بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
العبادات القلبيّة في الصّلاة
لأنّ المسلم قد شهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله فأوجبُ الواجبات عليه: هي الصّلوات الخمس المكتوبة، ثم هذه الصّلاة -سبحان الله- جعلها الله مشتملة على أنواع العبادات، فيها الذكر، ولذكرُ الله أكبر، فيها أنواع الذّكر: التّكبير والتّحميد والتّسبيح، التّكبير والتّحميد والتّهليل، كلّ أنواع الذّكر موجودة في الصّلاة.
فيها الخضوع، يعني الصّلاة مشتملة على الخضوع، والذُّل لله، الله أكبر، ذُل، فيها خضوع وذُلّ لله سبحانه وتعالى، ظاهرًا وباطنًا، فالخضوع الظّاهر يكون بالرّكوع، الركوع هذا فيه انحناء وخفض للرّأس، ركوع، هذا معروف عند النّاس أنّ الذين يُعظِّمون بعضَ المخلوقين يركعون لهم، إذا أقبل واحد منهم: ركعَ أمامه.
وأعظم مِن الركوع: السّجود، الله قد أمر بذلك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج: 77]
وذمَّ الكفار، يقول تعالى: وَيۡلٞ يَومَئِذ لِّلۡمُكَذّبِينَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱركَعُواْ لَا يَركَعُونَ [المرسلات:48]
يَومَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَستَطِيعُونَ * خَٰشِعَةً أَبصَٰرُهُم تَرهَقُهُم ذِلَّةٞۖ وَقَد كَانُواْ يُدعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُم سَٰلِمُونَ[القلم:42-43] وقد كانوا!
فمَن لم يسجد في الدّنيا مؤمنًا مخلصًا لله إذا سجد المؤمنون لربّه، إذا رأوه هؤلاء المنافقون لا يستطيعون السجود، وقد كانوا يُدعون إلى السجود وهم سالمون!.
فالسّجود والرّكوع في الصّلاة، لا يُشرع السّجود والرّكوع إلا في الصّلاة إلا أشياء قليلة؛ كسجود التّلاوة وسجود الشّكر.
ولابدّ أن يَصدُرَ هذا الخضوع الظّاهر عن خضوع القلب، وذُلّ القلب، وحضور القلب، سبحان الله، وإلا فتبقى الصّلاة صورة!، تبقى مجرد يعني "ظاهرًا"، لكن الصّلاة التي تكون لصاحبها نورًا -اللهمّ من فضلك- تكون لصاحبها نورًا: هي الصّلاة المُكَمَّلة في واجباتها ومُستحبّاتها، وأحوالها الظّاهرة، وأحوالها الظّاهرة والباطنة.
أمّا الظّاهرة: فهي ظاهرة، وأمّا الخضوع الباطن: خضوع القلب، وذلك باستحضار يعني الوقوف بين يديه والشّعور برؤيته، كما في حديث الإحسان: (أن تعبدَ الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه)، اعبده كأنّك تراه، والعبدُ لا يرى ربّه إلّا يوم القيامة، فإن كنتَ لا تراه فاذكر أنّه يراك.
وإذا استشعر الإنسان أنّ الله يراه، وَتَوَكَّل عَلَى ٱلعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ * ٱلَّذِي يَرَىٰكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّٰجِدِينَ * إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ[الشعراء:217-220]، فإذا حصل للإنسان هذا الاستحضار: حضرَ قلبُه وخضعَ قلبُه.
خضوع، فهذه الصّلاة تختلف عن سائر العبادات، ولهذا ولاشتمالها ولتأكّدها -سبحان الله- صارت هي لعلّها أثقل العبادات على نفوس النّاس الذين لم يرسخ الإيمان في قلوبهم، قال الله: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ * ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِم وَأَنَّهُم إِلَيهِ رَٰجِعُونَ[البقرة:45-46]
الذين يؤمنون بلقاء الله، ويرجون لقاء الله، ويخافون عذاب الله: هذه تكون الصّلاة عليهم خفيفة، أمّا مَن ليس كذلك: فإنَها تكون ثقيلة.
يُصدِّق هذا: الواقع، فأكثر المسلمين تَثْقُلُ عليهم الصّلاة ويَخِفّ عليهم الصّيام، كثيرًا ممن لا يصلّي يصوم، الحج؛ كثيرًا ممّن لا يصلي يحج أيضًا، فإذا اعتبرت يعني حال النّاس بالنّسبة لهذه الواجبات وهذه الفرائض، تجد التّفريط أعظم ما يكون التفريط في الصّلاة، ثقيلة على الصّغار على الكبار، إلا مَن منَّ الله عليه وأمدَّه وأعانه.
وأعظم وأعجب مِن هذا: أن تجد كثيرًا مِن النّاس يهتمّ لشؤون دنياه، ويجتهد في ألّا يفوته شيء منها، وبالنسبة لهذه الصّلاة لا يبالي بما يضيع منها؛ تفوته صلاة الجماعة يفوته الوقت لا يُحدث عنده أسفًا، لا يشعر بأنّه حصل ذنب، ذنوب.
حتى إنّ النّاس بسبب قصور العلم يستعظمون -مثلًا- بعض الكبائر وهي عظيمة وكبيرة، كشرب الخمر والزّنا، وهما مِن كبائر الذّنوب، لكن لا يجدون يعني أنّ هذه النُفرة وهذه الوحشة وهذا الاستبشاع والاستعظام لا يجدونه في أمر الصّلاة!، ترك الصّلاة عظيم، بل جاء في الحديث أنّ ترك الصّلاة كُفر، (بين الرّجل وبين الشّرك والكفر ترك الصّلاة)، (العهدُ الذي بيننا وبينهم الصّلاة، فمَن تركها -فمَن تركها- فقد كفر).
يجب على المسلم أن يعرف شأن الصّلاة، ويُعظِّم أمر الصلاة، يُعظِّم أمر الصّلاة، تكون على باله، يُبادر، يبادر إليها، ويؤدّيها في وقتها، والرّجال يؤدونها جماعة، في عهد النّبي لم يكن يتخلّف عن صلاة الجماعة إلا مَن هو معلومُ النّفاق، فترك صلاة الجماعة مِن سمة المنافقين.
فواجب المسلم أن يجاهد نفسه حتى يؤدي هذه الفريضة، ويجاهد مَن تحت يده كما أمر الله نبيه: وَأمُر أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصطَبِرۡ عَلَيهَاۖ[طه: 132]، وأثنى على عبده ورسوله إسماعيل، قال: وَكَانَ يَأمُرُ أَهلَهُۥ بِٱلصَّلَوٰةِ [مريم: 55]
ومِن عِظم شأن الصّلاة انّها واجبة في جميع الأحوال، وعلى جميع النّاس، في جميع الأحوال وعلى جميع الناس؛ سفرًا وحضرًا، صحةً ومرضًا، أمنًا وخوفًا، في كلّ هذه الأحوال، تجب على كلّ الطّبقات، على الرّجال والنّساء، والسّادة والعبيد، والخدم والكبار والملوك، واجبة عليهم وجوبًا واحدًا، وفي أوقات واحدة.
فعظِّموا عظِّموا أمر الصّلاة، عظِّموها بقلوبكم وبألسنتكم وبأفعالكم؛ تعظيمًا لِمَا عظَّمه الله، وتقرُّبًا إلى الله بما يحب، قُلۡ إِن كُنتُم تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتّبِعُونِي يُحبِبكُمُ ٱللَّهُ [آل عمران: 31]
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم مِن المقيمين للصّلاة، والمحافظين عليها، والخاشعين فيها، الله أكبر، هذه كلّها صفات أثنى الله، محافظين: وَٱلَّذِينَ هُم عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِم يُحَافِظُونَ [المؤمنون: 9]، ٱلَّذِينَ هُم فِي صَلَاتِهِم خَٰشِعُونَ [المؤمنون: 2]، والإقامة: مُقيمي الصلاة، الله أكبر، لا إله إلا الله.