file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(2) التوكل على الله والاستعانة به

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
علم الأخلاق 
الدَّرس: الثَّاني

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلَّامِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ" قالَ رحمَهُ اللهُ:

التَّوكُّلُ على اللهِ والاستعانةُ بهِ.

خلقٌ جليلٌ يضطرُّ إليهِ العبدُ في أمورِهِ كلِّها دينيِّها ودنيويِّها، لأنَّهُ وإنْ كانَ اللهُ تعالى قد أعطى العبدَ قدرةً وإرادةً تقعُ بها أفعالُهُ الاختياريَّةُ، ولم يجبرْهُ على شيءٍ منها، فإنَّهُ لا حولَ لهُ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ، فإذا اعتمدَ بقلبِهِ اعتمادًا كلِّيًّا قويًّا على ربِّهِ في تحصيلِ وتكميلِ ما يريدُ فعلَهُ مِن أمورِ دينِهِ ودنياهُ، ووثقَ بهِ أعانَهُ وقوَّى إرادتَهُ وقدرتَهُ، ويسَّرَ لهُ الأمرَ الَّذي قصدَهُ، وصرفَ عنهُ الموانعَ أو خفَّفَها، وتضاعفَتْ قوَّةُ العبدِ وازدادَتْ قدرتُهُ، لأنَّهُ استمدَّ واستماحَ مِن قوَّةِ اللهِ الَّتي لا تَنْفَدُ ولا تبيدُ.

– الشيخ : واستمدَّ؟

– القارئ : واستماحَ، قالَ في القاموسِ المحيطِ: "استمحْتُهُ: سألْتُهُ العطاءَ".

والتَّوكُّلُ الحقيقيُّ يطردُ عن العبدِ الكسلَ، ويُوجِبُ لهُ النَّشاطَ التَّامَّ على الأمرِ الَّذي توكَّلَ على اللهِ بهِ، ولا يتصاعبُ شاقًّا، ولا يستثقلُ أيَّ عملٍ، ولا ييْئَسُ مِن النَّجاحِ وحصولِ مطلوبِهِ، عكسُ ما يظنُّهُ بعضُ المنحرفينَ الَّذينَ لم يفهمُوا معنى التَّوكُّلِ، أو فهمُوهُ لكنَّ إنكارَ القدرِ والقضاءِ صرفَهم عن الحقِّ، فحسبُوا أنَّ التَّوكُّلَ يُضعِفُ الهمَّةَ والإرادةَ، وأساؤُوا غايةَ الإساءةِ حيثُ ظنُّوا بربِّهم الظَّنَّ السُّوءَ، فإنَّ اللهَ أمرَ بالتَّوكُّلِ في آياتٍ كثيرةٍ.

وأخبرَ أنَّهُ مِن لوازمِ الإيمانِ ووعدَ المتوكِّلينَ: الكفايةَ وحصولَ المطلوبِ، وأخبرَ أنَّهُ يحبُّهم، وأنَّهُ لا يتمُّ الدِّينُ إلَّا بهِ، ولا تتمُّ الأمورُ إلَّا بهِ، فالدِّينُ والدُّنيا مفتقراتٌ إلى التَّوكُّلِ.

قالَ تعالى: وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [المائدة:23]، فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هود:123]، فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ [التوبه:129]، عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا [الأعراف:89]،وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3]، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]

وللتَّوكُّلِ فوائدُ عظيمةٌ:

منها: أنَّهُ لا يتمُّ الإيمانُ والدِّينُ إلَّا بهِ، وكذلكَ لا تتمُّ الأقوالُ والأفعالُ والإراداتُ إلَّا بهِ.

ومنها: أنَّ مَن توكَّلَ على اللهِ كفاهُ، فإذا وعدَ اللهُ عبدَهُ بالكفايةِ إذا توكَّلَ عليهِ، عُلِمَ أنَّ ما يحصلُ مِن الأمورِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ، وأحوالِ الرِّزقِ وغيرِها بالتَّوكُّلِ أعظمُ بكثيرٍ ممَّا يحصلُ إنْ حصلَ إذا انقطعَ قلبُ العبدِ مِن التَّوكُّلِ.

ومنها: أنَّ التَّوكُّلَ على اللهِ أكبرُ سببٍ لتيسيرِ الأمرِ الَّذي تُوكِّلَ عليهِ لعلَّ وتكميلِهِ وتتميمِهِ، ودفعِ الموانعِ الحائلةِ بينَهُ وبينَ تكميلِهِ.

ومنها: أنَّ المتوكِّلَ على اللهِ قد علمَ أنَّهُ اعتمدَ في توكُّلِهِ، واستندَ إلى مَن جميعُ الأمورِ كلِّها في ملكِهِ، وتحتَ تصريفِهِ وتدبيرِهِ، ومِن جملتِها: فعلُ العبدِ، فكلَّما فترَتْ همَّتُهُ وضعفَ نشاطُهُ أَمَدَّهُ هذا التَّوكُّلُ بقوَّةٍ إلى قوَّتِهِ، وقد وثقَ بكفايةِ ربِّهِ، والوثوقُ والطَّمعُ في حصولِ المطلوبِ لا شكَّ أنَّهُ مِن أعظمِ الأسبابِ الباعثةِ على الأعمالِ المرغِّبةِ فيها، وهذا أمرٌ مشاهَدٌ معلومٌ.

ومنها: أنَّ المتوكِّلَ على اللهِ حقيقةً قد أبدى الافتقارَ التَّامَّ إلى ربِّهِ، وتبرَّأَ مِن حولِهِ وقوَّتِهِ، ولم يُعجَبْ بشيءٍ مِن عملِهِ، ولم يتَّكلْ على نفسِهِ لعلمِهِ أنَّها ضعيفةٌ مهينةٌ، سريعةُ الانحلالِ، بل لجأَ في ذلكَ إلى ربِّهِ، مستعينًا بهِ في حصولِ مطلوبِهِ.

وهذا هوَ الغِنى الحقيقيُّ، لأنَّهُ استغنى بربِّهِ وكفايتِهِ، وهوَ معَ ذلكَ قد أبدى غايةَ المجهودِ، فتبيَّنَ أنَّ التَّوكُّلَ لا ينافي القيامَ بالأسبابِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ، بل تمامُهُ بفعلِها بقوَّةٍ صادقةٍ وهمَّةٍ عاليةٍ، معتمدةٌ على القويِّ العزيزِ.

ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ: النَّصيحةُ

– الشيخ : إلى هنا.

 

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة