بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
فضل يوم عرفة
مِن أيام الله المعظّمة: العشر، عشر ذي الحجة، مِن اليوم الأول إلى العاشر، ويليها: أيام التّشريق، وكلّها مِن أيام الله العظيمة، التي رغَّب رسولُه -صلّى الله عليه وسلّم- بالعمل الصّالح فيها، وأفضل هذه الأيام هو: يوم عرفة ويوم النّحر، يومان.
أمّا يوم عرفة: فهو يوم وقوف الحجاج بالمشعر العظيم "عرفة"، الذي الوقوف فيه هو أعظم أركان الحج، (الحج عرفة)، فالوقوف بعرفة هو ركن الحج، هو ركن الحج الأعظم، ولهذا مَن فاته الوقوف فاته الحج، ففي هذا اليوم يؤمُّ الحجاج، يؤمُّون الموكب الذي وقف فيه الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- في السّنة العاشرة مِن الهجرة، وقف فيه -عليه الصّلاة والسّلام- في جمع عظيم مِن أصحابه، ذُكر أنّهم أن الذين وافوا الحج معه كانوا مائة وعشرين ألفا، فوقف هناك مِن الزّوال إلى غروب الشمس، حتى إذا غربت الشّمس و… وذهبت الصّفرة: دفع عليه الصّلاة والسّلام، ومعه المسلمون.
إنّه لجمع عظيم بقيادة سيّد المرسلين -عليه الصّلاة والسّلام- صلوات الله وسلامه عليه، أعظم جمع وأفضل جمع، يعني ما وقف بعرفة جمعٌ أفضل مِن ذلك، ما وقف في عرفة جمعٌ أفضل مِن ذلك الجمع، الذي هو بقيادة محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- خاتم النبيين، فإنّه -عليه الصّلاة والسّلام- حجَّ في تلك السّنة العاشرة، وعلَّم الناس المناسك وصار يقول: (خذوا عني مناسككم، خذوا عني مناسككم)، يعني تعلموها، تعلموا المناسك مِن أفعاله وأقواله -عليه الصّلاة والسّلام-.
ومِن ذلك: وقوفه بعرفة، وقال للنّاس: (وقفتُ هاهنا، وعرفة كلّها موقف)، لأنّه وقف في وسط عرفة عند الجبل وعند الصّخرات، قال: (وقفت هاهنا)، فالوقوف بعرفة يعني يصحّ في جميع حدود عرفة، فعرفة معروفة قديمًا بحدودها التي يعرفها النّاس، وحددها ولاة الأمر في السّنين الأخيرة حتى لا تلتبس.
فالمقصود: إنّ الوقوف في هذا اليوم، هو يوم عرفة الذي نوَّه الرسول -عليه الصّلاة والسّلام- بشأنه، وله فضائل، مِن ذلك: أنّه نزل على النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- آية عظيمة، فيها الامتنان مِن الله على المسلمين على العباد، ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ﴾[المائدة:3].
وسمّيت هذه الحجّة -حجّة النّبي-: حجة الوداع، لأنّه ودّع الناس فيها، ولم يعش بعد هذا الوقوف وبعد هذا إلا بضعة أشهر، لأنّه توفي -عليه الصّلاة والسّلام- في أوّل ربيع الأول، مضى عليه… يعني قريب من ثلاثة أشهر، صلوات الله وسلامه عليه.
نسألُ الله أن يجعلنا وإياكم مِن المهتدين بهديه، اللهم اجعلنا مهتدين بهديه، نسأل الله لنا ولكم الثّبات على دينه، وأن يجعل لنا مِن هذه الأيام الفاضلة حظاً وأجرًا موفورًا بمنِّه كرمه، وفضل الله واسع؛ يشمل الحجاج وغير الحجاج، فضائل هذه الأيام تشمل الحجاج وغير الحجاج، ولكن الحجاج لهم فضلهم وخاصيّتهم؛ لأنّهم قد دخلوا في هذه الشّعيرة وفي هذه العبادة.
فنسأل الله أن يتقبَّل منّا ومنهم، وأن ييسر أمورهم، وأن يرد ّكيد الأشرار في نحورهم، إنّه على كلّ شيء قدير، نسأل الله لنا ولكم الاستقامة على دينه، وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله.