file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(6) الصبر

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
علم الأخلاق 
الدَّرس: السَّادس

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمِعِينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلَّامِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ"

الصَّبرُ

– الشيخ : يعني من الأخلاقِ الَّتي دعا إليها القرآنُ وأثنى على أهلِها الصَّبرُ، وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46]، إنَّ اللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146]، وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127]، فالآياتُ في شأنِ الصَّبرِ والنَّدبِ إليهِ والثَّناءِ عليه والوعدِ لأهلِه بالعواقبِ الحميدةِ كثيرةٌ كثيرةٌ.

 

– القارئ : الصَّبرُ: هوَ الأساسُ الأكبرُ لكلِّ خُلُقٍ جميلٍ، والتَّنزُّهِ مِن كلِّ خُلُقٍ رذيلٍ، وهوَ حبسُ النَّفسِ على ما تكرهُ، وعلى خلافِ مرادِها طلبًا لرضى اللهِ وثوابِهِ، ويدخلُ فيهِ الصَّبرُ على طاعةِ اللهِ، وعن معصيةِ اللهِ، وعلى أقدارِ اللهِ المؤلِمةِ.

– الشيخ : هذهِ ثلاثةُ أنواعٍ بيَّنَها العلماءُ أخذًا من القرآنِ والسُّنَّةِ إنَّ الصَّبرَ ثلاثةُ أنواعٍ: صبرٌ على طاعةٍ اللهِ ولهذا قالَ تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132]، فلا تتأدَّى الواجباتُ وتُجتنَبُ المحرَّماتُ إلَّا بالصَّبر لابدَّ من صبرٍ، صبرٌ على فعل المأمورِ، وصبرٌ على تركِ المحظورِ، وصبرٌ على المكروهِ من المقدورِ، "على طاعةِ اللهِ، وعن معصيةِ اللهِ، وعلى أقدارِ اللهِ المؤلمةِ".

 

– القارئ : فلا تتمُّ هذهِ الأمورُ الثَّلاثةُ الَّتي تجمعُ الدِّينَ كلَّهُ إلَّا بالصَّبرِ.

فالطَّاعاتُ خصوصًا الطَّاعاتُ الشَّاقَّةُ، كالجهادِ في سبيلِ اللهِ، والعباداتُ المستمرَّةُ كطلبِ العلمِ والمداومةِ على الأقوالِ النَّافعةِ، والأفعالِ النَّافعةِ لا تتمُّ إلَّا بالصَّبرِ عليها، وتمرينِ النَّفسِ على الاستمرارِ عليها وملازمتِها ومرابطتِها، وإذا ضعفَ الصَّبرُ ضعفَتْ هذهِ الأفعالُ، وربَّما انقطعَتْ.

وكذلكَ كفُّ النَّفسِ عن المعاصي وخصوصًا المعاصي الَّتي في النَّفسِ داعٍ قويٌّ إليها، لا يتمُّ التَّركُ إلَّا بالصَّبرِ والمصابرةِ على مخالفةِ الهوى وتحمُّلِ مرارتِهِ.

وكذلكَ المصائبُ حينَ تنزلُ بالعبدِ ويريدُ أنْ يقابلَها بالرِّضى والشُّكرِ والحمدِ للهِ على ذلكَ لا يتمُّ ذلكَ إلَّا بالصَّبرِ واحتسابِ الأجرِ، ومتى مَرَّنَ العبدُ نفسَهُ على الصَّبرِ ووطَّنَها على تحمُّلِ المشاقِّ والمصاعبِ وجدَّ واجتهدَ في تكميلِ ذلكَ، صارَ عاقبتُهُ الفلاحَ والنَّجاحَ، وقلَّ مَن جدَّ في أمرٍ تَطَلَّبَهُ واستصحبَ الصَّبرَ إلَّا فازَ بالظَّفرِ.

وقد أمرَ اللهُ بالصَّبرِ وأثنى على الصَّابرينَ، وأخبرَ أنَّ لهم المنازلَ العاليةَ والكراماتِ الغاليةَ في آياتٍ كثيرةٍ مِن القرآنِ، وأخبرَ أنَّهم يُوفَّونَ أجرَهم بغيرِ حسابٍ. وحَسْبُكَ مِن خلقٍ يسهِّلُ على العبدِ مشقَّةَ الطَّاعاتِ، ويهوِّنُ عليهِ تركَ ما تهواهُ النُّفوسُ مِن المخالفاتِ، ويسلِّيهِ عن المصيباتِ، ويُمِدُّ الأخلاقَ الجميلةَ كلَّها، ويكونُ لها كالأساسِ للبنيانِ.

ومَتَى علمَ العبدُ ما في الطَّاعاتِ مِن الخيراتِ العاجلةِ والآجلةِ، وما في المعاصي مِن الأضرارِ العاجلةِ والآجلةِ، وما في الصَّبرِ على المصائبِ مِن الثَّوابِ الجزيلِ، والأجرِ الجميلِ، سَهُلَ الصَّبرُ على النَّفسِ، وربَّما أتَتْ بهِ منقادةً مُستحليةً لثمراتِهِ. وإذا كانَ أهلُ الدُّنيا يهونُ عليهم الصَّبرُ على المشقَّاتِ العظيمةِ لتحصيلِ حطامِها، فكيفَ لا يَهونُ على المؤمنِ الموفَّقِ الصَّبرَ على ما يحبُّهُ اللهُ لحصولِ ثمراتِهِ، ومتى صبرَ العبدُ للهِ مخلِصًا في صبرِهِ كانَ اللهُ معَهُ، فإنَّ اللهَ معَ الصَّابرينَ بالعونِ والتَّوفيقِ والتَّأييدِ والتَّسديدِ.

ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى: العلمُ

– الشيخ : حسبُكَ، اللهُ المستعانُ، لابنِ القيِّمِ كتابٌ معروفٌ "عدَّةُ الصَّابرين وذخيرةُ الشَّاكرين" اعتنى بهذا البابِ في ذكرِ فضلِ الصَّبرِ ودلائلِ فضله وعواقبِه وأنواعِه وارتباط كثير من الأخلاقِ الكريمةِ به.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :