بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
سُنَةُ الله في هذه الدّنيا: ابتلاءُ العباد بالخير والشّر، يعني بالنِّعم واللذات، وبالمصائب والمؤذيات، كلّ هذا ابتلاء، لتتبين حقائقُ العباد: مَن يشكر ويصبر، {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور}(إبراهيم:5)، لكن المؤمن هكذا، إن أصابته سرّاء: شكر، وإن أصابته ضرّاء: صبر.
ومِن المؤذيات أو الأمور الضّارة مثل: البرد والحر، البرد: تارة يكون ضارًا يقتل، تتلف به أموال تتلف به نفوس، وكذلك الحر، وتارة يكون أقل مِن ذلك، لكن مؤذي يتأذّى الإنسان، مثل هذا البرد الذي نحن نحسّه، نتأذى به، لكن -ولله الحمد- ليس هو من النوع الذي يحصل به الضّرر، لكن يتأذى به الإنسان، يتأذى به يحس بتأثيره على بدنه، ولهذا يتّقيه، الإنسان يحتاج، الله أمدّ العباد، {وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَٰلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلجِبَالِ أَكنَٰناً وَجَعَلَ لَكُم سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأسَكُمۚ}(النحل:81)
وقال سبحانه وتعالى في الأنعام، الأنعام: يعني بهيمة الأنعام: {وَٱلأَنعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُم فِيهَا دِفءٞ}(النحل:5)، فيها دفء بما يحصل مِن جلودها، بل: جلودها، وشعورها، وأشعارها، وأوبارها، وأصوافها: تُتخذ منها الملابس، ويحصل به الدفء.
فكما يبتلي عبادَه بهذه الأمور التي يتأذّون بها: أمدّهم بوسائل وأسباب وقائيّة، أسبابًا يتَّقون بها هذه الأمور.
فالمقصود أنّه ينبغي للمسلم أن يتفكّر فيما يمرّ عليه في هذه الدنيا، وفي هذه الحياة، وما يحصل له، ولا يتبرَّم -سبق أني نبَّهت- لا يتبرَّم الإنسان: "الجو متقلَّب، الجو يتقلَّب"، لا، الحمد لله، مَن الذي يُقلِّبه؟ ربّكَ هو الذي يُقلِّب؛ تارة حر، وتارة برد، وتارة برد شديد، وتارة خفيف، الحمد لله، له الحمد على كلّ حال، على السرَّاء والضرَّاء، لا تتبرَّم إن أصابك البرد فالحمد لله، وتذكَّر أن ما يصيب الإنسان مِن أصغر ما يكون هو يكون كفَّارة له، يكون كفارة، هذا البرد الذي نحن نُحِسُّ به ونتأذَّى به ما يحصل لنا من أذى يكون كفَّارة، (لا يصيبُ المؤمنَ همٌّ ولا غمٌّ ولا نصبٌ ولا وصبٌ حتى الشّوكة يُشاكها إلا كفَّر الله بها عنه).
الحمد لله، فإذا حصل للإنسان يعني حر يتأذَّى به ويتضايق منه أو برد مثلاً: فليحتسب وليتذكَّر أنّه أولاً أنّه بتدبير إلهي، تقدير، كلّ ما يجري في هذا الوجود مِن خير وشر كلّه بتقدير وتدبير حكيم، {وَنَبلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلخَيرِ فِتنَةٗۖ وَإِلَينَا تُرجَعُون}(الأنبياء:35)
والخير هذا: شامل لكلّ ما يجري من الأمور، من الأمور المحبوبة كبيرة أو صغيرة، أو الأمور المكروهة كبيرة وصغيرة، كلّها تجري بتدبير إلهي وتقدير وتدبير حكيم، له الحكمة البالغة في ذلك.
فلا -كما يقال- لا يتضايق الإنسان، يتضايق ويتبرَّم، أو يزيد ويتجاوز به الأمر فيتسخَّط على قضاء الله وقدره، لا، هذا ابتلاء والحمد لله يُؤجر الإنسان، حتى في البرد: إذا توضأ الإنسان بالماء البارد لأنّه ما وجد ما يُسخِّنُهُ، صبر على هذا: فإنّه أعظم لأجره، وذلك من أسباب رفع الدّرجات، إسباغ الوضوء في المكاره.
فالحمد لله، وجِماعُ الخير للعبد هو أصل الإسلام، الإسلام، الكفار -والعياذ بالله- كلّ ما يجري عليهم مِن خير وشر كلّه وبالٌ عليهم، لا شكر ولا ذِكر ولا صبر!، لكن المسلم: لا، المسلم له في هذه الحياة ولله الحمد يعني منهج وله عقيدة، وله طريقة يسير عليها، يحتسب بها ويتقرَّب بها إلى الله، فالحمد لله رب العالمين.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا مِن الشّاكرين الصّابرين الذّاكرين المتفقِّهين في حكمة الله، المتدبّرين، نعم، المتفكّرين الصّابرين الشّاكرين المتفكّرين، {ٱلَّذِينَ يَذكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ}(آل عمران:191)، يتفكَّرون في خلق السّموات والأرض: يعني وما بينهما، وما يجري على وجه الأرض، ليس التفكُّر فقط في جُرم الأرض أو جُرم السماء، لا، التّفكر شامل لكلّ المخلوقات حتى الجزئيات، تفكَّر، تفكَّر في مخلوقات الله وفي تصريف الله للأمور.
"وتصريف الرّياح" شوفوا تصريف، الله يُذكِّرُ عباده بتصريف الرّياح، تارة تأتي الرّياح قوية وعاصفة، وتارة تكون رُخاءً، وتارة تكون شمالاً، أو جنوبًا، أو شرقًا، أو غربًا، أو غير ذلك، الرّياح لها أنواع، مِن الأنواع مِن التنوع، وتصريف الرياح.
فهذا آية، الله ذكَّر به في سورتين، في سورة البقرة وفي سورة الجاثية، "تصريف الرياح"، الرّياح تأتي تارة تكون عذاباً، كما أهلك الله بها "قوم عاد"، وتكون رحمة للعباد، وينصر الله بها مَن شاء، كما نصر الله المؤمنين يوم الأحزاب ودمَّر بها المشركين.
المهم أنّ علينا التفكُّر والتدبُّر والصّبر والشّكر حتى ننتفع بما يجري علينا في هذه الحياة، نسألُ الله أن يثبِّتنا وإياكم على دينه، وصلى الله على نبينا محمد.