بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله، ربَّما تكون هذه الليلة آخر ليلة من شهر رمضان في هذا العام؛ لأنَّ ليلةَ الأحد يُحتمَلُ إن رُئِيَ الهلالُ فيوم الأحد هو العيدُ وهو واحد، وإن لم يُرَ فالواجب إتمام الشهر ثلاثين.
وتقدَّم الحديث معكم، في شأن قيام الليل وأنَّه مشروعٌ في كلِّ زمانٍ، في رمضان وفي غيره، والآيات التي فيها الثناء على المؤمنين والمتَّقين بصلاة الليل معروفة تقرؤونها وتسمعونها كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات:17]
وهكذا كان النبيُّ –صلَّى الله عليه وسلَّم- يصلِّي من الليل دائماً في كلِّ عمره، حتَّى توفَّاه الله، لكن يخصُّ رمضان بمزيد، رمضان له زيادةٌ، مزيد خصوصيَّة في قيام الليل، ولهذا جاء الترغيب؛ من قام رمضان، من قام ليلة القدر، فيه ترغيبٌ زيادةٌ، لكن سهل.
وينبغي أن يُعلَمَ أنَّ قيام الليل ومنه الوتر، الوتر هو من قيام الليل، وهو إما ركعة، من أحبَّ أن يوتر بواحدةٍ فليفعلْ، ومن أحبَّ أن يوتر بثلاثٍ فليفعل، وبخمسٍ فليفعل، جاء الحديث في هذا، فليوتر الإنسان.
ووقت الوتر وقيام الليل من بعد صلاة العشاء … كلُّها وقت، في أوَّل الليل، وسط الليل، تقول عائشة: "من كلِّ الليلِ أوتر النبيُّ –عليه الصلاة والسلام-" من كلِّ الليل، تارةً يوتر أولَ الليل وتارةً وسط الليل وتارةً آخر الليل، وانتهى وتره، تقول: وانتهى وتره إلى السحر، خلاص قبيل الفجر، هذا آخر الوقت.
قال عليه الصلاة والسلام: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى»، يعني ثنتين ثنتين ما تُقرَنُ أربعا، لا، إلَّا الوتر يمكن وصله ثلاث متصلة بسلامٍ، أو خمس بسلامٍ، أو سبع بسلامٍ، كلُّ هذا جاء عن النبيِّ –عليه الصلاة والسلام-، فكلُّ الليل وقتٌ لقيام الليل، والوتر أوَّل الليل وسط الليل آخر الليل، وأفضله آخر الليل، آخر الليل هذا هو وقت النزول الإلهيِّ، ولهذا أخبر عليه الصلاة والسلام عن ربِّه حيث يقول: "ينزلُ ربُّنا إلى السماءِ الدُّنيا كلَّ ليلةٍ" كلّ ليلة، كلَّ ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: "من يدعوني؟ من يسألُني؟ من يستغفرُني؟" يعني فآخر الليل وقت من أوقات الإجابة، من أوقات الإجابة.
والله ينزل إلى السماء الدُّنيا كيفَ شاء، ما يُكيَّف، ولا يُفكَّرُ، ما يجوز أن تفكِّر كيف ينزل الربُّ تعالى؟ نؤمن به ونعلم ونؤمن هذا هو منهج أهل السُّنَّةِ، أهل السُّنَّة يؤمنون بما أخبر الله به عن نفسه، وأخبر به عنه رسوله –عليه الصلاة والسلام-، لكن لا يُكيِّفون، لا يقولون: "كيف"، ولا يفكرون في الكيفيَّة، لا تفكِّرْ كيف ينزل الربُّ، كيف هو مستوٍ على العرش، كيف، كلُّ هذا ممنوعٌ.
فالمقصود أنَّ الليل كلُّه وقت، وأفضله آخر الليل، الثلث الآخر من الليل، ثمَّ من ناحية العدد أيضاً الأمر واسع، يصلِّي الإنسان ما شاء، إن خفَّفَ وأراد يصلِّي عدد كذا من العدد، إن خفَّف وكثَّر العدد، أو طوَّل وقلَّل العدد، هو باختيار إن شاء خفَّف وقلَّل العدد، وإن شاء طوَّل وقلَّل العدد، وكان عليه الصلاة والسلام يعني في الغالب أنَّه لا يزيد على إحدى عشرة ركعةً، لكنَّه يطوّل، تقول عائشة –رضي الله عنها-: "ما زادَ رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم- في رمضان ولا في غيرها على إحدى عشرةَ ركعةً".
يصلي أربع، يعني أربع الصحيح أنَّها أربع بسلامين، فلا تسألْ، لا تسألْ عن حسنِهنَّ وطولِهنَّ، طول وخشوع وطمأنينة، فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثمَّ يصلِّي أربعاً فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثمَّ يصلِّي ثلاثاً، ولكن ليس هذا بواجبٍ على الأمَّةِ أنَّهم لا يزيدون لا، الصحيح أنَّه تجوز الزيادة، يصلِّي الإنسان إحدى عشرة ركعةً، يصلِّي ثلاث عشرة، يصلي خمس عشرة، حتَّى أنَّ من العلماء وهم كثير، يقول: إنَّ التراويح ثلاث وعشرون ركعةً، وهكذا تُصلَّى في الحرمين، يُصلّون ثلاثاً وعشرينَ ركعةً، لكن الراجح أنَّها تكون خمس عشرة أو يعني أو ثلاث عشرة أو إحدى عشرة ركعةً، لكن لا حرج لا حرج في الزيادة على إحدى عشرة ركعةً، هذا هو الحقُّ وهذا هو الصوابُ، هذا لا حرج، إذا كان الإنسان يصلِّي لنفسه فهو حرٌّ … إحدى عشرة ركعةً أو أقلّ إذا كان يعني يضعف عن ذلك.
وبعض الناس ما عنده قرآن أو ما يحفظ قرآن أو يطول عليه القيام فيكثِّر العدد، الحمد لله، الأمر واسع، يكثِّر العدد يصلِّي ثلاث عشرة، الفاتحة وما تيسَّر، الفاتحة وما تيسَّر وهكذا الفاتحة وما تيسَّر، ركعة مع الطمأنينة، لكن مع الطمأنينة، ولهذا صلاة الناس الآن التي يعني صاروا يتَّبعونها مثلنا الآن في العشر، نحن في العشرين الأولى نصلِّي إحدى عشرة ركعةً، أربع تسليمات وثلاث هذي إحدى عشرة ركعةً، وبعد ذلك نظراً إلى أنَّ العشر ينبغي إحياؤها والتطويل فيها، صار من العادة أنَّه يُصلَّى بعض الصلاة أوَّل الليل وبعضها آخر الليل ولو جُمِعَتْ كلُّها أوَّل الليل أو آخر الليل فلا حرج، يعني أنا أريد أن نبيِّن أن هذا ليس يعني ما نفعله أو يفعله الآخرون إنَّ هذه إنَّها سنَّةٌ مرتَّبةٌ هكذا لا، هذا يرجع إلى اجتهاد الجماعة وإمامهم ويصلّون حسب ما تيسَّر لهم، لو صلِّينا في أوَّل الليل تسليمتين وطوَّلنا فها شوي لا بأس، ولو صلِّينا في آخر الليل أربع تسليمات وخفَّفنا فيها فلا بأس، المهم أن يُعلَمَ أنَّ هذا الترتيب توقيفيَّاً ولا، ما هو إلَّا اجتهادٌ حسبَ ما يتيسَّر للناس، وحسب ما يلائم نشاطهم وضعفهم وقوَّتهم وهكذا.
فيُسَنُّ للمسلمِ، في غير رمضان ما في جماعة، في غير رمضان ما في جماعة، صلاة الليل ممَّا يفعله الإنسان في خاصَّة نفسه في بيته يصلِّي على هذا المنهج، يطوِّل يقصِّر يكثِّر يقلِّل، وهذا من فضل الله أن يسَّر ما شرع لعباده؛ لأنَّ قُدَرَ الإنسان الجسديَّة وقُدَرَهم العلميَّة وإراداتهم وعزماتهم ونيَّاتهم تتفاوت، فالحمد لله.
المهم أن يضرب الإنسان من قيام الليل، أن يضرب الإنسان لنفسه من قيام الليل … لا يفوِّت يضيِّع بحيث أنَّه يعني قليل أنَّك بعد العشاء يعني تصلِّي ركعةً، تصيبها، بعض الناس يصلِّي الراتبة ركعتين ويصلِّي الوتر ركعةً، يعني هذا قليل، الله أعطاك عافية ومتَّعك زدْ زدْ على هذا، تزوَّد، لا يكون أن تنشط أن تقوم آخر الليل، صلِّ الراتبة ونمْ وقمْ في آخر الليل وصلِّ وهذا خيرٌ وأفضلُ، لكن من غلب على ظنِّه أنَّه ما يقوم وما يتيسَّر له القيام أو يكسل أو يضعف، فيصلِّي من الليل قبل أن ينام.
فينبغي التواصي، ينبغي التواصي بقيام الليل، ولهذا قيل: قيام الليل دأب الصالحين، دأبهم وسيرتهم وطريقهم الذي لا يخلّون به ولا يتركونه أبداً دأب، نسأل الله للجميع التوفيق والقبول والعفو والعافية، وصلَّى الله على نبيِّنا.