بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس: العشرون بعد المئة
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ: فيقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه الله تعالى في كتابه: (الجوابُ الصحيحُ لِمَنْ بدَّلَ دينَ المسيحِ) يقولُ رحمَه اللهُ تعالى:
فصلٌ: قَالُوا: وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ أَيْضًا فِي هَذَا الْكِتَابِ خَالِقًا حَيْثُ قَالَ:
وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي [المائدة:110]
فَأَشَارَ بِالْخَالِقِ إِلَى كَلِمَةِ اللَّهِ الْمُتَّحِدَةِ بِالنَّاسُوتِ الْمَأْخُوذِ مِنْ مَرْيَمَ لِأَنَّهُ كَذَا قَالَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ النَّبِيِّ: "بِكَلِمَةِ اللَّهِ خُلِقَتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، لَيْسَ خَالِقٌ إِلَّا اللَّهَ وَكَلِمَتَهُ وَرُوُحَهُ.
وَهَذَا مِمَّا يُوَافِقُ رَأْيَنَا وَاعْتِقَادَنَا فِي السَّيِّدِ الْمَسِيحِ لِذِكْرِهِ، لِأَنَّهُ حَيْثُ قَالَ:
وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي
أَيْ بِإِذْنِ لَاهُوتِ الْكَلِمَةِ الْمُتَّحِدَةِ فِي النَّاسُوتِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ جَمِيعَ مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ وَغَيْرِهَا، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، وَهَكَذَا شَأْنُ جَمِيعِ أَهْلِ الضَّلَالِ إِذَا احْتَجُّوا بِشَيْءٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَكَلَامِ أَنْبِيَائِهِ كَانَ فِي نَفْسِ مَا احْتَجُّوا بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ
– الشيخ: الله أكبر، هذه مسألةٌ عظيمةٌ أن تكونَ الشبهات، شبهاتُ الباطلِ في ضمنِها ما يدلُّ على بطلانِ ما احتجُّوا بها عليه، ولكن هذا لا يُدركُه إلا يعني مَن فتحَ الله عليهِم وألهمَهُم، فهو مِن علمِ الخواصّ، خواصّ أولياء الله، وخواصّ أهلِ العلم.
– القارئ: وَهَكَذَا شَأْنُ جَمِيعِ أَهْلِ الضَّلَالِ إِذَا احْتَجُّوا بِشَيْءٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَكَلَامِ أَنْبِيَائِهِ كَانَ فِي نَفْسِ مَا احْتَجُّوا بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ، وَذَلِكَ لِعَظَمَةِ كُتُبِ اللَّهِ تعالى الْمُنَزَّلَةِ وَمَا أَنْطِقَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ، فَإِنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ هَدًى وَبَيَانًا لِلْخَلْقِ وَشِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ أَجْمَعِينَ- مِنَ الْهُدَى وَالْبَيَانِ مَا يُفَرِّقُ اللَّهُ تعالى بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، لَكِنَّ النَّاسَ يُؤْتَوْنَ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ لَا مِنْ قِبَلِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ – تَعَالَى.
إِمَّا مِنْ كَوْنِهِمْ لَمْ يَتَدَبَّرُوا الْقَوْلَ الَّذِي قَالَتْهُ الْأَنْبِيَاءُ حَقَّ التَّدَبُّرِ حَتَّى يَفْقَهُوهُ وَيَفْهَمُوهُ، وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ أَخْذِهِمْ بِبَعْضِ الْحَقِّ دُونَ بَعْضٍ، مِثْلَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِبَعْضِ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ دُونَ بَعْضٍ، فَيَضِلُّونَ مِنْ جِهَةِ مَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنِ النَّصَارَى:
وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [المائدة:14]
وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ نِسْبَتِهِمْ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ مَا لَمْ يَقُولُوهُ مِنْ أَقْوَالٍ كُذِبَتْ عَلَيْهِمْ وَمِنْ جِهَةِ تَرْجَمَةِ أَقْوَالِهِمْ بِغَيْرِ مَا تَسْتَحِقُّهُ مِنَ التَّرْجَمَةِ، وَتَفْسِيرِهَا بِغَيْرِ مَا تَسْتَحِقُّهُ مِنَ التَّفْسِيرِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَيُؤْخَذَ كَلَامُهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَتُعْرَفَ مَا عَادَتُهُ يَعْينهِ
– الشيخ: أيش؟
– القارئ: كأنه يعنيه، أحسن الله إليك
– طالب: أي يعنيه
– القارئ: عندي، يعينه، هكذا، لعلها "يعنيه" أحسن الله إليك، وَتُعْرَفَ مَا عَادَتُهُ يَعْنيهِ وَيُرِيدُهُ
– الشيخ: صح
– القارئ: وَتُعْرَفَ مَا عَادَتُهُ يَعْنيهِ وَيُرِيدُهُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ إِذَا تَكَلَّمَ بِهِ، وَتُعْرَفَ الْمَعَانِي الَّتِي عُرِفَ أَنَّهُ أَرَادَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَإِذَا عُرِفَ عُرْفُهُ وَعَادَتُهُ فِي مَعَانِيهِ وَأَلْفَاظِهِ، كَانَ هَذَا مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ مُرَادِهِ.
وَأَمَّا إِذَا اسْتُعْمِلَ لَفْظُهُ فِي مَعْنًى لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، وَتُرِكَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي جَرَتْ عَادَتُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، وَحُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى خِلَافِ الْمَعْنَى الَّذِي قَدْ عُرِفَ أَنَّهُ يُرِيدُهُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ بِجَعْلِ كَلَامِهِ مُتَنَاقِضًا، وَتَرْكِ حَمْلِهِ عَلَى مَا يُنَاسِبُ سَائِرَ كَلَامِهِ، كَانَ ذَلِكَ تَحْرِيفًا لِكَلَامِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَتَبْدِيلًا لِمَقَاصِدِهِ وَكَذِبًا عَلَيْهِ.
فَهَذَا أَصْلُ مَنْ ضَلَّ فِي تَأْوِيلِ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى غَيْرِ مُرَادِهِمْ، فَإِذَا عُرِفَ هَذَا، فَنَقُولُ:
الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ هُنَا مِنْ وُجُوهٍ
– الشيخ: رحمه الله، لا إله إلا الله
– القارئ: أَحُدُهَا: أَنَّ اللَّهَ تعالى لَمْ يَذْكُرْ عَنِ الْمَسِيحِ خَلْقًا مُطْلَقًا، وَلَا خَلْقًا عَامًّا، كَمَا ذَكَرَ عَنْ نَفْسِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَأَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5]
وَقَالَ تَعَالَى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:22-24]
فَذَكَرَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ، وَلَمْ يَصِفْ قَطُّ شَيْئًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ بِهَذَا لَا مَلَكًا وَلَا نَبِيًّا، وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى
– الشيخ: فوصف نفسه
– القارئ: فَذَكَرَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ
– الشيخ: فذكر نفسه؟
– القارئ: نعم، أحسن الله إليك
فَذَكَرَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ وَلَمْ يَصِفْ قَطُّ شَيْئًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ بِهَذَا لَا مَلَكًا وَلَا نَبِيًّا، وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:
اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الزمر:63،62]
وَقَالَ تَعَالَى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنعام:101،100]
وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَبِأَنَّهُ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ، وَأَنَّهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَأَنَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَبِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَمْ يَصِفْ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ لَا مَلَكًا مُقَرَّبًا وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا بِشَيْءٍ مِنَ الْخَصَائِصِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا، الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَأَمَّا الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ فِيهِ: وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي [المائدة:110]
وَقَالَ الْمَسِيحُ عَنْ نَفْسِهِ: وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ [آل عمران:49] فَلَمْ يَذْكُرْ إِلَّا خَلْقَ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ خَاصٍّ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْخَالِقُ هُوَ ذَاكَ؟
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ خَلَقَ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ تَصْوِيرُهُ بِصُورَةِ الطَّيْرِ، وَهَذَا الْخَلْقُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ عَامَّةُ النَّاسِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَحَدُهُمْ أَنْ يُصَوِّرَ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، وَغَيْرِ الطَّيْرِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّصْوِيرَ مُحَرَّمٌ، بِخِلَافِ تَصْوِيرِ الْمَسِيحِ، فَإِنَّ اللَّهَ تعالى أَذِنَ لَهُ فِيهِ.
وَالْمُعْجِزَةُ أَنَّهُ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ فَيَصِيرُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
– الشيخ: كما ينفخ […..] في الجنين فيصيرُ حَيَّاً، كلّ هذا بأمرِ اللهِ وبمقدارِ الله.
– القارئ: لَيْسَ الْمُعْجِزَةُ مُجَرَّدَ خَلْقِهِ مِنَ الطِّينِ، فَإِنَّ هَذَا مُشْتَرَكٌ، وَقَدْ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُصَوِّرِينَ، وَقَالَ: (إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ).
– الشيخ: نسأل الله العافية، وقد عظمتْ الفتنةُ بالتصويرِ في هذا العصرِ، أمرٌ لم يُسبَق لَه نظيرٌ، التصويرُ كان موجوداً عبرَ الزمان بنوعَيْهِ: الـمُجسَّم وغير الـمُجسَّم، ولكن الآن كلاهما الآن قد استفحَلَ وكَثُرَ، واستخفَّ به الناس، استخفّوا، دعَوا الكفارَ فالكفارُ يعبدون الأوثانَ ويعبدونَ الصُّلبان ويَعبدون النِّيران، ولا يؤمنون بالله ولا برسولِه، لكن الشأنُ -سبحان الله- في المسلمين، اتِّباع لشهواتِهم ورغباتِهم، وتبعية لأعداءِ الله، فأمَّا التصويرُ الـمُجسَّم، فلا أعلم أحداً يتأوَّل به، وأمَّا ما ليسَ بـِمُجَسَّم، وهو ما يُسمَّى الصورة التي ليسَ لها ظِلِّ، ما لها ظلّ كالتصويرِ على الورقِ قديماً بالألوان، ثمَّ صارَ الآن بطرائق جديدة بارعة هائلة، ثم تيسَّرَتْ، يعني التصوير كان، كان التصوير بالكاميرا يحتاج عملاً، تركيب وكان يسمى كيت وكيت، فكان فيها يعني بعض التأويل، مِن الناس مَن يتأوَّل فيها، ولكن صار … عند التصوير، تصوير الكاميرا الأولى القديمة، لا التصوير الآن نوعٌ آخر، تصويرُ الفيديو، وتأوَّلَ مَن تأوَّلَ مِن أهلِ العلم في شأنِ تصوير الــ، هذا النوع من التصوير، وقد يُسمَّى، قديماً يُسمَّى بالضوئي التصوير الضوئي؛ لأنَّه بواسطةِ الضوءِ.
وبسببِ الكثرةِ -كثرة الآلة آلات التصوير- حتى أصبحَ معَ كل، أو معَ أكثر الناسِ آلة تصوير، سبحان الله، مقرونة، هذه الآلةُ التصوير مقرونة بآلةِ الاتصال التي يحتاجُ لها كلّ الناس، فَقُرِنَتْ هذه بهذه فصارتْ مع كلّ واحد، بلاء هذا، ابتلاء هذا، ثمَّ أفتى مَن أفتى وتأوَّل مَن تأوَّل فاجتمعَ التأويل والتقليد، التأويلُ عند مَن أفتى والتقليد، والذين يُقلِّدون منهم مَن يحتجُّ بقولِ المتأوِّل أو بالعالم المجتهد المتأوّل يحتجُّ به وإنْ لم يكن مُعَوّلاً عليه هو، هو سيفعل التصوير أفتى مَن أفتى أو لم يفتِ، لكنه يتخذ المفتي ستارةً له يدفعُ بها اللّومَ عن نفسِه، لكن لو قالوا فلان أفتى أو فلان، ثمَّ تتابعَ الـمُفْتُون في هذا الأمرِ فعَمَّ البلاءُ وكَثُرَ الشَّر، يُصوروّن، يعني سوَّغ العلماءُ التصويرَ … تمسُّ إليه الحاجة إلى إثبات الشخصية أو ما إلى ذلك، يعني لكن وتَفنَّنوا وتنوَّعوا يصوِّرون الصورَ الكبيرة العظيمة، وكلّها بهذه الوسائل، يصوِّرون ثم يكبرون يُعظِّمونها، المهم إن فتنةَ التصوير قد عمَّتْ وطمَّتْ في هذا العصر، فعلى المسلمين، على المسلم أنْ يتقي الله ولا يتبعَ هواه، لا يتبع هواهُ في تصوير كل ما بدا له مما حرم الله، هو تصوير، سبحان الله، الآلة ذي وش اسمها؟ آلة تصوير، والذي يفعل وش اسمه؟ مصور، والنتيجة؟ صورة، سبحان الله.
– القارئ:
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ تعالى أَخْبَرَ الْمَسِيحَ عليه السلام أَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ التَّصْوِيرَ وَالنَّفْخَ بِإِذْنِهِ تَعَالَى وَأَخْبَرَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ هَذَا مِنْ نِعَمِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى الْمَسِيحِ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ [الزخرف:59]
وَقَالَ تَعَالَى: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ [المائدة:110]
وَهَذَا كُلُّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ اللَّهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ فَعَلَ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ، كَمَا فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَصَرِيحٌ بِأَنَّ الْآذِنَ غَيْرُ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَالْمُعَلِّمَ لَيْسَ هُوَ الْمُعَلَّمَ، وَالْمُنْعِمُ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَتِهِ لَيْسَ هُوَ إِيَّاهُ، كَمَا لَيْسَ هُوَ وَالِدَتُهُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ
– الشيخ: إلى هنا يا أخي
– القارئ: أحسن الله إليكم .