الرئيسية/فتاوى/حكم المشاركة في ندوات اليوم العالمي للغة العربية 
share

حكم المشاركة في ندوات اليوم العالمي للغة العربية 

السؤال :

يُطلبُ منَّا نحن المختصِّين في اللغة العربيَّة إلقاء الكلمات والمحاضرات والمشاركة في النَّدوات بشأن اللغة العربيَّة وأهميتها، بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية /18 ديسمبر/، فهل ترون جواز المشاركة في مثل ذلك باعتبار منزلة اللغة، وأنَّها وسيلة إلى الدَّعوة إلى دين الله تعالى ؟

 

الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، أمَّا بعد :

فإنَّ مِن المعلوم أنَّ اللغة العربيَّة هي لغة القرآن والسُّنَّة، ولغة علماء المسلمين في مؤلَّفاتهم ودروسهم وأحاديثهم في القديم والحديث، بل لغة العلوم كلّها عند المسلمين، بل العجمُ مِن المسلمين يؤثرون اللغة العربيَّة على لغتهم في التَّخاطب، هذا ما كانت عليه اللغة العربيَّة قبل احتلال النَّصارى لكثير مِن بلاد المسلمين، فعملَ المستعمرون على إضعاف اللغة العربيَّة، ونشر لغتهم الإنجليزيَّة والفرنسيَّة في بلاد المسلمين، وأسَّسوا لذلك المعاهد والمدارس، وجعلوا إتقان لغتهم شرطًا في الولايات والوظائف، مما جعلَ النَّاس يتنافسون في تعلم اللغة الأجنبيَّة، وتفضيلها على اللغة العربيَّة، وما خرجَ الاستعمارُ العسكري مِن بلد مِن بلدان المسلمين إلَّا بعد أن حققوا أهدافهم في تغيير عقول المسلمين وأخلاقهم، وصرفهم عن دينهم، وما خرجوا إلَّا بعدما ضمنوا مَن يقوم مقامهم في تنفيذ خططهم مِن أهل تلك البلدان، ولذا يكون الذي خرجَ هو الاستعمار العسكري، أما الاستعمار الفكري فباقٍ يُنفذه أولياؤهم، كما رسمه المستعمر، فضمنوا بذلك تبعيَّة هذه البلدان لهم مِن حكومات وشعوب، إلا قليلا مِن ذوي البصائر مِن علماء المسلمين وصالحيهم.

هذا ومِن المعلوم أنَّ اللغة مِن أظهر شعائر الأمم وخصوصياتها، بها يتعارفون ويتمايزون، كما يتمايزون بألوانهم، وقد قرنَ سبحانه وتعالى بين الألسن والألوان، فقال: وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ [الروم:22]، قال شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم": "اللسانُ العربيُّ شعارُ الإسلامِ وأهلهِ، واللغاتُ مِن أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون"،  وقال أيضًا: "إنَّ اعتياد اللغة -أي العربية- يؤثِّر في العقلِ والخلقِ والدّينِ تأثيرًا قويًّا بيّنًا، ويؤثِّر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمة مِن الصَّحابة والتَّابعين، ومشابهتُهم تزيد في العقل والدين والخلق" أهـ.

وأقول: والعكسُ صحيح، فاعتيادُ اللغة الأجنبيَّة وإيثارُ المسلم لها على العربيَّة يؤثِّر نقصًا في العقل والخلق والدين، ويؤثِّر في مشابهة أهل تلك اللغة مِن الكافرين، ومشابهتُهم تورث نقصًا في العقل والخلق والدين.

وبعد: فتعظيمُ المسلمين مِن العرب وغيرهم للعربيَّة إنَّما يكون بتعلّمها وتعليمها للناشئة، وفرضِها في مناهج التَّعليم على النَّاشئة، وليس مِن تعظيمها تعيينُ يوم واحد في السَّنة يُتحدَّث فيه عن اللغة العربيَّة وأهميتها. كيف والسَّانُّ لهذا اليوم هيئةُ الأمم المتحدة، وهي القوة الاستعمارية المتسلِّطة على الحكومات والشعوب الضَّعيفة، ولا سيما الإسلاميَّة، فإنَّ هيئة الأمم تفرضُ سيطرتها وقانونها المسمَّى بالشَّرعيَّة الدوليَّة، فيُعلمُ قطعًا أنَّهم لم يسنُّوا هذا اليوم احتفاءً باللغة العربيَّة، بل إرضاءً للعرب بِمَا لا يغني شيئًا في النهوض بلغتهم.

ومع ذلك فلا نرى مانعًا مِن المشاركة في هذا اليوم في الحديث عن اللغة العربيَّة ومنزلتها في الإسلام، وتسليط الضوء على واقع العربيَّة في مناهج التَّعليم، وبيان أنَّ الاحتفاء الواقع اليوم إنَّما هو باللغة الأجنبيَّة، كما يدلُّ لذلك فرضُ اللغة الإنجليزيَّة على أولادنا -بنين وبنات- في التَّعليم بدءا مِن المرحلة الابتدائية، ولابدَّ مِن استغلال هذا اليوم بتقديم النَّصائح والتَّوصيات برفع مستوى العناية باللغة العربيَّة في مناهج التَّعليم، وترغيب الطلاب فيها بجدٍّ، وتقديم الجوائز لِمَن يتفوَّق فيها، ونحو ذلك.

نسألُ الله أن يصلحَ أحوال المسلمين، وأن يوفّق ولاة الأمور والقائمين على التَّعليم للعناية باللغة العربيَّة لغة القرآن، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين . 

 

أملاه :

عبد الرَّحمن بن ناصر البرَّاك

في يوم الثلاثاء الحادي عشر من ربيع الأول لعام 1437هــ