الرئيسية/شروحات الكتب/الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي/(23) فصل من آثار المعاصي قوله “فإن العبد إذا عمل بمعصية الله”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(23) فصل من آثار المعاصي قوله “فإن العبد إذا عمل بمعصية الله”

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (
الجوابُ الكافي لِمَن سألَ عن الدّواءِ الشَّافي) لابن القيّم
الدّرس: الثالث والعشرون

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلِّ اللَّهمَّ وسلِّمْ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ؛ قالَ العلَّامةُ ابنُ القيِّمِ في كتابِهِ: "الجوابُ الكافي لِمَن سألَ عن الدَّواءِ الشَّافي":
وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ وَكِيعٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا عَنْ عَامِرٍ قَالَ: كَتَبَتْ عَائِشَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ عَدَّ حَامِدَهُ مِنَ النَّاسِ ذَامًّا.
ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: لِيَحْذَرِ امْرُؤٌ أَنْ تَلْعَنَهُ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ

– الشيخ: أعوذُ بالله.
– القارئ: ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرِي مِمَّ هَذَا؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ يَخْلُو بِمَعَاصِي اللَّهِ فَيُلْقِي اللَّهُ بُغْضَهُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ.
وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ لِأَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُ لَمَّا رَكِبَهُ الدَّيْنُ اغْتَمَّ لِذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي لَأَعْرِفُ هَذَا الْغَمَّ بِذَنْبٍ أَصَبْتُهُ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
وَهَاهُنَا نُكْتَةٌ دَقِيقَةٌ يَغْلَطُ فِيهَا النَّاسُ فِي أَمْرِ الذَّنْبِ، وَهِيَ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ تَأْثِيرَهُ فِي الْحَالِ، وَقَدْ يَتَأَخَّرُ تَأْثِيرُهُ فَيُنْسَى، وَيَظُنُّ الْعَبْدُ أَنَّهُ لَا يُغَبِّرُ بَعْدَ ذَلِكَ

– الشيخ: "لَا يُغَيِّرُ" يمكن
– طالب: عندنا: "لَا يُغَيِّرُ"

– الشيخ: عندكم "يُغَيِّرُ"؟
– طالب: نعم

– الشيخ: إي "يُغَيِّرُ"
– القارئ: وَأَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:
إِذَا لَمْ يُغَبِّرْ حَائِطٌ فِي وُقُوعِهِ
*** فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ غُبَارُ
– الشيخ: هذه تصيرُ تؤيِّدُ أنَّه "يُغَبِّر"، كأن "يُغَبِّر" يعني: شبه الـتَّأثير بالغبار، الذَّنب يكون له غبارٌ وأثرٌ، نعم أعد البيتَ: إذا حائطٌ؟
– القارئ: إِذَا لَمْ يُغَبِّرْ حَائِطٌ فِي وُقُوعِهِ … فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ غُبَارُ
وَسُبْحَانَ اللَّهِ! مَاذَا أَهْلَكَتْ هَذِهِ البَليّةُ مِنَ الْخَلْقِ؟ وَكَمْ أَزَالَتْ من نِعْمَةٍ؟ وَكَمْ جَلَبَتْ مِنْ نِقْمَةٍ؟ وَمَا أَكْثَرَ الْمُغْتَرِّينَ بِهَا الْعُلَمَاءِ، فَضْلًا عَنِ الْجُهَّالِ، وَلَمْ يَعْلَمِ الْمُغْتَرُّ أَنَّ الذَّنْبَ يَنْقُضُ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، كَمَا يَنْقُضُ السُّمُّ، وَكَمَا يَنْقُضُ الْجُرْحُ الْمُنْدَمِلُ عَلَى الْغِشِّ

– الشيخ: "يَنْقُضُ" كأنَّه ينتقضُ، يقولُ: "انتقضَ عليه الجرحُ" انتقضَ إذا انبعثَ، اندملَ ثمَّ انتقضَ، كأنَّ أصل الكلمة ينتقضُ
 

– القارئ: وَكَمَا يَنْقُضُ الْجُرْحُ الْمُنْدَمِلُ عَلَى الْغِشِّ وَالدَّغَلِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: "اعْبُدُوا اللَّهَ كَأَنَّكُمْ تَرَوْنَهُ، وَعُدُّوا أَنْفُسَكُمْ في الْمَوْتَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ قَلِيلًا يُغْنِيكُمْ، خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ يُلْهِيكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْبِرَّ لَا يَبْلَى، وَأَنَّ الْإِثْمَ لَا يُنْسَى".
وَنَظَرَ بَعْضُ الْعُبَّادِ إِلَى صَبِيٍّ، فَتَأَمَّلَ مَحَاسِنَهُ، فَأُتـِيَ فِي مَنَامِهِ وَقِيلَ لَهُ: "لَتَجِدَنَّ غِبَّهَا بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً".
هَذَا مَعَ أَنَّ لِلذَّنْبِ نَقْدًا مُعَجَّلًا لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ

– الشيخ: "نَقْدًا" يعني: عقوبةً عاجلةً، عقوبةً عاجلةً، نسألُ اللهَ العافيةَ.
– القارئ: هَذَا مَعَ أَنَّ لِلذَّنْبِ نَقْدًا مُعَجَّلًا لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ، قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصِيبُ الذَّنْبَ فِي السِّرِّ فَيُصْبِحُ وَعَلَيْهِ مَذَلَّتُهُ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازِيُّ عَجِبْتُ مِنْ ذِي عَقْلٍ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "اللَّهُمَّ لَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ"، ثُمَّ هُوَ يُشْمِتُ بِنَفْسِهِ كُلَّ عَدُوٍّ لَهُ، قِيلَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ يَعْصِي اللَّهَ، فيَشْمَتُ بِهِ فِي الْقِيَامَةِ كُلُّ عَدُوٍّ.
وَقَالَ ذُو النُّونِ: مَنْ خَانَ اللَّهَ فِي السِّرِّ هَتَكَ اللَّهُ سِتْرَهُ فِي الْعَلَانِيَةِ.
فصلٌ: وَلِلْمَعَاصِي مِنَ الْآثَارِ الْقَبِيحَةِ الْمَذْمُومَةِ

– الشيخ: أيش قالوا عن هذه النقولِ كلِّها عن ابنِ الجوزيِّ؟
– القارئ: الأخيرُ هذا ذكرَ قالَ: لم أقفْ عليه، أغلبُها في كتابِ الزُّهد، الإمام أحمد.
– الشيخ: الله المستعان، على كلٍّ المقصودُ من هذا كلِّه، هو التحذيرُ من الذنوب، والذُّنوبُ هي أصلُ كلِّ شرٍّ يصيبُ الإنسانَ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30] ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي.. [الروم:41]  وكم في القرآنِ: بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ، واللهُ تعالى قصَّ علينا ما جرى على الأمم، وبيَّنَ أنَّ ذلك من آثارِ ذنوبِهم وتكذيبِهم، فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ، فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ، اللهُ أكبرُ.
فمقصودُ هذه الآثارِ -ما صحَّ أو ما لم يصحّ- كلُّها يعني صحيحةٌ في الجملة، أنَّها سببٌ لكلِّ سوءٍ يصيب الإنسانَ عاجلاً أو آجلاً، الذنوبَ الذنوبَ -أعوذُ باللهِ- المعاصي.
والآن ابنُ القيِّم من هنا يبدأُ بعقدِ فصولٍ يتوسَّع فيها، يعرضُ فيها أنواعَ العقوباتِ، عقوباتُ الذُّنوبِ، "ومِن عقوباتِها، ومن عقوباتِها"، عقوباتٌ مختلفةٌ -أعوذ بالله-، نعم أيش يقول: فصلٌ
 

– القارئ: فصلٌ: وَلِلْمَعَاصِي مِنَ الْآثَارِ الْقَبِيحَةِ الْمَذْمُومَةِ، الْمُضِرَّةِ بِالْقَلْبِ وَالْبَدَنِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ.
– الشيخ: يا سلام سلِّم
– القارئ: فَمِنْهَا: حِرْمَانُ الْعِلْمِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ، وَالْمَعْصِيَةُ تُطْفِئُ ذَلِكَ النُّورَ.
وَلَمَّا جَلَسَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ يَدَيْ مَالِكٍ وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَعْجَبَهُ مَا رَأَى مِنْ وُفُورِ فِطْنَتِهِ، وَتَوَقُّدِ ذَكَائِهِ، وَكَمَالِ فَهْمِهِ، فَقَالَ: إِنِّي أَرَى اللَّهَ قَدْ أَلْقَى عَلَى قَلْبِكَ نُورًا، فَلَا تُطْفِئْهُ بِظُلْمَةِ الْمَعْصِيَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
شَكَوْتُ إِلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي
*** فَأَرْشَدَنِي إِلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي
وَقَالَ: اعْلَمْ  بِأَنَّ الْعِلْمَ  فَضْلٌ
 *** وَفَضْلُ اللَّهِ لَا يُؤْتَاهُ عَاصِي
وَمِنْهَا: حِرْمَانُ الرِّزْقِ، وَفِي الْمُسْنَدِ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْق بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَكَمَا أَنَّ تَقْوَى اللَّهِ مَجْلَبَةٌ لِلرِّزْقِ فَتَرْكُ التَّقْوَى مَجْلَبَةٌ لِلْفَقْرِ

– الشيخ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ [الطلاق:2-3]
– القارئ: فَمَا اسْتُجْلِبَ رِزْقُ اللَّهِ بِمِثْلِ تَرْكِ الْمَعَاصِي.
وَمِنْهَا: وَحْشَةٌ يَجِدُهَا الْعَاصِي فِي قَلْبِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لَا يُوَازِنُهَا وَلَا يُقَارِنُهَا لَذَّةٌ أَصْلًا، وَلَوِ اجْتَمَعَتْ لَهُ لَذَّاتُ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا لَمْ تَفِ بِتِلْكَ الْوَحْشَةِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَحِسُّ بِهِ إِلَّا مَنْ فِي قَلْبِهِ حَيَاةٌ، "وَمَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامٌ"، فَلَوْ لَمْ يَتْركِ الذُّنُوبُ إِلَّا حَذَرًا مِنْ وُقُوعِ تِلْكَ الْوَحْشَةِ، لَكَانَ الْعَاقِلُ حَرِيًّا بِتَرْكِهَا.
وَشَكَا رَجُلٌ إِلَى بَعْضِ الْعَارِفِينَ وَحْشَةً يَجِدُهَا فِي نَفْسِهِ فَقَالَ لَهُ:
إِذَا كُنْتَ قَدْ أَوْحَشَتْكَ الذُّنُوبُ
*** فَدَعْهَا إِذَا شِئْتَ وَاسْتَأْنِسِ
وَلَيْسَ عَلَى الْقَلْبِ أَمَرٌ مِنْ وَحْشَةِ الذَّنْبِ عَلَى الذَّنْبِ، فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
– طالب: "أَمَرُّ، أَمَرُّ"

– الشيخ: "أَمَرُّ" جيِّد
– القارئ: وَلَيْسَ عَلَى الْقَلْبِ أَمَرُّ مِنْ وَحْشَةِ الذَّنْبِ عَلَى الذَّنْبِ، فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَمِنْهَا: الْوَحْشَةُ الَّتِي تَحْصُلُ لَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ

– الشيخ: إلى آخرِهِ، نسألُ اللهَ العافيةَ، أعوذُ بالله.
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :متفرقات