الرئيسية/شروحات الكتب/الرد على المنطقيين/(23) هل يمكن تصور الأشياء قوله “قول النبي ﷺ لما سئل عن حد الغيبة”

(23) هل يمكن تصور الأشياء قوله “قول النبي ﷺ لما سئل عن حد الغيبة”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الرَّد على المنطقيين) لشيخ الإسلام ابن تيميَّة
الدّرس الثّاني والعشرون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:

ومِن هذا قولُ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- لمَّا سُئِلَ عن حدِّ الغيبةِ فقالَ: (ذكرُكَ أخاكَ بما يكرهُ

– الشيخ : نسأل الله العافيةَ، يا إخوان الغيبةُ خطرُها عظيمٌ، وهي من الأمورِ الفاشية في كثيرٍ من الناسِ، ينبغي على المسلم أنَّه يحذرها حذراً ويسدُّ الأبوابَ الَّتي تجرُّه إليها، الغيبةُ ذكرُك أخاه بما يكرهُ، اللَّهمَّ سلِّمْ سلِّمْ، نعم الغيبةُ.

– القارئ : فقالَ لهُ: أرأيْتَ إنْ كانَ في أخي ما أقولُ فقالَ: إنْ كانَ فيهِ ما تقولُ فقد اغتبْتَهُ وإنْ لم يكنْ فيهِ ما تقولُ فقد بهتَهُ)

– الشيخ : أيُّهما أشدُّ؟ البهتُ أشدُّ، إذا ذكرتَه بما ليسَ فيه جمعتَ بين الغيبةِ والبهتانِ، كذبتَ عليه واغتبتَه

– القارئ : وكذلكَ قولُهُ لمَّا قالَ: (لا يدخلُ الجنَّةَ مَن في قلبِهِ مثقالُ ذرَّةٍ مِن كبرٍ)

فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللهِ الرَّجلُ يحبُّ أنْ يكونَ ثوبُهُ حسناً ونعلُهُ حسناً أفمِن الكبرِ ذلكَ؟ فقالَ: (لا، الكبرُ بَطَرُ الحقِّ وغمطُ النَّاسِ)

– الشيخ : بطرُ الحقِّ، قال المفسِّرون، قال الشارحون: بطرُ الحقِّ: ردُّ الحقِّ، وغمطُ الناسِ: احتقارُهم.

 

– القارئ : وكذلكَ لمَّا قيلَ لهُ: ما الإسلامُ؟ وما الإيمانُ؟ وما الإحسانُ؟ ولمَّا سُئِلَ عن أشياءَ أهيَ مِن الخمرِ وغيرِ ذلكَ.

بالجملةِ فالحاجةُ إلى معرفةِ هذهِ الحدودِ ماسَّةٌ لكلِّ أمَّةٍ، وفي كلِّ لغةٍ فإنَّ معرفتَها مِن ضرورةِ التَّخاطُبِ الَّذي هوَ النُّطقُ الَّذي لا بدَّ منهُ لبني آدمَ.

وهذا الَّذي يُقالُ لهُ: حدٌّ، بحسبِ الاسمِ والمقولِ في جوابِ ما هوَ مِن هذا النَّوعِ وقد يكونُ اسماً مرادفاً وقد يكونُ مكافئاً غيرَ مرادفٍ بحيثُ يدلُّ على الذَّاتِ معَ صفةٍ أخرى كما إذا قالَ: ما الصِّراطُ المستقيمُ؟ فقالَ: هوَ الإسلامُ واتِّباعُ القرآنِ

– الشيخ : أو

– القارئ : أو طاعةُ اللهِ ورسولِهِ، والعلمُ النَّافعُ، والعملُ الصَّالحُ، وما الصَّارمُ؟ فقيلَ: هوَ المهنَّدُ وما أشبهَ ذلكَ.

وقد يكونُ الجوابُ بالمثالِ كما إذا سُئِلَ عن لفظِ الخبزِ ورأى رغيفاً فقالَ: هذا

– الشيخ : خلاص ما يبغى له شرح، وش الخبر؟ ما الخبرُ؟ أعجميٌّ سمعَ متكلِّماً عربيَّاً يقولُ خبزاً، قالَ: أيش خبز؟ أيش قالَ هذا؟ أشارَ إلى فردٍ من أفرادهِ، حصلَ المقصودُ.

 

– القارئ : فإنَّ معرفةَ الشَّخصِ يُعرَفُ منهُ النَّوعُ. وإذا سُئِلَ عن المقتصدِ والسَّابقِ والظَّالمِ

– الشيخ : هذه آيةٌ في آياتِ فاطر، ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ [فاطر:32] يعني: تكلَّمَ المفسِّرونَ فيها، وقالوا فيها أقوالاً مختلفةً لكن ليسَ بينها تضادٌّ، فقالوا في تفسيرِ الظالمِ والمقتصدِ والسَّابقِ، قالوا: هي عباراتٌ مختلفةٌ لكنَّها ليست متنافيةً ولا متناقضةً، فكلُّ قائلٍ يذكرُ شيئاً ممَّا يقرِّبُ فيه معنى هذا اللَّفظِ.

 

– القارئ : فقالَ: المقتصدُ الَّذي يصلِّي الفريضةَ في وقتِها ولا يزيدُ

– الشيخ : هذا مثال يعني، مقتصدٌ في بابِ الصلاةِ

– القارئ : والظَّالمُ الَّذي يؤخِّرُها عن الوقتِ، والسَّابقُ الَّذي يصلِّيها في أوَّلِ الوقتِ، ويزيدُ عليها النَّوافلَ الرَّاتبةَ

– الشيخ : آه، يعني: فسَّرَ الأسماءَ الثلاثة في مثالٍ واحدٍ في باب الصلاةِ.

– القارئ : ونحو ذلكَ مِن التَّفسيرِ الَّذي هوَ تمثيلٌ يفيدُ تعريفَ المُسمَّى بالمثالِ لإخطارِهِ بالبالِ لا لأنَّ السَّائلَ لم يكنْ يعرفُ المصلِّي في أوَّلِ الوقتِ وفي أثنائِهِ والمؤخِّرَ عن الوقتِ لكنْ لم يكنْ يعرفُ أنَّ هذهِ الثَّلاثةَ أمثلةُ الظَّالمِ والمقتصدِ والسَّابقِ فإذا عرفَ ذلكَ قاسَ بهِ ما يماثلُهُ مِن المقتصرِ على الواجبِ والزَّائدِ عليهِ والنَّاقصِ عنهُ.

ثمَّ إنَّ معرفةَ حدودِ هذهِ الأسماءِ في الغالبِ تحصلُ بغيرِ سؤالٍ لمَن يباشرُ المتخاطبَينِ بتلكَ اللُّغةِ أو يقرأُ كتبَهم فإنَّ معرفةَ معاني اللُّغاتِ تقعُ كذلكَ.

وهذهِ الحدودُ قد يظنُّ بعضُ النَّاسِ أنَّها حدودٌ لغويَّةٌ يكفي في معرفتِها العلمُ باللُّغةِ والكتبِ المُصنَّفةِ في اللُّغةِ وكتبِ التَّرجمةِ وليسَ كذلكَ على الإطلاقِ.

بل الأسماءُ المذكورةُ في الكتابِ والسُّنَّةِ ثلاثةُ أصنافٍ:

– منها ما يُعرَفُ حدُّهُ باللُّغةِ كالشَّمسِ والقمرِ والكوكبِ ونحوِ ذلكَ.

– ومنها ما لا يُعرَفُ إلَّا بالشَّرعِ كأسماءِ الواجباتِ الشَّرعيَّةِ والمُحرَّماتِ الشَّرعيَّةِ كالصَّلاةِ والحجِّ والرِّبا والميسرِ.

– ومنها ما يُعرَفُ بالعرفِ العاديِّ وهوَ عرفُ الخطابِ باللَّفظِ كاسمِ النِّكاحِ والبيعِ والقبضِ وغيرِ ذلكَ

– الشيخ : اللهُ المستعان، يُستشهَدُ بهذا المقامِ بقول ابنِ عبَّاسٍ: التَّفسيرُ على أربعةِ أوجهٍ: تفسيرٌ تعرفُه العربُ من كلامها، وتفسيرٌ تعرفُه العلماءُ، وتفسيرٌ لا يُعذَرُ أحدٌ بجهله، وتفسيرٌ لا يعلمُه إلَّا اللهُ.

 

– القارئ : هذا في معرفةِ حدودِها الَّتي هيَ مسمّياتُها على العمومِ، وأمَّا معرفةُ دخولِ الأعيانِ الموجودةِ في هذهِ الأسماءِ والألفاظِ فهذا قد يكونُ ظاهراً وقد يكونُ خفيَّاً يحتاجُ إلى اجتهادٍ وهذا هوَ التَّأويلُ في لفظِ الشَّارعِ الَّذي يتفاضلُ الفقهاءُ وغيرُهم فيهِ فإنَّهم قد اشتركُوا في حفظِ الألفاظِ الشَّرعيَّةِ بما فيها مِن الأسماءِ أو حفظِ كلامِ الفقهاءِ أو النُّحاةِ أو الأطباءِ وغيرِهم ثمَّ يتفاضلونَ بأنْ يسبقَ أحدُهم إلى أنْ يعرفَ أنَّ هذا المعنى الموجودَ هوَ المرادُ أو مرادُ هذا الاسمِ كما يسبقُ الفقيهُ الفاضلُ إلى حادثةٍ فينزلُ عليها كلامَ الشَّارعِ أو كلامَ الفقهاءِ، وكذلكَ الطَّبيبُ يسبقُ إلى مرضٍ لشخصٍ معيَّنٍ، فينزلُ عليهِ كلامُ الأطبَّاءِ. إذْ الكتبُ والكلامُ المنقولُ عن الأنبياءِ والعلماءِ إنَّما هوَ مطلَقٌ بذكرِ الأشياءِ لصفاتِها وعلاماتِها فلا بدَّ يعرفُ أنَّ هذا المعيَّنَ هوَ ذاكَ.

وإذا كانَ خفيَّاً فقد يسمِّيهِ بعضُ النَّاسِ تحقيقَ المناطِ، فإنَّ الشَّارعَ قد ناطَ الحكمَ بوصفٍ كما ناطَ قبولَ الشَّهادةِ بكونِهِ ذا عدلٍ، وكما ناطَ العِشرةَ المأمورَ بها بكونِها بالمعروفِ، وكما

– الشيخ : العِشرة، ما هي مضبوطة عندك؟

– القارئ : لا

– الشيخ : لا، العِشرة اضبطْها بس [فقط]

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ، وكما ناطَ العِشْرةَ المأمورَ بها

– الشيخ : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[النساء:19]

– القارئ : بكونِها بالمعروفِ، وكما ناطَ النَّفقةَ الواجبةَ بالمعروفِ، وكما ناطَ الاستقبالَ في الصَّلواتِ بالتَّوجُّهِ شطرَ المسجدِ الحرامِ، يبقى النَّظرُ في هذا المعيَّنِ، هل هوَ شطرَ المسجدِ الحرامِ؟ وهل هذا الشَّخصُ ذو عدلٍ؟ وهل هذهِ النَّفقةُ نفقةٌ بالمعروفِ؟ وأمثالُ ذلكَ لابدَّ فيهِ مِن نظرٍ خاصٍّ لا يعلمُ ذلكَ بمجرَّدِ الاسمِ.

وقد يكونُ الاجتهادُ في دخولِ بعضِ الأنواعِ في مُسمَّى ذلكَ الاسمِ كدخولِ الأشربةِ المسكرةِ مِن غيرِ العنبِ والنَّخلِ في مُسمَّى الخمرِ، ودخولِ الشَّطرنجِ والنَّردِ ونحوِهما في مُسمَّى الميسرِ، ودخولِ السَّبقِ بغيرِ مُحلِّلٍ في سباقِ الخيلِ ورمي النِّشابِ في ذلكَ، ودخولِ الرَّملِ ونحوِهِ في الصَّعيدِ الَّذي في قولِهِ تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً[النساء:43] ودخولِ مَن خرجَ منهُ منيٌّ فاسدٌ في قولِهِ تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]

– الشيخ : عجيب! منيٌّ فاسدٌ، لعلَّه يريدُ اللي [اللي: الَّذي] يخرجُ لا بدفقٍ ولذَّةٍ، يخرج بسبب علَّةٍ، لعلَّه يريدُ هذا

– القارئ : ودخولِ السَّاعدِ في قولِهِ: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] ودخولِ البياضِ الَّذي بينَ العِذارِ والأذنِ في قولِهِ: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] ودخولِ الماءِ المتغيِّرِ بالطَّهاراتِ أو ما أُوقِعَتْ بهِ نحاسةٌ ولم تغيِّرْهُ في قولِهِ: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً[المائدة:6] ودخولِ المائعِ الَّذي لم يغيِّرْهُ ما ماتَ فيهِ مِن الطَّيِّباتِ أو الخبائثِ، ودخولِ سارقِ الأموالِ الرَّطبةِ في قولِهِ: السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ [المائدة:38] ودخولِ النَّبَّاشِ في ذلكَ، ودخولِ الحلفةِ بما

– الشيخ : النَّبَّاشُ هو الَّذي يسرقُ أكفانَ الموتى، ينبشُ القبرَ ويأخذُ الكفنَ، في أجرأ من هذا الحرام، نسألُ الله العافية، قاسي قاسي القلبِ، جريءٌ.

 

– القارئ : ودخولِ الحلفةِ بما يلزمُ للهِ في مسمَّى الأيمانِ، ودخولِ بناتِ البناتِ والجدَّاتِ في قولِهِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ [النساء:23]

ومثلُ هذا الاجتهادِ متَّفقٌ عليهِ بينَ المسلمينَ ممَّن يثبتُ القياسُ ومَن ينفيهِ، فإنَّ بعضَ الجهالِ يظنُّ أنَّ مَن نفى القياسَ يكفيهِ في معرفةِ مرادِ الشَّارعِ مجرَّدُ العلمِ باللُّغةِ وهذا غلطٌ عظيمٌ جدَّاً.

ولهذا قالَ ابنُ عبَّاسٍ: "التَّفسيرُ على أربعةِ أوجهٍ:

– الشيخ : قفْ عليه بس [يكفي]، خل علامة

– القارئ : بعدَ الأثرِ ثمَّ فصلٌ، أثرُ ابنِ عبَّاسِ وينتهي الفصلُ هذا

– الشيخ : طيِّب اقرأْ … الفصل

– القارئ : نعم، أحسنَ اللهُ إليكَ:

ولهذا قالَ ابنُ عبَّاسٍ: "التَّفسيرُ على أربعةِ أوجهٍ:

– تفسيرٌ تعرفُهُ العربُ مِن كلامِها.

– وتفسيرٌ لا يُعذَرُ أحدٌ بجهالتِهِ.

– وتفسيرٌ يعلمُهُ العلماءُ.

– وتفسيرٌ لا يعلمُهُ إلَّا اللهُ"

والتَّفسيرُ الَّذي يعلمُهُ العلماءُ فيتضمَّنُ الأنواعَ الَّتي لا تُعلَمُ بمجرَّدِ اللُّغةِ كالأسماءِ الشَّرعيَّةِ، ويتضمَّنُ أعيانَ المسمَّياتِ وأنواعَها الَّتي يفتقرُ دخولُها في المسمَّى إلى اجتهادِ العلماءِ.

انتهى

– الشيخ : باركَ الله فيكَ

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ .

 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة