– وَأما قَوْلكُمْ: "إِنَّ الْوَلِيَّ يُخْرِجُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ أُجْرَةَ الْمعلِّمِ والـمُؤدِّبِ".
فَلَا ريبَ أَنَّ تَعْلِيمَه وتأديبَه حقٌّ وَاجِبٌ على الْوَلِيِّ فَمَا أُخرجَ مِن مَالِهِ إِلَّا فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ مِن صَلَاحِهِ فِي دُنْيَاهُ وآخرتِهِ مِنْهُ، فَلَو كَانَ الْخِتَانُ مَنْدُوبًا مُحضَاً لَكَانَ إِخْرَاجُهُ بِمَنْزِلَةِ صَّدَقَةِ التَّطَوُّعِ عِنْدَهُ وبذلُهُ لمنْ يَحجُّ عَنْهُ حجَّةَ التَّطَوُّعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
– وَأمَّا الْأُضْحِيةُ عَنهُ فَهِيَ مُخْتَلفٌ فِي وُجُوبهَا، فَمَنْ أوجبَهَا لمْ يُخرجْ مَالَه إِلَّا فِي وَاجِبٍ، وَمَنْ رَآهَا سنةً، قَالَ: مَا يحصلُ بهَا مِن جَبْرِ قلبِهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وتفريحِهِ أعظمُ مِن بَقَاءِ ثمنِهَا فِي ملكِهِ. والله أعلم.
– الشيخ: انتهى الباب؟
– القارئ: انتهى الباب، عفا الله عنك. الفصل.
– الشيخ: الله المستعان، بعده.
– القارئ: الْفَصْل الْخَامِس فِي وَقت وُجُوبه
– الشيخ: حسبك. نعم يا محمد.