الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية/(141) فصل متابعة حكاية كلام ابن البطريق عن النصارى قوله “وملك بعده قيصران أحدهما المشرق والشام”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(141) فصل متابعة حكاية كلام ابن البطريق عن النصارى قوله “وملك بعده قيصران أحدهما المشرق والشام”

 

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس: الحادي والأربعون بعد المئة

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسَلينَ، نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ؛ فيقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "الجوابِ الصَّحيحِ لِمَن بدَّلَ دينَ المسيحِ":

يقولُ-رحمَهُ اللهُ تعالى-: وَمَلَكَ بَعْدَهُ قَيْصَرَانِ، أَحَدُهُمَا الْمَشْرِقَ وَالشَّامَ وَأَرْضَ الرُّومِ، وَالْآخَرُ رُومِيَّةَ وَنَحْوَهَا، وَكَانَ أَحَدُهُمَا اسْمُهُ "عَلَانْيُوسُ" وَالْآخَرُ "مَقْصُطْيُوسُ"

– الشيخ : أقولُ: هذا من كلامِ سعيد؟

– القارئ : نعم

وَكَانَ أَحَدُهُمَا اسْمُهُ "عَلَانْيُوسُ" وَالْآخَرُ "مَقْصُطْيُوسُ" فَكَانَا كَالسِّبَاعِ الضَّارِيَةِ عَلَى النَّصَارَى، وَأَثَارَا عَلَيْهِمُ الْبَلَاءَ وَالْجَلَاءَ وَمَا لَا يَصِفُهُ وَاصِفٌ، وَفَعَلَا بِهِمْ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُلُوكِ قَبْلَهُمْ.

وَمَلَكَ مَعَهُمَا عَلَى بِزَنْطِيَّةَ، وَمَا وَالَاهَا "قُسْطُسُ" أَبُو "قُسْطَنْطِينَ"، وَكَانَ رَجُلًا دَيِّنًا مُبْغِضًا لِلْأَصْنَامِ مُحِبًّا لِلنَّصَارَى.

فَخَرَجَ "قُسْطُسُ" إِلَى نَاحِيَةِ الْجَزِيرَةِ وَ "الرَّهَا"، فَنَزَلَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى "الرَّهَا" يُقَالُ لَهَا: "كُفَرْجَاثُ" فَنَظَرَ فِيهَا امْرَأَةً حَسَنَةً جَمِيلَةً يُقَالُ لَهَا: "هِيلَانَةُ" وَكَانَتْ قَدْ تَنَصَّرَتْ عَلَى يَدَيْ أُسْقُفِّ "الرَّهَا" وَتَعَلَّمَتْ قِرَاءَةَ الْكُتُبِ.

وَوَلَدَتْ "هِيلَانَةُ" "قُسْطَنْطِينَ" فَتَرَبَّى بِـ "الرَّهَا" وَتَعَلَّمَ حِكَمَ الْيُونَانِيِّينَ، وَكَانَ غُلَامًا حَسَنَ الْوَجْهِ قَلِيلَ الشَّرِّ، وَدِيعًا مُحِبًّا لِلْحِكْمَةِ.

وَأَمَّا "عَلَانْيُوسُ" فَكَانَ رَجُلًا وَحْشِيًّا شَدِيدَ الْبَأْسِ، مُبْغِضًا لِلنَّصَارَى جِدًّا كَثِيرَ الْقَتْلِ لَهُمْ، مُحِبًّا لِلنِّسَاءِ، وَلَمْ يَتْرُكْ لِلنَّصَارَى بِنْتًا بِكْرًا إِلَّا أَخَذَهَا وَأَفْسَدَهَا وَقَتَلَهَا، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ، وَهَكَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِالنَّصَارَى، وَكَانَ النَّصَارَى فِي شِدَّةٍ شَدِيدَةٍ جِدًّا مَعَهُمْ.

وَبَلَغَهُ خَبَرُ "قُسْطَنْطِينَ" وَأَنَّهُ غُلَامٌ هَادٍ قَلِيلُ الشَّرِّ كَثِيرُ الْعِلْمِ وَالْخَيْرِ.

وَأَخْبَرَهُ الْحُكَمَاءُ الَّذِينَ لَهُ وَالْمُنَجِّمُونَ أَنَّ "قُسْطَنْطِينَ" سَيَمْلِكُ مُلْكًا عَظِيمًا، فَهَمَّ بِقَتْلِهِ.

وَعَلِمَ "قُسْطَنْطِينُ" بِذَلِكَ فَهَرَبَ مِنَ "الرَّهَا" وَذَهَبَ إِلَى مَدِينَةِ "بِزَنْطِيَّةَ" وَوَصَلَ إِلَى أَبِيهِ "قُسْطُسَ" فَسَلَّمَ إِلَيْهِ الْمُلْكَ. وَبَعْدَ قَلِيلٍ مَاتَ "قُسْطُسُ" وَصَبَّ اللَّهُ عَلَى "عَلَانْيُوسَ" الْمَلِكِ عِلَلًا عَظِيمَةً، حَتَّى تَقَطَّعَ لَحْمُهُ وَتَهَرَّأَ، وَبَقِيَ مَطْرُوحًا لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَقْتَرِبَ مِنْهُ.

فَعَجِبَ النَّاسُ مِمَّا نَالَهُ، وَرَحِمَهُ أَعْدَاؤُهُ مِمَّا حَلَّ بِهِ.

فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا الَّذِي بِي مِمَّا أَقْتُلُ النَّصَارَى.

فَكَتَبَ إِلَى جَمِيعِ عُمَّالِهِ أَنْ يُطْلِقُوا النَّصَارَى مِنَ الْحُبُوسِ، وَأَنْ يُكْرِمُوهُمْ وَلَا يُؤْذُوهُمْ، وَيَسْأَلُونَهُمْ أَنْ يَدْعُوا لَهُ فِي صَلَاتِهِمْ.

فَصَلَّى النَّصَارَى عَلَى الْمَلِكِ وَدَعَوْا لَهُ، فَوَهَبَ اللَّهُ لَهُ الْعَافِيَةَ وَرَجَعَ إِلَى أَفْضَلِ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الصِّحَّةِ وَالْقُوَّةِ.

فَلَمَّا صَحَّ وَقَوِيَ، رَجَعَ إِلَى أَشَرَّ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الرَّدَى.

وَكَتَبَ إِلَى جَمِيعِ عُمَّالِهِ أَنْ يَقْتُلُوا النَّصَارَى، وَلَا يَعِيشَ فِي مَمْلَكَتِهِ نَصْرَانِيٌّ وَلَا يَسْكُنُوا مَدِينَةً وَلَا قَرْيَةً لَهُ.

فَمِنْ كَثْرَةِ الْقَتْلَى كَانُوا يُحْمَلُونَ عَلَى الْعَجَلِ وَيَرْمُونَ بِهِمْ فِي الْبِحَارِ وَالصَّحَارِي، وَقُتِلَ "مَارِ جِرْجِسُ" وَأَخَاهُ بِمَدِينَةِ "قَبَاذُوقِيَّةَ" وَهُمَا مِنْ أَهْلِهَا، وَقَتَلَ "بَرْبَارَةَ"، وَذَكَرَ حَرْبًا جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ "سَابُورَ" لَمَّا تَنَكَّرَ "سَابُورُ" وَجَاءَ إِلَيْهِ مُتَنَكِّرًا وَعَرَفَهُ.

قَالَ: وَأَمَّا "مَقْسِطْيُوسُ" فَكَانَ شِرِّيرًا عَلَى أَهْلِ رُومِيَّةَ، وَاسْتَعْبَدَ كُلَّ مَنْ كَانَ بِرُومِيَّةَ وَخَاصَّةً النَّصَارَى، فَكَانَ يَنْهَبُ أَمْوَالَهُمْ وَيَقْتُلُ رِجَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَصِبْيَانَهُمْ.

فَلَمَّا سَمِعَ أَهْلُ رُومِيَّةَ بِمُلْكِ "قُسْطَنْطِينَ" وَأَنَّهُ مُبْغِضٌ لِلشَّرِّ مُحِبٌّ لِلْخَيْرِ، وَأَنَّ أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ مَعَهُ فِي هُدُوءٍ وَسَلَامَةٍ، كَتَبَ رُؤَسَاءُ رُومِيَّةَ إِلَى "قُسْطَنْطِينَ" يَسْأَلُونَهُ وَيَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ يُخَلِّصَهُمْ مِنْ عُبُودِيَّةِ "مَقْسِطْيُوسَ" عَدُوِّ اللَّهِ.

فَلَمَّا قَرَأَ كُتُبَهُمْ، اغْتَمَّ غَمًّا شَدِيدًا وَبَقِيَ مُتَحَيِّرًا وَلَا يَدْرِي كَيْفَ يَصْنَعُ.

فَبَيْنَمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ، إِذْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فِي السَّمَاءِ صَلِيبٌ مِنْ كَوَاكِبَ تُضِيءُ، مَكْتُوبًا حَوْلَهُ "بِهَذَا تَغَلِبُ".

فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ.

فَآمَنَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِالنَّصْرَانِيَّةِ، وَذَلِكَ لَسِتِّ سِنِينَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِ أَبِيهِ.

فَتَجَهَّزَ "قُسْطَنْطِينُ" وَاسْتَعَدَّ لِمُحَارَبَةِ "مَقْسِطْيُوسَ" مَلِكِ رُومِيَّةَ، وَعَمِلَ صَلِيبًا كَبِيرًا مِنْ ذَهَبٍ، وَصَيَّرَهُ عَلَى رَأْسِ الْبَنْدِ وَخَرَجَ يُرِيدُ "مَقْسِطْيُوسَ".

فَلَمَّا سَمِعَ "مَقْسِطْيُوسُ" أَنَّ "قُسْطَنْطِينَ" قَدْ وَافَاهُ لِمُحَارَبَتِهِ، اسْتَعَدَّ لِحَرْبِهِ وَعَقَدَ جِسْرًا عَلَى النَّهْرِ الَّذِي قُدَّامَ رُومِيَّةَ، وَخَرَجَ مَعَ جَمِيعِ أَصْحَابِهِ يُحَارِبُ "قُسْطَنْطِينَ".

فَأُعْطِيَ "قُسْطَنْطِينُ" النُّصْرَةَ عَلَيْهِ، فَقَتَلَ مِنْ أَصْحَابِ "مَقْسِطْيُوسَ" مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَهَرَبَ "مَقْسِطْيُوسُ" وَغَرِقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى امْتَلَأَ الْبَحْرُ وَهُوَ النَّهْرُ الَّذِي عِنْدَ رُومِيَّةَ غَرْقَى وَقَتْلَى.

وَخَرَجَ أَهْلُ رُومِيَّةَ إِلَى "قُسْطَنْطِينَ" بِالْإِكْلِيلِ الذَّهَبِ وَكُلِّ أَنْوَاعِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ، فَلَقُوا "قُسْطَنْطِينَ" وَفَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا.

فَلَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ أَمَرَ أَنْ تُدْفَنَ أَجْسَادُ النَّصَارَى الشُّهَدَاءِ الْمَصَالِيبِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنَ النَّصَارَى هَرَبَ أَوْ نَفَاهُ "مَقْسِطْيُوسُ" يَرْجِعُ إِلَى بَلَدِهِ وَمَوْضِعِهِ، وَمَنْ أُخِذَ لَهُ شَيْءٌ رُدَّ إِلَيْهِ.

وَأَقَامَ أَهْلُ رُومِيَّةَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ يُعَيِّدُونَ لِلْمَلِكِ وَلِلصَّلِيبِ وَيَفْرَحُونَ.

فَلَمَّا سَمِعَ الْخَبَرَ "عَلَانْيُوسُ" جَمَعَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَتَجَهَّزَ لِقِتَالِ "قُسْطَنْطِينَ".

فَلَمَّا عَايَنَهُ انْهَزَمُوا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَأَخَذَهُمْ بِالسَّيْفِ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ أُسِرَ وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَأْمَنَ.

وَأَفْلَتَ "عَلَانْيُوسُ" عُرْيَانًا، فَلَمْ يَزَلْ يَتَقَوَّى مَوْضِعًا مَوْضِعًا حَتَّى وَافَى مَدِينَتَهُ، فَجَمَعَ الْكَهَنَةَ وَالسَّحَرَةَ وَالْعَرَّافِينَ الَّذِينَ كَانَ يُحِبُّهُمْ وَيَقْبَلُ مِنْهُمْ، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، لِئَلَّا يَقَعُوا فِي يَدِ "قُسْطَنْطِينَ".

وَصَبَّ اللَّهُ عَلَى "عَلَانْيُوسَ" نَارًا فِي جَوْفِهِ حَتَّى كَانَتْ أَحْشَاؤُهُ تَتَقَطَّعُ مِنَ الْحَرِّ الَّذِي كَانَ يَجِدُهُ فِي جَوْفِهِ، وَسَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ وَتَهَرَّأَ لَحْمُهُ عَلَى عَظْمِهِ وَمَاتَ.

وَمَلَكَ "قُسْطَنْطِينُ" الدُّنْيَا فِي هُدُوءٍ وَسَلَامَةٍ، وَذَلِكَ فِي إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ مُلْكِ "سَابُورَ بْنِ هُرْمُزَ" مَلِكِ الْفُرْسِ.

قَالَ: وَتَنَصَّرَ "قُسْطَنْطِينُ" فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: "نِيقُومِيدْيَا"، وَذَلِكَ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ مُلْكِهِ، وَأَمَرَ بِبِنَاءِ الْكَنَائِسِ فِي كُلِّ بَلَدٍ، وَأَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ الْخَرَاجُ مِمَّا يُعْمَلُ بِهِ أَبْنِيَةُ الْكَنَائِسِ.

قَالَ: وَفِي خَمْسِ سِنِينَ مِنْ مُلْكِهِ صَيَّرَ "الْأَكْصَنْدُرُوسَ" بَطْرِيَرْكًا عَلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَهُوَ تِلْمِيذُ بَطْرَكِهَا "بُطْرُسَ" الَّذِي قُتِلَ وَهُوَ رَفِيقُ "أَشْلَا"، فَأَقَامَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ رِيَاسَتِهِ، كَانَ الْمَجْمَعُ بِمَدِينَةِ "نِيقِيَّةَ" الَّذِي رُتِّبَتْ فِيهِ الْأَمَانَةُ الْأَرْثُذُكْسِيَّةُ.

فَمَنَعَ "الْأَكْصَنْدَرُوسُ" بَتْرَكُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ "أَرِيُوسَ" مِنْ دُخُولِ الْكَنِيسَةِ وَلَعَنَهُ، وَقَالَ: إِنَّ "أَرِيُوسَ" مَلْعُونٌ، لِأَنَّ "بُطْرُسَ" الْبَتْرَكَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ قَالَ لَنَا: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ "أَرِيُوسَ" فَلَا تَقْبَلُوهُ وَلَا تُدْخِلُوهُ الْكَنِيسَةَ.

وَكَانَ عَلَى مَدِينَةِ "أَسْيُوطَ" مِنْ عَمَلِ مِصْرَ أُسْقُفٌّ يَرَى رَأْيَ "أَرِيُوسَ" فَلَعَنَهُ أَيْضًا.

وَكَانَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ هَيْكَلٌ عَظِيمٌ كَانَتْ "كِلَاوْبَطْرَةُ" الْمَلِكَةُ بَنَتْهُ عَلَى اسْمِ زُحَلَ، وَكَانَ فِيهِ صَنَمٌ مِنْ نُحَاسٍ عَظِيمٍ يُسَمَّى: "مِيكَائِيلُ"، وَكَانَ أَهْلُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَمِصْرَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا فِي شَهْرِ "هَتُورَ" وَهُوَ "تِشْرِينُ الثَّانِي" يُعَيِّدُونَ لِذَلِكَ الصَّنَمِ عِيدًا عَظِيمًا، وَيَذْبَحُونَ الذَّبَائِحَ الْكَثِيرَةَ.

فَلَمَّا صَارَ هَذَا بَطْرَكًا عَلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَظَهَرَتِ النَّصْرَانِيَّةُ، أَرَادَ أَنْ يَكْسِرَ الصَّنَمَ وَيُبْطِلَ الذَّبَائِحَ.

فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ أَهِلُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَاحْتَالَ لَهُمْ بِأَنْ قَالَ: إِنَّ هَذَا صَنَمٌ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَا مَضَرَّةَ، فَلَوْ صَيَّرْتُمُ الْعِيدَ لِمِيكَائِيلَ الْمَلَاكِ، وَجَعَلْتُمْ هَذِهِ الذَّبَائِحَ لَهُ كَانَ أَنْفَعَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ خَيْرًا لَكُمْ مِنْ هَذَا الصَّنَمِ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ.

فَكَسَرَ الصَّنَمَ، وَأَصْلَحَ مِنْهُ صَلِيبًا وَسَمَّى الْهَيْكَلَ "كَنِيسَةَ مِيكَائِيلَ" وَهِيَ الْكَنِيسَةُ الَّتِي تُسَمَّى "قَيْسَارِيَّةَ"، احْتَرَقَتْ بِالنَّارِ وَقْتَ مُوَافَاةِ الْجُيُوشِ مِنَ الْمَغَارِبَةِ الْقَرَامِطَةِ مَعَ الْمُسَمَّى أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ، وَكَانَ مَعَهُ أَمِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُسَمَّى "حُبَاسَةُ" وَذَلِكَ فِي خِلَافَةِ "الْمُعْتَضِدِ بِاللَّهِ".

وَكَانَ عَامِلُهُ عَلَى مِصْرَ يَوْمَئِذٍ مَوْلَاهُ الْمَعْرُوفُ "بِتَكِينَ الْحَاجِبِ" رَجُلٌ تُرْكِيٌّ، فَنَفَرَ إِلَى الْمَغَارِبَةِ وَجَاءَهُ مَدَدٌ مِنَ الشَّرْقِ مَعَ الْخَادِمِ الْمُلَقَّبِ "مُونِسٌ" الْأُسْتَاذُ.

فَهَرَبَ مِنْهُ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ وَحُبَاسَةُ وَجُنُودُهُمَا، وَصَيَّرَ الْعِيدَ لِمِيكَائِيلَ الْمَلَكِ وَالذَّبَائِحَ.

وَإِلَى الْيَوْمِ الْقِبْطُ بِمِصْرَ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ يُعَيِّدُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ عِيدَ مِيكَائِيلَ الْمَلَاكِ وَيَذْبَحُونَ فِيهِ الذَّبَائِحَ الْكَثِيرَةَ، وَكَذَلِكَ الْمَلِكِيَّةُ يُعَيِّدُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ عِيدَ مِيكَائِيلَ الْمَلَاكُ وَصَارَ رَسْمًا إِلَى الْيَوْمِ.

قَالَ: فَلَمَّا مَنَعَ بَتْرَكُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ "أَرِيُوسَ" مِنْ دُخُولِ الْكَنِيسَةِ وَلَعَنَهُ، خَرَجَ "أَرِيُوسُ" مُسْتَعْدِيًا عَلَيْهِ وَمَعَهُ أُسْقُفَّانِ، فَاسْتَغَاثُوا إِلَى "قُسْطَنْطِينَ" الْمَلِكِ.

وَقَالَ "أَرِيُوسُ": إِنَّهُ تَعَدَّى عَلَيَّ وَأَخْرَجَنِي مِنَ الْكَنِيسَةِ ظُلْمًا.

وَسَأَلَ الْمَلِكَ أَنْ يَشْخَصَ "الْأَكْصَنْدَرُوسُ" بَطْرَكُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ لِيُنَاظِرَهُ قُدَّامَ الْمَلِكِ.

فَوَجَّهَ "قُسْطَنْطِينُ" بِرَسُولٍ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَأَشْخَصَ الْبَطْرَكَ، وَجَمْع بَيْنَهَ وَبَيْنَ "أَرِيُوسَ" لِيُنَاظِرَهُ فَقَالَ "قُسْطَنْطِينُ" "لِأَرِيُوسَ": اشْرَحْ مَقَالَتَكَ.

قَالَ "أَرِيُوسُ": أَقُولُ: إِنَّ الْأَبَ كَانَ إِذْ لَمْ يَكُنِ الِابْنُ، ثُمَّ اللَّهُ أَحْدَثَ الِابْنَ، فَكَانَ كَلِمَةً لَهُ إِلَّا أَنَّهُ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ، ثُمَّ فَوَّضَ الْأَمْرَ إِلَى ذَلِكَ الِابْنِ الْمُسَمَّى كَلِمَةً، فَكَانَ هُوَ خَالِقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ فِي إِنْجِيلِهِ، إِذْ يَقُولُ: (وَهَبْ لِي سُلْطَانًا عَلَى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) فَكَانَ هُوَ الْخَالِقَ لَهُمَا بِمَا أُعْطِيَ مِنْ ذَلِكَ.

ثُمَّ إِنَّ الْكَلِمَةَ تَجَسَّدَتْ مِنْ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ وَمِنْ رُوحِ الْقُدُسِ فَصَارَ ذَلِكَ مَسِيحًا وَاحِدًا.

فَالْمَسِيحُ الْآنَ مَعْنَيَانِ: كَلِمَةٌ وَجَسَدٌ، إِلَّا أَنَّهُمَا جَمِيعًا مَخْلُوقَانِ.

قَالَ: فَأَجَابَهُ عِنْدَ ذَلِكَ بَطْرَكُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَقَالَ: تُخْبِرُنَا الْآنَ أَيُّمَا أَوْجَبُ عَلَيْنَا عِنْدَكَ، عِبَادَةُ مَنْ خَلَقَنَا أَوْ عِبَادَةُ مَنْ لَمْ يَخْلُقْنَا.

قَالَ "أَرِيُوسُ": بَلْ عِبَادَةُ مَنْ خَلَقَنَا.

قَالَ لَهُ الْبَطْرَكُ: فَإِنْ كَانَ خَالِقُنَا الِابْنَ كَمَا وَصَفْتَ، وَكَانَ الِابْنُ مَخْلُوقًا، فَعِبَادَةُ الِابْنِ الْمَخْلُوقِ أَوْجَبُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَبِ الَّذِي لَيْسَ بِخَالِقٍ، بَلْ تَصِيرُ عِبَادَةُ الْأَبِ الْخَالِقِ لِلِابْنِ كُفْرًا، وَعِبَادَةُ الِابْنِ الْمَخْلُوقِ إِيمَانًا، وَذَلِكَ مِنْ أَقْبَحِ الْأَقَاوِيلِ.

فَاسْتَحْسَنَ الْمَلِكُ وَكُلُّ مَنْ حَضَرَ مَقَالَةَ الْبَطْرَكِ، وَشَنَّعَ عِنْدَهُمْ مَقَالَةَ "أَرِيوسَ"، وَدَارَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ.

فَأَمَرَ "قُسْطَنْطِينُ" الْبَطْرَكَ "الْأَكْصَنْدَرُوسَ" أَنْ يَلْعَنَ "أَرِيُوسَ" وَكُلَّ مَنْ قَالَ بِمَقَالَتِهِ.

فَقَالَ لَهُ: بَلْ يُوَجِّهُ الْمَلِكُ فَيَشْخَصُ الْبَطَارِكَةُ وَالْأَسَاقِفَةُ حَتَّى يَكُونَ لَنَا مَجْمَعٌ، وَنَضَعَ فِيهِ قَضِيَّةً وَنَلْعَنَ "أَرِيُوسَ" وَنَشْرَحَ الدِّينَ وَنُوَضِّحَهُ لِلنَّاسِ.

فَبَعَثَ "قُسْطَنْطِينُ" الْمَلِكُ إِلَى جَمِيعِ الْبُلْدَانِ فَجَمَعَ الْبَطَارِكَةَ وَالْأَسَاقِفَةَ فَاجْتَمَعَ فِي مَدِينَةِ "نِيقِيَّةَ" بَعْدَ سَنَةٍ وَشَهْرَيْنِ، أَلْفَانِ وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ أُسْقُفًّا، وَكَانُوا مُخْتَلِفِي الْآرَاءِ مُخْتَلِفِي الْأَدْيَانِ.

فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْمَسِيحُ وَمَرْيَمُ إِلَهَانِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَهُمُ "الْمَرْيَمَانِيَّةُ"، وَيُسَمَّوْنَ "الْمَرْيَمِيِّينَ".

وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الْمَسِيحَ مِنَ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ شُعْلَةِ نَارٍ تَعَلَّقَتْ مِنْ شُعْلَةِ نَارٍ، فَلَمْ تَنْقُصِ الْأُولَى لِإِيقَادِ الثَّانِيَةِ مِنْهَا، وَهِيَ مَقَالَةُ "سِبَارِينُونَ" وَأَشْيَاعِهِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ: لَمْ تَحْبَلْ مَرْيَمُ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنَّمَا مَرَّ نُورٌ فِي بَطْنِ مَرْيَمَ كَمَا يَمُرُّ الْمَاءُ فِي الْمِيزَابِ، لِأَنَّ "كَلِمَةَ اللَّهِ" دَخَلَتْ مِنْ أُذُنِهَا وَخَرَجَتْ مِنْ حَيْثُ يَخْرُجُ الْوَلَدُ مِنْ سَاعَتِهَا، وَهِيَ مَقَالَةُ "أُلْبَانَ" وَأَشْيَاعِهِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الْمَسِيحَ إِنْسَانٌ خُلِقَ مِنَ اللَّاهُوتِ كَوَاحِدٍ مِنَّا فِي جَوْهَرِهِ، وَأَنَّ ابْتِدَاءَ الِابْنِ مِنْ مَرْيَمَ، وَأَنَّهُ اصْطُفِيَ لِيَكُونَ مُخَلِّصًا لِلْجَوْهَرِ الْإِنْسِيِّ، صَحِبَتْهُ النِّعْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ فَحَلَّتْ فِيهِ الْمَحَبَّةُ وَالْمَشِيئَةُ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ "ابْنُ اللَّهِ" وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ وَأُقْنُومٌ وَاحِدٌ، يُسَمُّونَهُ بِثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِالْكَلِمَةِ وَلَا بِرُوحِ الْقُدُسِ، وَهِيَ مَقَالَةُ "بُولُصَ الشِّمْشَاطِيِّ" بَطْرَكِ أَنْطَاكِيَةَ وَأَشْيَاعِهِ، وَهُمُ "الْبُولْيَانِيُّونَ".

– الشيخ : شوف [ابحث] لك محطَّة، موقف يعني، أسهبَ الشَّيخُ أسهبَ

– القارئ : أسطرٌ قليلةٌ ونقفُ، يستعرضُ منهم، بقي صنفان وينتهي

– الشيخ : هذا مناسبٌ؟

– القارئ : إي نعم

– الشيخ : خلاص …

– القارئ : بقي سطران، أسطرٌ قليلةٌ

– الشيخ : نعم

– القارئ : وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ بِثَلَاثَةِ آلِهَةٍ، لَمْ يَزَلْ صَالِحٌ وَطَالِحٌ وَعَدْلٌ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ مَقَالَةُ "مَرْقِيُونَ" وَأَشْيَاعِهِ.

وَزَعَمُوا أَنَّ "مَرْقِيُونَ" رَئِيسُ الْحَوَارِيِّينَ، وَأَنْكَرُوا "بُطْرُسَ" السَّلِيحَ.

وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ: رَبُّنَا هُوَ الْمَسِيحُ، وَهِيَ مَقَالَةُ "بُولُسَ" الرَّسُولِ، وَمَقَالَةُ الثَّلَاثُمِائَةِ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أُسْقُفًّا.

قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ "قُسْطَنْطِينُ" الْمَلِكُ مَقَالَاتِهِمْ، عَجِبَ مِنْ ذَلِكَ وَأَخْلَى لَهُمْ دَارًا

– الشيخ : إلى آخرِهِ.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة