بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الرَّد على المنطقيين) لشيخ الإسلام ابن تيميَّة
الدّرس الثَّامن والعشرون
*** *** *** ***
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، قالَ شيخُ الإسلامِ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:
ولمَّا قالَ كثيرٌ مِن السَّلفِ: المتشابهُ هوَ الوعدُ والوعيدُ، والمحكَمُ: هوَ الأمرُ والنَّهيُ، ولمَّا قيلَ: القرآنُ يُعمَلُ بمحكَمِهِ ويُؤمَنُ بمتشابهِهِ، وعُلِمَ أنَّ تأويلَ المتشابهِ الَّذي هوَ العلمُ بكيفيَّةِ ما أخبرْنا بهِ لا يعلمُهُ إلَّا اللهُ، وإنْ كانَ العلمُ بتأويلِهِ الَّذي هوَ تفسيرُهُ ومعناهُ المرادُ بهِ يَعلمُهُ الرَّاسخونَ في العلمِ كما قد بسطْناهُ في غيرِ هذا الموضعِ.
هذا كلُّهُ إذا كانَ السَّائلُ القائلُ: "ما هوَ؟" غيرَ عالمٍ بالمسمَّى.
وأمَّا إنْ كانَ عالمًا بالمسمَّى ودلالةِ الاسمِ عليهِ فلا يحتاجُ إلى التَّمييزِ بينَ المسمَّى وغيرِهِ ولا إلى تعريفِهِ دلالةَ الاسمِ عليهِ فيكونُ مطلوبُهُ قدرًا زائدًا على التَّمييزِ بينَهُ وبينَ غيرِهِ، وهذا هوَ الَّذي يجعلونَهُ مطلوبًا للسَّائلِ عن المحدودِ، وجوابُهُ هوَ عندَهم المقولُ في جوابِ: "ما هوَ؟"
ومعلومٌ أنَّ مطلوبَ هذا قد يكونُ ذكرَ خصائصَ لهُ باطنةٍ لم يطَّلعْ عليها، وقد يكونُ مطلوبُهُ بيانَ علَّتِهِ الفاعليَّةِ أو الغائيَّةِ، وقد يكونُ مطلوبُهُ معرفةَ ما يتركَّبُ منهُ شيءٌ آخرُ، وقد يكونُ مطلوبُهُ معرفةَ حقيقتِهِ الَّتي لا يعلمُها المسؤولُ
– الشيخ : السائلُ، أيش هذا الكلام! يقول: المسؤولُ؟
– القارئ : نعم عندي كذا
– الشيخ : معكوسةٌ
– القارئ : الَّتي لا يعلمُها السَّائلُ، أو علمَها ولا عبارةَ تدلُّ السَّائلَ عليها كالسَّائلِ عن حقيقةِ النَّفسِ وأمثالِ ذلك.
وجوابُ مثلِ هذا لا يجبُ أنْ يحصلَ بذكرِ صفةٍ مشتركةٍ معَ الصِّفاتِ المختصَّةِ بل قد لا يحصلُ إلَّا بذكرِ جميعِ المشتركاتِ وقد يحصلُ بذكرِ بعضِ المختصَّاتِ وقد يحصلُ بغيرِ ذلكَ بحسبِ غرضِ السَّائلِ ومقصودِهِ.
الوجهُ الخامسُ
– الشيخ : يكفي، سبحان الله، سبحان الله
– طالب: رضي اللهُ عنكم شيخَنا، قول: أنَّ السَّلفَ قالوا: الوعدُ والوعيدُ من المتشابه، هل من تعليقٍ على هذا؟
– الشيخ : من المتشابهِ، ليسَ هو بمفهومٍ من يفسِّرُ المتشابهَ الَّذي لا يعلمُه إلَّا الله، لا، لا يعلمُ تأويلَه، من المتشابه يعني: الَّذي يشتبهُ معناه على بعضِ النَّاس ولهذا صارَ بسببِ ذلك صار هناك اضطرابٌ في أمرِ الوعد والوعيد، فالمرجئةُ لهم فهمٌ، والخوارجُ لهم، إنَّما تباينتْ مذاهبُهم في الوعدِ والوعيدِ، فالمرجئةُ يتعلَّقون بنصوصِ الوعد ويقصرونَ في فهمِ نصوصِ الوعيد، والخوارجُ بالعكسِ.
لكن على كلِّ حالٍ هم لا يعنون بقولهم: "إنَّ السَّلفَ يقولون: إنَّ الوعدَ والوعيدَ من المتشابهِ" يعني: الَّذي لا يعلمُه إلَّا اللهُ، لا.
أعوذُ باللهِ من مُضِلَّاتِ الفتنِ.