الرئيسية/فتاوى/حكم إطلاق القول بأن الإنسان في الأصل مستحق للنار
share

حكم إطلاق القول بأن الإنسان في الأصل مستحق للنار

السؤال :

فضيلة الشَّيخ عبد الرَّحمن البرَّاك؛ السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أمَّا بعد :

فهل يصحُّ أن يُقال: إنَّ الإنسانَ في الأصلِ مستحقٌّ للنَّار، إلا أن يرحمه اللهُ ويغفرَ له، ويدخله الجنَّة ؟ وهل يؤخذُ هذا المعنى مِن قوله تعالى: فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185] وقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: (لَنْ يدخلَ أحَدٌ الجنَّةَ بعملِهِ)، وقولهم في الدُّعاء المشهور: اللهمَّ اجعلنا مِن عتقائكَ مِن النَّار، ونحو ذلك مِن النّصوص، وجزاكم الله خيرًا ؟

 

الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على مَن لا نبي بعده ؛ أمَّا بعد :

فإنَّه لا يستحقُّ أحدٌ النَّارَ إلَّا مَن قامَ به سببُ العذاب مِن الكفر والمعاصي، والآياتُ الدَّالة على هذا الأصل كثيرةٌ، منها قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:39]، وقال تعالى: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ [الأعراف:9]، وفي الآية الأخرى: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [المؤمنون:103] إلى قوله: أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ [المؤمنون:105]، والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ جدًا.

وقالَ تعالى في آكلِ مالِ اليتيم: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10]، وقالَ في مانع الزَّكاة: يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:35].

وقالَ في آكلِ الرِّبا: وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275].

وقد أخبرَ تعالى أنَّه خلقَ الإنسانَ وجعلَه صنفين مؤمنًا وكافرًا، قالَ تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [التغابن:2].

والآياتُ الدَّالة على عاقبة الفريقين كثيرةٌ معلومة، قالَ سبحانه: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7]، وقالَ: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ [الروم:15-16].

وعلى هذا؛ فلا يجوزُ أن يقالَ: إنَّ الإنسانَ في الأصل مستحقٌّ للنَّار بهذا الإطلاق، ولا يستحقُّ العذابَ إلَّا مَن قامت عليه حجَّةُ الله الرساليَّة، كما قال سبحانه: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15]، وهذا شأنُ كلّ مَن يدخل النَّار، فإنَّ الخزنة تذكرهم بقيام حجَّة الله عليهم، كما قالَ عز وجل: حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا [الزمر:71] الآيات.

وليسَ فيما ذكرَ في السؤال مِن آية وحديث دليلٌ على تلك الدَّعوى، ولا ريبَ أنَّ النَّجاة مِن العذاب ودخول الجنَّة لا تكون بمجرد الأعمال؛ فالأعمالُ إنَّما هي سببٌ، كما قال تعالى في مقامِ الوعد والوعيد: جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وقال: جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ.

ومردُّ ذلك كلّه إلى فضلِ الله ورحمته؛ فهو سبحانه الذي يمنُّ على مَن يشاءُ ويهديه، وييسره لليسرى، ثم يجزيه بالجنَّة التي أُعدت للمتَّقين، فمَن أنجاه الله مِن النَّار وأدخله الجنَّة فقد فازَ الفوزَ العظيم، وهو معنى قوله: فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، فالواجبُ على الإنسان أن يأخذَ بأسباب النَّجاة مِن العذاب والفوز بالثَّواب، وذلك فضلُ الله يؤتيه مَن يشاء، والله ذو الفضل العظيم، والله أعلم .

 

أملاه :

عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك

في اليوم الثاني عشر من شوال 1436هـ