الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الفرقان بين الحق والباطل/(51) فصل ثم حدث في اخر عصر الصحابة القدرية “قوله وأما من كان منهم مقرا بالنبوة”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(51) فصل ثم حدث في اخر عصر الصحابة القدرية “قوله وأما من كان منهم مقرا بالنبوة”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الفُرقان بينَ الحقِّ والباطلِ) لابن تيميّة
الدّرس الحادي والخمسون

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، اللهمَّ متِّعْ شيخَنا على طاعتِك واغفرْ لنا وله وللمسلمين.
– الشيخ: جزاكَ اللهُ خيرًا، الله يتقبل دعاءَك لنفسِكَ ولمن دعوتَ له.
– القارئ:  قال شيخُ الإسلامِ رحمنَا اللهُ وإيَّاهُ ووَالِدِينا والمسلمين:
وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُقِرًّا بِالنُّبُوَّةِ فَأَنْكَرَ الشَّرْعَ فِي الْبَاطِنِ وَقَالَ: الْعَارِفُ لَا يَسْتَحْسِنُ حَسَنَةً وَلَا يَسْتَقْبِحُ سَيِّئَةً
– الشيخ
: أعوذُ باللهِ
– القارئ: صَارَ مُنَافِقًا يُظْهِرُ خِلَافَ مَا يُبْطِنُ، وَيَقُولُ الشَّرْعُ لِأَجْلِ الْمَارَسْتَانِ؛ وَلِهَذَا يُسَمَّوْنَ "بَاطِنِيَّةً" كَمَا سَمَّوْا الْمَلَاحِدَةَ "بَاطِنِيَّةً"، فَإِنَّ كِلَاهُمَا يُبْطِنُ خِلَافَ مَا يُظْهِرُ.
– طالب: نقدر نقول القدريَّة والمُجَبِّرةُ
– الشيخ: كليهما.
– القارئ: فإنَّ كليهما يُبْطِنُ خِلَافَ مَا يُظْهِرُ، يُبْطِنُونَ تَعْطِيلَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ.
فَمُنْتَهَى الجهميَّةِ الْمُجْبِرَةُ إمَّا مُشْرِكُونَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَإِمَّا مُنَافِقُونَ يُبْطِنُونَ الشِّرْكَ؛ وَلِهَذَا يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْصُرُ مُحَمَّدًا وَأَتْبَاعَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [الفتح:6]، وَهُمْ يَتَعَلَّقُونَ بِقَوْلِهِ: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَبِأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ؛ وَلِذَلِكَ لَمَّا ظَهَرَ الْمُشْرِكُونَ التَّتَارُ وَأَهْلُ الْكِتَابِ كَثُرَ فِي عُبَّادِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ مَنْ صَارَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ إمَّا بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَإِمَّا بَاطِنًا، وَقَالَ: إنَّهُ مَعَ الْحَقِيقَةِ وَمَعَ الْمَشِيئَةِ الْإِلَهِيَّةِ، وَصَارُوا يَحْتَجُّونَ لِمَنْ هُوَ مُعَظِّمٌ لِلرُّسُلِ عَمَّا لَا يُوَافِقُ عَلَى تَكْذِيبِهِ؛ بِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الشِّرْكِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الشَّرِيعَةِ وَمُوَالَاةِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالدُّخُولِ فِي دِينِهِمْ وَمُجَاهَدَةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ هُوَ بِأَمْرِ الرَّسُولِ، فَتَارَةً تَأتِيهِمْ شَيَاطِينُهُمْ بِمَا يُخَيِّلُونَ لَهُمْ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ مِنْ نُورٍ، وَأَنَّ الرَّسُولَ أَمَرَ بِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْكُفَّارِ لِكَوْنِ الْمُسْلِمِينَ قَدْ عَصَوْا، وَلِمَا ظَهَرَ أَنَّ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ خُفَرَاءُ لَهُمْ مِنْ الرِّجَالِ الْمُسَمِّينَ بِرِجَالِ الْغَيْبِ، وَأَنَّ لَهُمْ خَوَارِقَ تَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ؛ فصَارَ النَّاسُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ثَلَاثَةَ أَحْزَابٍ: حِزْبٌ يُكَذِّبُونَ بِوُجُودِ هَؤُلَاءِ؛ وَلَكِنْ عَايَنَهُمْ النَّاسُ وَثَبَتَ ذَلِكَ عَمَّنْ عَايَنَهُمْ أَوْ حَدَّثَهُ الثقاةُ بِمَا رَأَوْهُ، وهَؤُلَاءِ إذَا رَأَوْهُمْ أَوْ تَيَقَّنُوا وُجُودَهُمْ خَضَعُوا لَهُمْ. وَحِزْبٌ عَرَفُوهُمْ وَرَجَعُوا إلَى الْقَدَرِ وَاعْتَقَدُوا أَنَّ ثَمَّ فِي الْبَاطِنِ طَرِيقًا إلَى اللَّهِ غَيْرَ طَرِيقَةِ الْأَنْبِيَاءِ. وَحِزْبٌ مَا أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا أَوْلِيَاءَ اللَّهِ خَارِجِينَ عَنْ دَائِرَةِ الرَّسُولِ فَقَالُوا: يَكُونُ الرَّسُولُ هُوَ مُمِدًّا لِلطَّائِفَتَيْنِ لِهَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، فَهَؤُلَاءِ مُعَظِّمُونَ لِلرَّسُولِ جَاهِلُونَ بِدِينِهِ وَشَرْعِهِ، وَاَلَّذِينَ قَبْلَهُمْ يُجَوِّزُونَ اتِّبَاعَ دِينٍ غَيْرِ دِينِهِ وَطَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِهِ.

– الشيخ: أعوذُ باللهِ، أعوذُ باللهِ من الكفرِ، يقول، أعدِ الجملةَ.
 
– القارئ: فَهَؤُلَاءِ مُعَظِّمُونَ لِلرَّسُولِ جَاهِلُونَ بِدِينِهِ وَشَرْعِهِ، وَاَلَّذِينَ قَبْلَهُمْ يُجَوِّزُونَ اتِّبَاعَ دِينٍ غَيْرِ دِينِهِ وَطَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِهِ.
– الشيخ: نسألُ اللهَ العافيةَ.
– القارئ: وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ بِدِمَشْقَ لَمَّا فُتِحَتْ عَكَّا، ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَتْبَاعِ الشَّيَاطِينِ، وَأَنَّ رِجَالَ الْغَيْبِ هُمْ الْجِنُّ، وَأَنَّ الَّذِينَ مَعَ الْكُفَّارِ شَيَاطِينُ، وَأَنَّ مَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْإِنْسِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِهِمْ شَيْطَانٌ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ أَعْدَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام:112]. وَكَانَ سَبَبُ الضَّلَالِ عَدَمَ الْفُرْقَانِ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ، وَأَصْلُهُ قَوْلُ الجهميةِ الَّذِينَ يُسَوُّونَ بَيْنَ الْمَخْلُوقَاتِ؛ فَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَحْبُوبِ وَالْمَسْخُوطِ، ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ جَرَتْ أُمُورٌ يَطُولُ وَصْفُهَا. وَلَمَّا جَاءَ قازانُ وَقَدْ أَسْلَمَ دِمَشْقَ انْكَشَفَتْ أُمُورٌ أُخْرَى؛ فَظَهَرَ أَنَّ اليونسية كَانُوا قَدْ ارْتَدُّوا وَصَارُوا كُفَّارًا مَعَ الْكُفَّارِ، وَحَضَرَ عِنْدِي بَعْضُ شُيُوخِهِمْ وَاعْتَرَفَ بِالرِّدَّةِ عَنْ الْإِسْلَامِ.
– الشيخ: أعوذُ باللهِ، نسألُ اللهَ العافيةَ.
– القارئ: وَحَدَّثَنِي بِفُصُولٍ كَثِيرَةٍ، فَقُلْت لَهُ لَمَّا ذَكَرَ لِي احْتِجَاجَهُمْ بِمَا جَاءَهُمْ مِنْ أَمْرِ الرَّسُولِ: فَهَبْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَأَهْلِ بَغْدَادَ كَانُوا قَدْ عَصَوْا، وَكَانَ فِي بَغْدَادَ بِضْعَةَ عَشَرَ بَغِيًّا؛ فَالْجَيْشُ الْكُفَّارُ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ جَاءُوا كَانُوا شَرًّا مِنْ هَؤُلَاءِ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كُنَّ يَزْنِينَ اخْتِيَارًا فَأَخَذَ أُولَئِكَ الْمُشْرِكُونَ عَشَرَاتِ الْأُلُوفِ مِنْ حَرَائِرِ الْمُسْلِمِينَ.
– الشيخ: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون، لا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله، أعوذُ باللهِ، نسألُ اللهَ العافيةَ، أعوذُ باللهِ، إي "فأخذوا".
 
– القارئ: فَأَخَذَ أُولَئِكَ الْمُشْرِكُونَ عَشَرَاتِ الْأُلُوفِ مِنْ حَرَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَسَرَارِيهِمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ، وَرَدُّوهُمْ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى الْكُفْرِ، وَأَظْهَرُوا الشِّرْكَ وَعِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَدِينَ النَّصَارَى وَتَعْظِيمَ الصَّلِيبِ؛ حَتَّى بَقِيَ الْمُسْلِمُونَ مَقْهُورِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ.
– الشيخ
: نسألُ اللهَ العافيةَ، يردُّ به على هؤلاءِ الظُّلامِ الجُّهَّالِ المُلحدونَ الذين يُؤيِّدونَ أو يُشاركونَ في قتالِ المسلمينَ مع جيوشِ الكفارِ، يقولونَ: المسلمونَ قد عصوا وفسدوا فاللهُ سلَّطَ عليهم، وهذا من تلبيسِ الشيطانِ عليهم، وهذا من تلبيسِ الشيطانِ عليهم، والشيخُ يُبيِّنُ أنَّه مهما بلغَ المسلمونَ في العصيانِ فهذا لا يُسوِّغُ لأحدٍ أن يُعيّنَ الكفارَ عليهم. نعم نقولُ أنَّه سُلِّطُوا عليهم بسببِ المعاصي نعم، أمَّا أن يُعينَهم، يقولُ: المسلمونَ عَصَوا، ويُعينُهم ويُقاتلُ مع المشركينَ، يقاتلُ المسلمينَ بحجّةِ أنّهم عَصَوْا؛ لا. والمفاسدُ المترتبةُ على غزوِ الكفارِ للمسلمينَ تَرْبو على المفاسدِ والمعاصي التي قد وقعَ بها المسلمونَ، بهذا التعبيرِ والتصويرِ الواضحِ، سبحانَ اللهِ العظيمِ، لو رجعت ترى، رجعت شوي.
 
– القارئ: وَحَضَرَ عِنْدِي بَعْضُ شُيُوخِهِمْ وَاعْتَرَفَ بِالرِّدَّةِ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَحَدَّثَنِي بِفُصُولٍ كَثِيرَةٍ، فَقُلْت لَهُ لَمَّا ذَكَرَ لِي احْتِجَاجَهُمْ بِمَا جَاءَهُمْ مِنْ أَمْرِ الرَّسُولِ: فَهَبْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَأَهْلِ بَغْدَادَ كَانُوا قَدْ عَصَوْا، وَكَانَ فِي بَغْدَادَ بِضْعَةَ عَشَرَ بَغِيًّا؛ فَالْجَيْشُ الْكُفَّارُ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ جَاءُوا كَانُوا شَرًّا مِنْ هَؤُلَاءِ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كُنَّ يَزْنِينَ اخْتِيَارًا، فَأَخَذَ أُولَئِكَ الْمُشْرِكُونَ عَشَرَاتِ الْأُلُوفِ مِنْ حَرَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَسَرَارِيهِمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ، وَرَدُّوهُمْ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى الْكُفْرِ، وَأَظْهَرُوا الشِّرْكَ وَعِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَدِينَ النَّصَارَى وَتَعْظِيمَ الصَّلِيبِ.
– الشيخ: اللهُ أكبرُ، أعوذُ باللهِ، لا إله إلا الله. مهما كان عليه المُسلمونَ من التفريطِ والمعاصي؛ فإنَّ هذا لا يُسوِّغُ أيضًا الفرحَ بتسليطِ الكفارِ عليهم، ولا بدَّ من التنبُّهِ إلى أنَّ المُسلِمَ الفاسقَ المُفرِّطَ المسرفَ على نفسِه خيرٌ من ذلك الكافرِ، وإنْ كان عنده أخلاقيات؛ لأنَّ بعضَ الجهلةِ يُفضِّلُ بعضَ الكفارِ، يقول: هذا عنده أخلاقٌ، وعنده حسنُ تعاملٍ، والمسلم. لا، المسلمُ خيرٌ منه مهما كان، مهما ساءتْ حالُه، معه أصلُ الدينِ، فله له قدرٌ من ولايةِ الدِّينِ، فلا يجوزُ تفضيلُ الكافرِ على المسلمِ بسببِ أشياءَ يعني من الأخلاقِ، فعند المسلمِ ما هو خيرٌ منه، عندَه أصلُ الإيمانِ باللهِ ورسولِه واليومِ الآخرِ.
 
– القارئ: وَأَظْهَرُوا الشِّرْكَ وَعِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَدِينَ النَّصَارَى وَتَعْظِيمَ الصَّلِيبِ؛ حَتَّى بَقِيَ الْمُسْلِمُونَ مَقْهُورِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، مَعَ تَضَاعِيفِ مَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ الْمَعَاصِي، فَهَلْ يَأمُرُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا وَيَرْضَى بِهَذَا؟! فَتَبَيَّنَ لَهُ وَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ، وَأَخْبَرَنِي عَنْ رِدَّةِ مَنْ ارْتَدَّ مِنْ الشُّيُوخِ عَنْ الْإِسْلَامِ لَمَّا كَانَتْ شَيَاطِينُ الْمُشْرِكِينَ تُكْرِهُهُمْ عَلَى الرِّدَّةِ فِي الْبَاطِنِ، وَتُعَذِّبُهُمْ إنْ لَمْ يَرْتَدُّوا، فَقُلْت
– الشيخ: أعد … سطر
– القارئ: فَتَبَيَّنَ لَهُ وَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ، وَأَخْبَرَنِي عَنْ رِدَّةِ مَنْ ارْتَدَّ مِنْ الشُّيُوخِ عَنْ الْإِسْلَامِ.
– الشيخ: أعوذُ باللهِ.
– القارئ: لَمَّا كَانَتْ شَيَاطِينُ الْمُشْرِكِينَ تُكْرِهُهُمْ عَلَى الرِّدَّةِ فِي الْبَاطِنِ، وَتُعَذِّبُهُمْ إنْ لَمْ يَرْتَدُّوا. فَقُلْت: كَانَ هَذَا لِضَعْفِ إيمَانِهِمْ وَتَوْحِيدِهِمْ وَالْمَادَّةِ الَّتِي يَشْهَدُونَهَا مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ، وَإِلَّا فَالشَّيَاطِينُ لَا سُلْطَانَ لَهُمْ عَلَى قُلُوبِ الْمُوَحِّدِينَ، وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ شَيَاطِينُ؛ بَلْ أَنَّهُمْ رِجَالٌ مِنْ رِجَالِ الْغَيْبِ الْإِنْسِ وَكَّلَهُمْ اللَّهُ بِتَصْرِيفِ الْأَمْرِ، فَبَيَّنْتُ لَهُمْ أَنَّ رِجَالَ الْغَيْبِ هُمْ الْجِنُّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6]، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ إنْسٌ فَمِنْ جَهْلِهِ وَغَلَطِهِ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَ يُؤْنَسُونَ؛ أَيْ: يُشَاهَدَونَ وَيُرَوْنَ؛ إنَّمَا يَحْتَجِبُ الْإِنْسِيُّ أَحْيَانًا لَا يَكُونُ دَائِمًا مُحْتَجِبًا عَنْ أَبْصَارِ الْإِنْسِ؛ بِخِلَافِ الْجِنِّ فَإِنَّهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ: إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27].
وَكَانَ غَيْرَ هَذَا مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ يَذْكُرُ عَنْ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ الزّكِّيِّ أَنَّ "هُولَاكُو" مَلِكَ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ رَأَى ابْنَ الزُّكِّيِّ -شَيْخًا مَحْلُوقَ الرَّاسِ عَلَى صورَةِ شَيْخٍ مِنْ مَشَايِخِ الدِّينِ وَالطَّرِيقِ- آخِذًا بِفَرَسِ هُولَاكُو، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْته أَنْكَرْت هَذَا، وَاسْتَعْظَمْت أَنْ يَكُونَ شَيْخٌ مِنْ شُيُوخِ الْمُسْلِمِينَ يَقُودُ فَرَسَ مَلِكِ الْمُشْرِكِينَ لِقَتْلِ الْمُسْلِمِينَ، فَقُلْت: يَا هَذَا أَوْ كَلِمَةً نَحْوَ هَذَا، فَقَالَ: تَأمُرُ بِأَمْرِ، أَوْ قَالَ لَهُ: هَلْ يَفْعَلُ هَذَا بِأَمْرِ أَوْ فَعَلْتَ هَذَا بِأَمْرِ؟ فَقُلْت: نَعَمْ بِأَمْرِ، فَسَكَتَ ابْنُ الزُّكِّيِّ وَأَقْنَعَهُ هَذَا الْجَوَابُ. وَكَانَ هَذَا لِقِلَّةِ عِلْمِهِ بِالْفُرْقَانِ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ، وَظَنَّ أَنَّ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الشُّيُوخُ فِي قُلُوبِهِمْ هُوَ مِنْ اللَّهِ، وَأَنَّ مَنْ قَالَ: حَدَّثَنِي قَلْبِي عَنْ رَبِّي؛ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ يُنَاجِيهِ، وَمَنْ قَالَ: أَخَذْتُمْ عِلْمَكُمْ مَيِّتًا عَنْ مَيِّتٍ، وَأَخَذْنَا عِلْمَنَا عَنْ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ؛ هُوَ كَذَلِكَ، وَهَذَا أَضَلُّ مِمَّنْ ادَّعَى الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى وَاسِطَتِهِمْ.
وَجَوَابُ هَذَا أَنْ يُقَالَ لَهُ: بِأَمْرِ مَنْ تَأمُرُ؟ فَإِنْ قَالَ: بِأَمْرِ اللَّهِ، قِيلَ: بِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ الْقُرْآنَ؟ أَمْ بِأَمْرٍ وَقَعَ فِي قَلْبِك؟ فَإِنْ قَالَ: بِالْأَوَّلِ؛ ظَهَرَ كَذِبُهُ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيمَا يَأمُرُ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ أَنْ يَأتِيَ بِالْكُفَّارِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ لِقَتْلِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبْيِهِمْ وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ لِأَجْلِ ذُنُوبٍ فَعَلُوهَا، وَيَجْعَلَ الدَّارَ تُعْبَدُ بِهَا الْأَوْثَانُ، وَيُضْرَبُ فِيهَا بِالنَّوَاقِيسِ، وَيُقْتَلُ قُرَّاءُ الْقُرْآنِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالشَّرْعِ، وَيُعَظِّمُ النَّجَسيّةَ عُلَمَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَقَسَاوِسَةِ

– الشيخ: أيش؟ وَيُعَظِّمُ أيش؟
– القارئ: النَّجَسيَّةَ
– الشيخ:
ما قال عليها شيء؟
القارئ: يقول يا شيخ: أيْ من المشركينَ الذين قال اللهُ فيهم: إنَّما المُشرِكونَ نَجَسٌ [التوبة:28]، سواءٌ من أهلِ الأوثانِ، أو أهلِ الكتابِ الذين أشركوا باللهِ ما لم يُنزِّلْ به سلطانًا، وهذه النَّجاسةُ دينيَّةٌ؛ لفسادِ عقائدِهم، وربما تكونُ دنيويَّةً كذلك؛ لأنهم لا يتطهَّرُونَ ولا يغتسلونَ ولا يجتنبونَ النجاسات، فهي مُلابِسةٌ لهم. أمَّا نجاستُهم البدنيَّةُ فقد حُكي عن ابنِ عباسٍ والحسنِ البصري به، وهو مذهبُ الظاهريَّةِ؛ بخلافِ الجمهورِ الذين يرون أنَّ نجاستهم في عقائدِهم؛ لأنَّ اللهَ أباحَ أطعمتَهم ومُناكحةَ أهلِ الكتاب منهم، واللهُ أعلمُ.
قال رحمهُ اللهُ: فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَعْظَمُ عَدَاوَةً لِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ مِنْ جِنْسِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَأُولَئِكَ عُصَاةٌ مِنْ عُصَاةِ أُمَّتِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُنَافِقُونَ كَثِيرُونَ؛ فَالْمُنَافِقُونَ يُبْطِنُونَ نِفَاقَهُمْ.
وإِنْ قَالَ: بِأَمْرِ وَقَعَ فِي قَلْبِي لَمْ يَكْذِبْ؛ لَكِنْ يُقَالُ: مِنْ أَيْنَ لَك أَنَّ هَذَا رَحْمَانِيٌّ؟ وَلِمَ لَا يَكُونُ الشَّيْطَانُ هُوَ الَّذِي أَمَرَك بِهَذَا؟ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ؛ فَإِنْ رَجَعَ إلَى تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَأَنَّ الْجَمِيعَ بِمَشِيئَتِهِ، قِيلَ لَهُ: فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَا يَفْعَلُهُ الشَّيْطَانُ وَالْمُشْرِكُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ هُوَ بِالْأَمْرِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ بِالْأَمْرِ الْكَوْنِيِّ الْقَدَرِيِّ، فَجَمِيعُ الْخَلْقِ دَاخِلُونَ تَحْتَهُ؛ لَكِنْ مَنْ فَعَلَ بِمُجَرَّدِ هَذَا الْأَمْرِ لَا بِأَمْرِ الرَّسُولِ؛ فَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَهُوَ مُسْتَوْجِبٌ لِعَذَابِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهُوَ عَابِدٌ لِغَيْرِ اللَّهِ مُتَّبِعٌ لِهَوَاهُ، وَهُوَ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ فِيهِ: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:85]، وَمِمَّنْ قَالَ فِيهِمْ الشَّيْطَانُ قالَ: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82]. قَالَ اللَّهُ: إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر:42].
وَقَالَ سبحانه: إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النحل:99-100].
وَقَالَ سبحانه: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللَّهَ لَا يَأمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف:28].
فَكَيْفَ تَأمُرُ بِالشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَتُسَلِّطُ الْكُفَّارَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؟ وَقَتْلُ الْكُفَّارِ لِلْمُسْلِمِينَ هَذَا لَا يَأمُرُ اللَّهُ بِهِ، كَمَا لَا يَأمُرُ بِالْفَحْشَاءِ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَفْحَشِ الْفَوَاحِشِ إذَا جُعِلَتْ الْفَاحِشَةُ اسْمًا لِكُلِّ مَا يَعْظُمُ قُبْحُهُ، فَكَانَتْ جَمِيعُ الْقَبَائِحِ السَّيِّئَةِ دَاخِلَةً فِي الْفَحْشَاءِ.
وَكَانَ أَيْضًا بِالشَّامِ بَعْضُ أَكَابِرِ الشُّيُوخِ بِبَعْلَبَكَّ -الشَّيْخُ عُثْمَانُ شَيْخُ دِيْرِ نَاعِسٍ- يَأتِيهِ خَفِيرُ الفرنج النَّصَارَى رَاكِبًا أَسَدًا وَيَخْلُو بِهِ وَيُنَاجِيهِ وَيَقُولُ: يَا شَيْخُ عُثْمَانُ وُكِّلْت بِحِفْظِ خَنَازِيرِهِمْ، فَيَعْذُرُهُ عُثْمَانُ وَأَتْبَاعُهُ فِي ذَلِكَ، وَيَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ بِهَذَا كَمَا أَمَرَ الْخِضْرَ أَنْ يَفْعَلَ مَا فَعَلَ، كَمَا عَذَرَ ابْنَ الزَّكِّيِّ وَأَمْثَالُهُ خُفَرَاءَ الْمُشْرِكِينَ التَّتَارِ.
وَالْجَوَابُ لِهَذَا كَالْجَوَابِ لِذَلِكَ، يُقَالُ لَهُ: وَكَّلَك اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الدِّينَ، أَمَرَ أَنْ يُوَالِيَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ لَا يَتَّخِذَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ؛ بَلْ أَمَرَك أَنْ تُبْغِضَهُمْ وَتُجَاهِدَهُمْ بِمَا اسْتَطَعْت هُوَ أَمَرَك أَنْ تَتَوَكَّلَ بِحِفْظِ خَنَازِيرِهِمْ؟ فَإِنْ قَالَ هَذَا ظَهَرَ كَذِبُهُ، وَإِنْ قَالَ: بَلْ هُوَ أَمْرٌ أُلْقِيَ فِي قَلْبِي لَمْ يَكْذِبْ، وَقِيلَ لَهُ: فَهَذَا مِنْ أَمْرِ الشَّيْطَانِ لَا مِنْ أَمْرِ الرَّحْمَنِ الَّذِي أَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ وَأَرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ؛ وَلَكِنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي كَوَّنَهُ وَقَدَّرَهُ كَشِرْكِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا.
وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَظُنُّ الرِّجَالَ الَّذِينَ يُؤَيِّدُ بِهِمْ الْكُفَّارُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ هُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ اتِّبَاعُ الرَّسُولِ؛ كَالْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلَةِ بِبَنِي آدَمَ الْمُعَقِّبَاتِ. فَقُلْت لِشَيْخِ كَانَ مِنْ شُيُوخِهِمْ: مُحَمَّدٌ أُرْسِلَ إلَى الثَّقَلَيْنِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَلَمْ يُرْسَلْ إلَى الْمَلَائِكَةِ، فَكُلُّ إنْسِيٍّ أَوْ جِنِّيٍّ خَرَجَ عَنْ الْإِيمَانِ بِهِ فَهُوَ عَدُوٌّ لِلَّهِ لَا وَلِيٌّ لِلَّهِ؛ بِخِلَافِ الْمَلَائِكَةِ.
ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: الْمَلَائِكَةُ لَا يُعَاوِنُونَ الْكُفَّارَ عَلَى الْمَعَاصِي وَلَا عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ وَإِنَّمَا يُعَاوِنُهُمْ عَلَى ذَلِكَ الشَّيَاطِينُ؛ وَلَكِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ تَكُونُ مُوَكَّلَةً بِخَلْقِهِمْ وَرِزْقِهِمْ وَكِتَابَةِ أَعْمَالِهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةِ، فَهَذَا الْجَوَابُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُمْ مِنْ جِنْسِ الشَّيَاطِينِ لَا مِنْ جِنْسِ الْمَلَائِكَةِ، وَكَانَ هَذَا الشَّيْخُ هُوَ وَأَبُوهُ مِنْ خُفَرَاءِ الْكُفَّارِ، وَكَانَ وَالِدُهُ يُقَالُ لَهُ: "مُحَمَّدٌ الْخَالِدِيُّ" نِسْبَةً إلَى شَيْطَانٍ كَانَ يُقَرِّبُهُ يُقَالُ لَهُ: الشَّيْخُ خَالِدٌ، وَهُمْ يَقُولُونَ إنَّهُ مِنْ الْإِنْسِ مِنْ رِجَالِ الْغَيْبِ.
وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْأَنْبِيَاءُ ضيَّقوا الطَّرِيقَ. وَلَعَمْرِي لَقَدْ ضيَّقوا طَرِيقَ الشَّيَاطِينِ: شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَهَؤُلَاءِ الْمَشَايِخُ الَّذِينَ يُحِبُّونَ الْمُسْلِمِينَ

– الشيخ: ؟
– القارئ: في نسخة يا شيخ عند أخونا يقول: "ضيَّعوا".
– الشيخ: أيش؟
– القارئ: قلت يا شيخ: في الكتاب: "وَلَعَمْرِي لَقَدْ ضيَّقوا".
– الشيخ
: إي.
– القارئ: وفي نسخةٍ يا شيخ عندَ أحدِ المشايخِ هنا يقولُ: "ضيَّعوا".
– طالب: وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْأَنْبِيَاءُ ضيَّعوا الطَّرِيقَ وَلَعَمْرِي لَقَدْ ضيَّعوا طَرِيقَ الشَّيَاطِينِ.
عند الشيخ عبد الرحمن: ضيَّقوا.
– الشيخ: لا لا ضيَّقوا، هم يقولون ضيَّقوا، ضيَّقوا.
– القارئ: وَلَعَمْرِي لَقَدْ ضيَّقوا طَرِيقَ الشَّيَاطِينِ: شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَهَؤُلَاءِ الْمَشَايِخُ الَّذِينَ يُحِبُّونَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنْ يُوَالُونَ الشُّيُوخَ الَّذِينَ يُوَالُونَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ هُمْ خُفَرَاءُ الْكُفَّارِ، وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ اشْتَرَكُوا هُمْ وَهُمْ فِي أَصْلِ ضَلَالَةٍ؛ وَهُوَ: أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْخَوَارِقَ الشَّيْطَانِيَّةَ مِنْ جِنْسِ الْكَرَامَاتِ الرَّحْمَانِيَّةِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ.
فَهَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ عَشَوْا عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ الَّذِي أَنْزَلَهُ؛ وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَعَنْ الرُّوحِ الَّذِي أَوْحَاهُ اللَّهُ إلَى نَبِيِّهِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ نُورًا يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَمُعْجِزَاتِهِمْ وَبَيْنَ خَوَارِقِ السَّحَرَةِ وَالْكُهَّانِ؛ إذْ هَذَا "مَذْهَبُ الجهمية الْمُجْبِرَةِ". وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يَشْتَرِكُونَ فِي هَذَا الْمَذْهَبِ؛ فَلَا يَجْعَلُونَ اللَّهَ يُحِبُّ مَا أَمَرَ بِهِ وَيُبْغِضُ مَا نَهَى عَنْهُ؛ بَلْ يَجْعَلُونَ كُلَّ مَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، فَبَقِيَ جَمِيعُ الْأُمُورِ عِنْدَهُمْ سَوَاءً، وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ بِنَوْعٍ مِنْ الْخَوَارِقِ؛ فَمَنْ كَانَ لَهُ خَارِقٌ جَعَلُوهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَخَضَعُوا لَهُ؛ إمَّا اتِّبَاعًا لَهُ، وَإِمَّا مُوَافَقَةً لَهُ وَمَحَبَّةً، وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمُوا لَهُ حَالَهُ؛ فَلَا يُحِبُّوهُ وَلَا يُبْغِضُوهُ؛ إذْ كَانَتْ قُلُوبُهُمْ لَمْ يَبْقَ فِيهَا مِنْ الْإِيمَانِ مَا يَعْرِفُونَ بِهِ الْمَعْرُوفَ وَيُنْكِرُونَ بِهِ الْمُنْكَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

– الشيخ: بس [فقط] قف على هذا.. سبحانَ اللهِ، رحمهُ اللهُ، صفحة كم وصلَّتَ؟
– القارئ: ستمائة وثلاث وعشرين.
– الشيخ: إش [كم] باقي لك؟
– القارئ: بقي يا شيخ تقريبًا عشرين.
– الشيخ: عشرين صفحة؟
– القارئ: إي
– الشيخ: قف على هذا يا أخي.
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :