الرئيسية/فتاوى/استشكال وجوابه فيما نقل عن الشيخ عبد الرحمن بن حسن أن صفات الله كلها قديمة

استشكال وجوابه فيما نقل عن الشيخ عبد الرحمن بن حسن أن صفات الله كلها قديمة

السؤال :

وجدتُ في حاشيةٍ للشيخ عبد الرحمن بن حسن -رحمه الله- على الروض المربع، ضمنَ المطبوع من "حواشي علماء نجد تحقيق الجماز"، عبارةً أشكلت، وهي في قوله تعليقًا على قول الشارح إذ قال: "بسم الله الرحمن الرحيم: أي بكل اسم للذات الأقدس، المسمى بهذا الاسم الأنفس، الموصوف بكمال الإنعام وما دونه، أو بإرادة ذلك، أؤلف مستعينًا أو ملابسًا على وجه التبرك، وفي إيثار هذين الوصفين المفيدين للمبالغة في الرحمة إشارة لسبقها."

انتهت إلى هنا عبارة الشارح البهوتي.

علَّق الشيخ عبد الرحمن بن حسن على هذا فقال: "قوله (وفي إيثار هذين الوصفين) إشارة إلى أنهما وصفان لا اسمان، والتحقيق أنهما ونحوهما أسماء وأوصاف. وكذلك قولُه: (لسبقها) فيه إشارة إلى ماذكرنا أنه جرى على قول الأشاعرة: إنها صفات أفعال لا صفات ذات، وأما حديث: (إن رحمتي سبقت غضبي) فالمراد - والله أعلم – ما نشأ عن الصفة، وأن معناه الغلبة، فإن صفات الله كلها قديمة، فتأمل. (من خط شيخنا)[1]".

وموضع الإشكال في هذه الأسطر الأربعة، هل مقتضاها -أحسن الله إليكم-  تأويل الصفة الاختيارية الواردة؟ أو تحتمل معنىً آخر؟ جزاكم الله خيرًا، ونفعنا بكم.

 

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

فما نقلتَه -أيها السائل- من كلام الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله -إن صح عنه-[2] فهو عبارة طويلة، ولم تحدِّد موضع الإشكال فيها عندك، والذي أستشكلُه أنا من كلام الشيخ عبد الرحمن رحمه الله قوله: "فإن صفات الله كلها قديمة"؛ فإن الذي أعرفه أن هذا هو قول الأشاعرة[3] والكُلَّابية[4]؛ فإنهم ينفون حدوث الصفات الفعليَّة؛ كالغضب والرضا، فعلى قولهم: مَن غضِب الله عليه فإنه تعالى لم يزل غاضبًا عليه، ومَن رضي عنه فإنه لم يزل راضيًا عنه. قالوا ذلك فرارًا من قيام الحوادث بذاته تعالى، ومضمون هذا عندهم: أن الله لا يرضى ثم يغضب، أو يغضب ثم يرضى، والمعروف من مذهب أهل السنة أن صفات الله الفعليَّة تقوم بذاته تعالى بمشيئته، فهي حادثة، وحدوثها تبعٌ لمشيئته سبحانه، وما كان بمشيئته لا يكون قديمًا. أما صفاته تعالى الذاتيَّة؛ كحياته وعلمه وقدرته وسمعه وبصره؛ فإنها قديمة بقِدم ذاته[5]؛ ولهذا فأهل السنة لا يطلقون القول بأن صفاته تعالى قديمة؛ لأن هذا الإطلاق يشمل الصفات الفعلية[6]، وقد عرفنا أنها حادثة بمشيئته تعالى، فتدبَّر -أيها السائل-، ويناسب هنا التنبيه على أن كلام الله عند أهل السنة صفةٌ ذاتيَّةٌ فعليَّةٌ، ولهذا قالوا: إن كلام الله قديمٌ من وجه، حادثٌ من وجه، وعبارتهم في هذا: إنه قديم النوع حادث الآحاد، ولهذا نقول: إن الله لم يزل متكلمًا، أي: قادرًا على الكلام، وأما آحاد كلامه فإنه حادثٌ في الوقت الذي شاءه تعالى؛ كتكليمه للملائكة وتكليمه لموسى عليه السلام[7]، والقائلون بنفي قيام الصفات الفعلية به تعالى يقولون: إن تكليم الله لموسى قديم، ومعنى هذا: أن الله لم يزل قائلا: يَامُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [طه: 11-12]، وقولهم هذا ظاهر الفساد. والله أعلم.

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 7 ربيع الأول 1447ه

 

[1] قال المحقق في الحاشية: "مراده عبد الرحمن بن حسن"، ورمز لما نقله بـ "و" وهي نسخة الشيخ علي بن محمد بن علي آل الشيخ، وهذا اصطلاح الشيخ علي آل الشيخ في طرة النسخة إذ كتب: "ما وُجد من "تقرير"، أو "قرره شيخنا"، أو "من خط شيخنا"... فالمراد به شيخنا العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليهم أجمعين...". ينظر: حواشي علماء نجد على الروض المربع (1/22)، (1/73-74).

[2] ويقارن بما في: فتح المجيد (2/811-812)، والدرر السنية (1/319)، (1/339-340)، (3/209-211)، (3/224-225)، (3/227)؛ فقد قرر في شرحه المبتدأ على الأبواب الباقية من كتاب التوحيد قيام الأفعال بالله، وأن الفعل يقع بمشيئته تعالى وقدرته شيئًا فشيئًا، ولم يزل متصفًا به. فهو حادث الآحاد ‌قديم النوع، ورد على ابن غنام في قوله عن الكتب المنزلة، وأنها كلامه القديم، كما تكلم في الأشعرية بكلام شديد لأخذهم ببدعة ابن كُلّاب.

[3] ينظر: أبكار الأفكار (2/20)، ومناقشة ابن تيمية له في درء التعارض (4/22) وما بعدها. وينظر تحرير الكلام في الأفعال الاختيارية في: درء التعارض (2/3-156)، ومجموع الفتاوى (6/ 217).

[4] ينظر: مقالات الإسلاميين (2/398).

[5] ينظر في الفرق بين الصفات الذاتية والفعلية: شرح العقيدة الطحاوية لشيخنا (ص56).

[6] ينظر: شرح التدمرية لشيخنا (ص472-473).

[7] ينظر: منهاج السنة (1/ 166)، (2/379)، ومجموع الفتاوى (12/37)، (12/54)، (12/372).