الرئيسية/فتاوى/معنى اسم الله الكبير
share

معنى اسم الله الكبير

السؤال :

فضيلة الشيخ: كيف نُفسِّرُ اسم الله (الكبير)، وهل نقول: إنّ له تعالى جميع أنواع الكبر، فقد قرأتُ لأحدهم تقرير هذا المعنى، حتى كبر الذَّات، وأعوذُ بالله أن أُثبت لله شيئًا لم يُثبته الله لنفسه، أو أنفي عنه شيئًا أثبته لذاته تعالى ؟

الحمدُ لله وحدّه، وصلَّى الله وسلَّم على مَن لا نبي بعده ؛ أما بعد :
فاسم الله "الكبير" جاء في القرآن في ستة مواضع، مقرونًا باسمه "العليِّ" في خمسة مواضع، وباسمه "المتعال" في موضع واحد، وهذا الاقترانُ بين "العليِّ والكبير" نظيرُهُ الاقترانُ بين "العلي والعظيم" مِن أسمائه تعالى، فظهرَ مِن الاقتران بين "العليّ والعظيم" أو "العليِّ والكبير" تناسبٌ بين الاسمين والوصفين.
ومِن المشهور في كلام أهل السنَّة أنَّ العلوَّ لله يشمل ثلاثة أنواع: علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر، والنزاعُ مع المعطِّلة في علوِّ الذات الذي مِن أدلَّته استواؤه تعالى على العرش في سبعة مواضع من القرآن، ولا أذكرُ أنَّ أحدًا صرَّح باعتبار هذه الأنواع الثلاثة في اسمه "العظيم"، إلا ما يتضمَّنه قول ابن القيم: "فالعلو: رفعته، والعظمة: عظمةُ قدرِهِ ذاتًا ووصفًا" (الصواعق المرسلة 4/1364). والذي يظهر لي أن الأمر كذلك؛ أعني أنَّه يُقال في "العظمة" ما قيل في "العلو" ؛ فهو تعالى العظيم ذاتًا وقدرًا وقهرًا، وفي معنى "العظيم" اسمُه الكبير، كما يشهد لتقارب معنيي "العظيم والكبير" اقترانهما بـ"العلي".
ونظير هذا الاقتران بين "العلي والعظيم" أو "الكبير" في القرآن اقترانُ هذين الاسمين في كلمات الذكر في الصَّلاة أو خارج الصَّلاة: سبحان الله العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وقد جاء "أفعلُ" التَّفضيل في الوصفين العلي والكبير، سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى و"سبحانَ ربِّي الأعلى" في السّجود، وفي التَّكبير: الله أكبر، فهو العليُّ والأعلى والكبير والأكبر.
ومما يُستدل به على عظمة ذاته وكِبَر ذاته قوله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67] .  وما جاء من السُّنَّة في تفسيرها؛ كقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
(يَطْوِي اللّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطْوِي الأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ) رواه مسلم .  وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس: (مَا السَّمواتُ السَّبعُ والأرضونَ السَّبعُ في كفً الرَّحمنِ إلَّا كخرْدَلَةٍ في يَدِ أحدِكم).
فيجبُ الإيمانُ بكلِّ ما وصفَ اللهُ به نفسه، وما وصفه به رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، ومِن ذلك الإيمان بهذه الأسماء: العلي والعظيم والكبير، على قاعدة أهل السُّنَّة في الإثبات والنَّفي: إثباتًا بلا تشبيه ولا تكييف، وتنزيهًا بلا تعطيل، وعليه : فلا يجوز التَّخيُّل لكيفيَّة ذاته أو صفاته تعالى، ولا التفكُّر فيها، أي: الكيفيَّة، قال ابن عباس رضي الله عنه: (تفكَّروا في كلِّ شيءٍ ولا تفكَّروا في ذاتِ اللهِ) رواه البيهقي في "الأسماء والصّفات" وغيرُه، قال ابنُ حجر في "فتح الباري" (13/383): "موقوف وسنده جيد".
ولأنَّ التَّفكُّر في الشَّيء طلبٌ لحقيقته، والتَّفكُّر في ذات الله وصفاته مِن جنس السؤال عن الكيفيَّة بالكلام، وقد قال الأئمةُ في الاستواء وغيره: الاستواءُ معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ، والسؤالُ عنه بدعة، قال ابن تيمية -رحمه الله- في العقيدة التدمريَّة: "لأنَّه سؤال عمَّا لا يعلمه البشرُ، ولا يمكنهم الإجابة عنه"، والله أعلم ، وصلَّى الله وسلَّم على نبيّنا محمَّد .

أملاه:
عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك
ضحى الجمعة، لسبع خلون من ذي الحجة لعام 1437هـ