الرئيسية/فتاوى/تأملات بلاغية في قوله تعالى إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها
share

تأملات بلاغية في قوله تعالى إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها

السؤال :

  في قوله تعالى: إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ [النمل:91]، لِمَ لَمْ يقل: (التي) تبعًا للبلدة ؟ جزاكم الله خيرًا .

الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على مَن لا نبي بعده ؛ أمَّا بعد :

فإنَّ الاسم الموصول “الذي” في موضع نصبٍ، صفةً لـ “رب”، لا “للبلدة”، وهذا هو المناسب للمعنى؛ لأنَّ المقصود في السّياق: الإخبارُ عن المعبود، الموصوف بأنَّه ربّ البلدة، وأنَّه حرَّمها، ولدفعِ توهُّم تقييد الربوبيَّة بالبلدة جاءَ الاستطراد في قوله: وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ، ثم جاء قوله تعالى: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تأكيدًا لقوله: أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ، وليعطف على معموله: وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ أي: وأمرتُ أن أتلو القرآن.

وأيضًا: لو جاءَ الموصول صفة “للبلدة” لاحتيجَ إلى تقدير الفاعل اسمًا ظاهرًا، نحو: البلدة التي حرَّمها الله، وهذا يناسبُ لو كان المقصودُ ابتداءً: الإخبارُ عن تحريم البلدة، وليس كذلك، كما تقدَّم.

وأيضًا ففي جعل الموصول صفة لـ “رب” تذكيرٌ بنعمة الله عليهم بهذا التَّحريم، الذي هو أصل ما أنعم عليهم به مِن الأمن، كما امتنَّ عليهم بهذا التَّحريم وبهذا الأمن في آيات، كقوله: أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا [القصص:57]، وهذا يقتضي أن يشكروه بعبادته وحده دون سواه، كما قال تعالى: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ [قريش:3-4]. والله أعلم .

قاله:

عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك

13جمادى الآخرة 1436هـ