الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية/(129) فصل بيان اضطراب كلام النصارى وتفرقهم في باب طبيعة المسيح قوله “ومن أخبر الناس بمقالاتهم”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(129) فصل بيان اضطراب كلام النصارى وتفرقهم في باب طبيعة المسيح قوله “ومن أخبر الناس بمقالاتهم”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس: التّاسع العشرون بعد المئة

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى وأسكنَهُ فسيحَ جنانِهِ- في كتابِهِ: "الجوابُ الصَّحيحُ لِمَن بدَّلَ دينَ المسيحِ"، قالَ -رحمَهُ اللهُ-:
قُلْتُ: وَمِنْ أَخْبَرِ النَّاسِ بِمَقَالَاتِهِمْ مَنْ كَانَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، وَأَسْلَمَ عَلَى بَصِيرَةٍ بَعْدَ الْخِبْرَةِ بِكُتُبِهِمْ وَمَقَالَاتِهِمْ، كَالْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الَّذِي كَتَبَ رِسَالَةً إِلَى أَخِيهِ عَلِيٍّ بْنِ أَيُّوبَ يَذْكُرُ فِيهَا سَبَبَ إِسْلَامِهِ وَيَذْكُرُ الْأَدِلَّةَ عَلَى بُطْلَانِ دِينِ النَّصَارَى وَصِحَّةِ دِينِ الْإِسْلَامِ، قَالَ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى أَخِيهِ لَمَّا كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ سَبَبِ إِسْلَامِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ خُطْبَتَهُ: "ثُمَّ اعلَمْ أَرْشَدَكَ اللَّهُ أَنَّ ابْتِدَاءَ أَمْرِي فِي الشَّكِّ الَّذِي دَخَلَنِي فِيمَا كُنْتُ عَلَيْهِ وَالِاسْتِبْشَاعِ بِالْقَوْلِ بِهِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً لِمَا كُنْت أَقِفُ عَلَيْهِ فِي الْمَقَالَةِ مِنْ فَسَادِ التَّوْحِيدِ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِمَا أُدْخِلَ فِيهِ مِنَ الْقَوْلِ بِالثَّلَاثَةِ الْأَقَانِيمِ وَغَيْرِهَا مِمَّا تَضَمَّنَتْهُ شَرِيعَةُ النَّصَارَى، وَوَضْعِ الِاحْتِجَاجَاتِ الَّتِي لَا تَزْكُو وَلَا تَثْبُتُ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ، وَكُنْتُ إِذَا تَبَحَّرْتُهُ وَأَجَلْتُ الْفِكْرَ فِيهِ بَانَ لِي عَوَارُهُ، وَنَفَرَتْ نَفْسِي مِنْ قَبُولِهِ، وَإِذَا فَكَّرْتُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي مَنَّ اللَّهِ عَلَيَّ بِهِ، وَجَدْتُ أُصُولَهُ ثَابِتَةً وَفُرُوعَهُ مُسْتَقِيمَةً وَشَرَائِعَهُ جَمِيلَةً.

وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أَحَدٌ مِمَنْ عَرَفَ اللَّهَ مِنْكُمْ وَمِنْ غَيْرِكُمْ وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ السَّمِيعِ الْبَصِيرِ الْوَاحِدِ الْفَرْدِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْجَوَادِ الْعَدْلِ إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَإِلَهِ مُوسَى وَعِيسَى وَسَائِرِ النَّبِيِّينَ وَالْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، الَّذِي لَا ابْتِدَاءَ لَهُ وَلَا انْتِهَاءَ، وَلَا ضِدَّ وَلَا نِدَّ، وَلَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا، الَّذِي خَلَقَ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا لَا مِنْ شَيْءٍ وَلَا عَلَى مِثَالٍ، بَلْ كَيْفَ شَاءَ وَبِأَنْ قَالَ لَهَا: "كَوْنِي" فَكَانَتْ عَلَى مَا قَدَّرَ وَأَرَادَ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ الرَّؤوفُ الرَّحِيمُ الَّذِي لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ، وَهُوَ الْغَالِبُ فَلَا يُغْلَبُ، وَالْجَوَادُ فَلَا يَبْخَلُ، لَا يَفُوتُهُ مَطْلُوبٌ، وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]، وَمَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَكُلُّ مَذْكُورٍ أَوْ مَوْهُومٍ هُوَ مِنْهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِهِ، وَكُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ.
– الشيخ: وكُلُّ
– القارئ: وَكُلُّ مَذْكُورٍ أَوْ مَوْهُومٍ هُوَ مِنْهُ
– الشيخ: ما في [ألا يُوجَدُ] تعليق؟
– القارئ: في [يوجد] -أحسنَ الله إليك- قال: في طبعة "ط" و "ك" "فكلٌّ" بدلًا من "وَكُلٌّ"
– الشيخ: أيش الفرق؟
– القارئ: يعني "وَكُلٌّ" بدلَ "فكلٌّ"
– الشيخ: الفاء بس [فقط]؟ كلمة الفاء؟
– القارئ: إي نعم، المثبت "وَكُلٌّ"
وَكُلُّ مَذْكُورٍ أَوْ مَوْهُومٍ هُوَ مِنْهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِهِ، وَكُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ.
ثُمَّ نُؤْمِنُ بِأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ; لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، وَنُؤْمِنُ بِمُوسَى وَعِيسَى وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَنُؤْمِنُ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْقُرْآنِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنْبِيَائِهِ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَأَنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ، ذَلِكَ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.

قَالَ: وَكَانَ يَحْمِلُنِي على إِلْفِ دِينِي
– الشيخ: نعم سابقًا
– القارئ: وَطُولِ الْمُدَّةِ وَالْعَهْدِ عَلَيْهِ وَالِاجْتِمَاعِ مَعَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالْإِخْوَانِ وَالْجِيرَانِ وَأَهْلِ الْمَوَدَّاتِ عَلَى التَّسْوِيفِ بِالْعَزْمِ، وَالتَّلَبُّثِ عَلَى إِبْرَامِ الْأَمْرِ، وَيَعْرِضُ مَعَ ذَلِكَ الْفِكْرُ فِي إِمْعَانِ النَّظَرِ وَالِازْدِيَادِ فِي الْبَصِيرَةِ، فَلَمْ أَدَعْ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ أَنْبِيَاءِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَكُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْقُرْآنِ إِلَّا نَظَرْتُ فِيهِ وَتَصَفَّحْتُهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْ مَقَالَاتِ النَّصْرَانِيَّةِ إِلَّا تَأَمَّلْتُهُ، فَلَمَّا لَمْ أَجِدْ لِلْحَقِّ مَدْفَعًا، وَلَا لِلشَّكِّ فِيهِ مَوْضِعًا، وَلَا لِلْأَنَاةِ وَالتَّلَبُّثِ وَجْهًا، خَرَجْتُ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِنَفْسِي هَارِبًا بِدِينِي عَنْ نِعْمَةٍ وَأَهْلِ مُسْتَقَرٍّ وَمَحَلٍّ وَعِزٍّ وَمُتَصَرِّفٍ فِي عَمَلٍ، فَأَظْهَرْتُ مَا أَظْهَرْتُهُ عَنْ نِيَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَسَرِيرَةٍ صَادِقَةٍ، وَيَقِينٍ ثَابِتٍ، فَـ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [الأعراف:43] وَإِيَّاهُ تَعَالَى نَسْأَلُ أَلَّا يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا، وَأَنْ يَهَبَ لَنَا مِنْهُ رَحْمَةً، إِنَّهُ هُوَ الْوَهَّابُ.
قَالَ: وَلَمَّا نَظَرْتُ فِي مَقَالَاتِ النَّصَارَى وَجَدْتُ صِنْفًا مِنْهُمْ يُعْرَفُونَ بِالْأَرِيُوسِيَّةِ يُجَرِّدُونَ تَوْحِيدَ اللَّهِ وَيَعْتَرِفُونَ بِعُبُودِيَّةِ الْمَسِيحِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَلَا يَقُولُونَ فِيهِ شَيْئًا مِمَّا يَقُولُهُ النَّصَارَى مِنْ رُبُوبِيَّةٍ وَلَا بِنُبُوَّةٍ خَاصَّةٍ وَلَا غَيْرِها

– الشيخ: وَلَا بُنُوَّةٍ
– القارئ: وَلَا بُنُوَّةٍ خَاصَّةٍ وَلَا غَيْرِهِمَا، وَهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ مُقِرُّونَ بِمَا جَاءَ بِهِ تَلَامِيذُهُ وَالْحَامِلُونَ عَنْهُ، فَكَانَتْ هَذِهِ الطَّبَقَةُ قَرِيبَةً مِنَ الْحَقِّ مُخَالِفَةً لِبَعْضِهِ فِي جُحُودِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدَفْعِ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
قَالَ: ثُمَّ وَجَدْتُ مِنْهُمْ صِنْفًا يُعْرَفُونَ بِالْيَعْقُوبِيَّةِ، يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَسِيحَ طَبِيعَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ طَبِيعَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا طَبِيعَةُ النَّاسُوتِ

– الشيخ: الظَّاهر يبي [يريد] يدخل في تفصيلات مذهب، مذاهب النَّصارى، "ثُمَّ وَجَدْتُ طائفةً اسمهم بِالْيَعْقُوبِيَّةِ" خلك عندَ هذا، كلامٌ عظيمٌ وهذا يدلُّ على أنَّ اللهَ يمنُّ على من يشاءُ … عليه ويجعلُ في قلبه، ومن طلب الحق واجتهد فيه هُدِيَ إليه، من طلبه بصدق من طلب الحق وأراد الحق هُدِيَ إليه، ومن أعرض سُدَّ عنه وحُرِمَ ذلك إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]
فهذا النَّصرانيُّ ما ذكرَه في عقيدته في الحقيقة كلام مسدَّد وكلام طيِّب، وطوَّفَ في كلامه على جوانب من أصولِ دينِ الإسلامِ ومن جهودِه أو الظُّروف الَّتي مرَّت عليه، فكانَت بدايةُ هدايتِه أنَّه نظرَ ووازنَ بينَ الإسلام وبينَ النَّصرانيَّةِ فوجدَ البَونَ بينَ الدِّينينِ في التَّوحيد وفي غيره، وأهمُّ ذلك التَّوحيدُ، ولهذا ذكرَ جملةً ممَّا تضمَّنَه دينُ الإسلامِ في التَّوحيد مقابلًا بما عندَ النَّصارى في التَّوحيد فهما ضدَّان، فالنَّصارى يقولون بثلاثةِ آلهةٍ ويضطربُ كلامُهم في هذا اضطرابًا عظيمًا وفي شأن المسيح وأمِّه كما تقدَّم وكما سيأتي في كلام هذا الرَّجل.
فنسألُ اللهَ سبحانه وتعالى أن يثبِّتَنا وإيَّاكم على هذه النِّعمة، نعمة الإسلام ينبغي أن يتفكَّرَ الإنسانُ في نعمة الله عليه، فالآن البشريَّة -كما تعلمون- تُقدَّرُ بالمليارات وجمهورهم في الضَّلالات المختلفة من الوثنيِّين والكتابيِّين من اليهود والنَّصارى وفرقهم المختلفة، وكلُّهم يتخبَّطون في ظلمات الجهل وظلمات الشِّرك، فمن منَّ اللهُ عليه بالإسلام فقد اصطفاه وهداه وأنعمَ عليه أعظمَ نعمةٍ، نسأل اللهَ أن يتمَّها علينا وعليكم.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة