بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
علم الأخلاق
الدَّرس: السَّابع
*** *** *** ***
– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى وأسكنَهُ فسيحَ جنانِهِ- في كتابِهِ "فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلَّامِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ" قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى:
العلمُ
قد أمرَ اللهُ بتعلُّمِ جميعِ العلومِ النَّافعةِ، لاسيما علمُ ما أنزلَ اللهُ على رسولِهِ مِن الكتابِ والحكمةِ، الَّذي يجمعُ كلَّ علمٍ نافعٍ، وأمرَ بسؤالِ أهلِ العلمِ لِمَنْ لم يعلمْ. وأخبرَ برِفْعَتِهِم في الدُّنيا والآخرةِ، وأنَّهم ساداتُ الخلقِ في دنياهم وأخراهم، وأئمَّتُهم الَّذين بهم يقتدونَ، وعلى آثارِهم يهتدونَ، وعلى طريقتِهم يسلكونَ.
فالعلمُ يقصرُ التَّعبيرُ عن كُنْهِ فضلِهِ، وعلوِّ مرتبتِهِ، ويكفي في هذا أنَّ جميعَ الأقوالِ والأفعالِ والإراداتِ متوقِّفةٌ في صحَّتِها وفسادِها، وكمالِها ونقصِها، وفي جميعِ صفاتِها على العلمِ. ما حَكَمَ بهِ العلمُ مِن ذلكَ فهوَ كما قالَ، وإنَّ العلمَ نورٌ للصُّدورِ وحياةٌ للقلوبِ، بهِ يُعرَفُ اللهُ، وبهِ يُعبَدُ، وبهِ يُعرَفُ الحلالُ مِن الحرامِ، والطيِّبُ مِن الخبيثِ
– الشيخ : هذا هو العلمُ الشَّرعيُّ المنزلُ، هذا هو الَّذي يُعرَفُ به الخيرُ من الشَّرِّ والحلالُ من الحرامِ، وهو الَّذي تزكو به النُّفوسُ وتستنيرُ به العقولُ، لا العلمُ التَّجريبيُّ المادِّيُّ، العلمُ التَّجريبيُّ المادِّيُّ هو بحسبِ منافعِهِ فضلًا ونقصًا، ولكنَّه لا يورثُ استقامةً في الأخلاقِ ولا يورثُ زكاءً في القلوبِ والعقولِ، فالعلمُ إذا قلْنا: "العلمُ نورٌ" كلمةُ نورٍ هذه لا تصدقُ إلَّا على العلمِ الوحي المنزَّل فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا [التغابن:8]، يجبُ أن تُعرَفَ هذه الحقيقة حتَّى لا تُعظَّمَ العلومُ المادِّيَّةُ التَّجريبيَّةُ وتُرفَع فوقَ منزلتِها وتُقدَّم على علومِ الشَّريعة وعلم النُّبوَّة، فمن الضَّلالِ اعتقادُ أنَّ هذا العلمَ كما يسمُّونه: "عصرُ العلمِ" والعلمُ إذا وردَ الأمرُ به والثَّناءُ عليه والثَّناءُ على أهلِه فالمرادُ به العلمُ الشَّرعيُّ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ [آل عمران:18] العلمُ بما أنزلَ اللهُ فَاعْلَمْ يقولُ تعالى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى [الرعد:19]، فأصحابُ العلومِ التَّجريبيَّةِ إذا لم يعلموا أنَّ ما أنزلَ اللهُ على رسوله هو الحقُّ فإنَّهم عميٌ صمٌّ بكمٌ عميٌ.
– القارئ : وإنَّ العلمَ نورٌ للصُّدورِ وحياةٌ للقلوبِ، بهِ يُعرَفُ اللهُ، وبهِ يُعبَدُ
– الشيخ : الشَّيخُ يعني العلمَ الشَّرعيَّ، "به يُعرَفُ اللهُ، وبهِ يُعبَدُ" نعم هذا كلُّه صفاتٌ لا تصدقُ إلَّا على العلم الشَّرعيِّ المستمدِّ من كتابِ اللهِ وسنَّةِ رسولِه.
– القارئ : وبه يُعرَفُ الحلالُ مِن الحرامِ، والطَّيِّبُ مِن الخبيثِ، وبهِ يـُميَّزُ بينَ الأبرارِ والفجَّارِ، وأهلُ الجنَّةِ وأهلُ النَّارِ.
والعلمُ يُقوِّمُ ما اعوجَّ مِن الصِّفاتِ، ويُكمِّلُ ما نقصَ مِن الكمالاتِ، ويَسدُّ الخللَ، ويصلحُ العملَ، وبهِ صلاحُ الدِّينِ والدُّنيا، وبضدِّهِ فسادُ ذلكَ ونقصِهِ. العلمُ ميراثُ الرَّسولِ، والعلماءُ ورثةُ الأنبياءِ، فإنَّ الأنبياءَ لم يورِثُوا إلَّا العلمَ، فمَن أخذَ بهِ أخذَ بحظٍّ وافرٍ، ولولا العلمُ لكانَ النَّاسُ كالبهائمِ، والحاجةُ إلى العلمِ أعظمُ مِن الحاجةِ إلى الطَّعامِ والشَّرابِ.
والعلمُ النَّافعُ هيَ العلومُ الشَّرعيَّةُ، وما أعانَ عليها مِن علومِ العربيَّة بأنواعِها. ومِن العلومِ الشَّرعيَّةِ تعلُّمُ الفنونِ الـمُعِيْنَةِ على الدِّينِ، وعلى قوَّةِ المسلمينَ، وعلى الاستعدادِ للأعداءِ للمقاومةِ والمدافعةِ، فإنَّها داخلةٌ في الجهادِ في سبيلِ اللهِ، فكلُّ أَمْرٍ أَمَرَ بهِ الشَّارعُ، وهوَ يتوقَّفُ على أمورٍ كانَتْ مأمورًا بها، واللهُ أعلمُ.
ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ: التَّوسُّطُ في كلِّ الأمورِ والاعتدالُ والاقتصادُ: هذا الخلقُ الجليلُ
– الشيخ : إلى هنا.