الحمدُ لله، وصلَّى الله وسلَّم على نبيّنا محمَّد، أمَّا بعد :
فقد عُرض عليَّ هذا السؤال مِن قبلُ، وكنتُ توقَّفتُ في حكم التَّعامل بالعملة الرقميَّة؛ لِمَا يُذكرُ مِن مفاسد التَّعامل بهذه العملة؛ مِن الغَرر والجهالة، ولكنِّي الآن أقولُ بالجواز؛ فإنَّ هذه المفاسد ليست مِن لوازم التَّعامل بهذه العملة، بمعنى أنَّ هذه المفاسد موجودة في جميع صور المعاملات بهذه العملة، وليس الأمر كذلك، وحينئذ فالحكمُ يدورُ مع علَّته، فمَا كان مِن صور المعاملات مشتملًا على المفاسد الشَّرعيَّة: فلا يخفى حكمُه؛ وهو التَّحريم، وما لا: فلا، كما هو الشَّأن في التَّعامل بسائر العُملات.
وممَّا يُرجِّح القول بالجواز -عندي- أنَّ هذه العملة ما دام لها غطاء عند مَن أصدرها فهي مقبولة؛ لأنَّها حينئذٍ تشبه الشّيكات المصدرة بمبالغ مجزَّأة على رصيد في حساب معروف، يستحقُ ما في الشيك كلُّ مَن يحمله، فهذه الشّيكات حينئذٍ تشبه العملة المعتمدة، لكن الشيكات لا خطر مِن ضياعها؛ لأنَّها لا تُصرَف إلَّا لِمَن جُعِلَ له الأمرُ بطلب ما فيها، فالعملة الرَّقميَّة تشبه الشيكات مِن وجه، وتشبه النَّقد المعتمد مِن وجه.
وكما ذكرَ الخبراءُ أنَّ هذه العملة الرَّقميَّة إذا حصلَ التَّوسع في إصدارها، فلابدَّ أن تضطرَّ الدُّولُ إلى اعتبارها واعتمادها، ولست أدري: هل كلُّ مَن أصدرَ شيئًا مِن هذا النَّوع يكون اسمه على وحدات ما أصدره مِن هذه العُملة؟ وبدهي أنَّه لابدَّ أن يكون المصدرُ معروفًا؛ لأنَّ الثقة بها بحسب الثقة بمصدرها، كما هو الشَّأن في سائر العُملات، وعليه فتجري فيها الأحكام التي تجري في العملات الجارية، كالنقود الورقيَّة؛ فيحرمُ فيها الرّبا، وتُقطعُ فيها يدُ السَّارق، ويصير بها مالكها غنيًّا، وتورَث عنه، وتجبُ فيها الزَّكاة. وإن كانت تختلفُ في ماهيتها وطريقة التَّعامل بها عن العُملات التَّقليديَّة، والله أعلم.
أملاه:
عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك
في 15 شعبان 1441هـ