بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
الحمد لله، وصلَّى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه، مِن أبواب الخير المُيسَّرة للمؤمنين والمؤمنات: قيام الليل؛ بالصّلاة، والذكر، والتلاوة، هذا بابٌ مفتوحٌ دائمًا، ومطلوبٌ ومشروعٌ ومحبوبٌ، قيام الليل، أفضل الصّلاة هي الصّلاة في جوف الليل، يعني أفضل صلاة للتطوُّع هي قيام الليل التي تكون في جوف الليل، في وسط الليل، في آخر الليل.
إذاً: قيام الليل ليس خاصَّاً برمضان، لكن لرمضان خصوصيَّةٌ في هذه العبادة، ولهذا جاءت السُّنَّة مِن قوله -عليه الصّلاة والسّلام- ومِن فعله، جاءت دالَّةً على مشروعيَّةِ قيام ليالي رمضان، كما في الحديث الصحيح: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).
وصلَّى النبيُّ –عليه الصلاة والسلام- بأصحابه في رمضان بضعَ ليالٍ جماعةً، فصار قيام الليل جماعةً في رمضان صار سُنَّةً، وأكَّدَ ذلك أو حقَّقَ ذلك أميرُ المؤمنين عمر -رضي الله عنه-، وكان الناس في عهده يصلُّون أوزاعاً وجماعاتٍ، فجمعهم على إمام واحد فصارت سُنَّةً في المسلمين، يعني قيام الليل جماعةً، وهو ما يُسمَّى بالتّراويح؛ لأنَّهم يصلّون كذا ويستريحون، ويصلّون ويستريحون؛ لأنَّهم كانوا يصلّون أكثر مِن صلاتنا، أو نقول: أطول مِن صلاتنا.
فينبغي للمسلم أن يأخذ بنصيب مِن قيام الليل في كلِّ العام في كلِّ السّنة، في جميع الليالي، فالله تعالى قال في ثنائه وفي ذكر أعمال المتقين: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}، {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}[الذاريات:17].
وقال سبحانه في عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}[الفرقان:64]، فهذا من أهمِّ ومن أفضل أعماله التي يتسابقون فيها ويحافظون عليها؛ {يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}، {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا}[الإنسان:26].
فينبغي للمسلم أن يأخذ بنصيب مِن قيام الليل في كلِّ السّنة، يأخذ بنصيب؛ فيصلِّي ما يسَّرَ الله له مثنى مثنى، صلاة الليل ثنتين ثنتين، ثمَّ إذا أراد الإنسان أو أكمل ما تيسَّر له صلَّى ركعةً واحدةً، هكذا قال عليه الصّلاة والسّلام، (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى)، يعني ثنتين ثنتين، فإذا خشي أحدكم الصبح، هذا إذا صلَّى الإنسان آخر الليل وصلَّى ثنتين ثنتين، يمكن أن يضيق عليه الوقت فيأتي الفجر، يعني يطلع عليه الفجر وهو في صلاته، فإذا خشي الصبح أوتر (فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ، صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى).
وقيل في الحكمة: "قيامُ الليل دأبُ الصالحين"، يعني هديهم الذي يداومون عليه، قيام الليل دأبُ الصالحين، ولكلِّ طاعة لها أسباب تُعين عليها، فعلى الإنسان إذا أراد أن يعمل عملاً أن يأخذ بالأسباب المعينة عليه، وهذا هو المعقول عند كلِّ العقلاء، إذا طلبوا أمراً وهمُّوا بأمرٍ وحرصوا على أمرٍ أخذوا بالأسباب التي توصلهم إليه وتيسِّره عليهم.
فنسألُ الله أن يمدَّنا وإيَّاكم بعونٍ منه، وأن يثبِّتنا على دينه، وأن يجعلنا، وأن يرزقنا الأسوة بنبيِّنا وأصحابه وسلفنا الصّالح، إنَّه تعالى على كلِّ شيءٍ قديرٌ.