الرئيسية/فتاوى/جاء في تفسير مختصر مشهور أن من كمال الإيمان إخلاص العبادة وطلب العون من الله وحده فهل هذه من كمال الإيمان؟
share

جاء في تفسير مختصر مشهور أن من كمال الإيمان إخلاص العبادة وطلب العون من الله وحده فهل هذه من كمال الإيمان؟

السؤال :

شيخنا المبجَّل عبد الرَّحمن بن ناصر البَرَّاك؛ وفَّقه الله:

 وقفتُ على كتاب واسع الانتشار، وهو مِن كتب التَّفاسير المختصرة التي أُعدت لتُترجم إلى لغات العالم، وهو لجماعة مِن أهل الاختصاص في علوم التَّفسير؛ فوجدتُ فيه أمرًا استشكلته جدًا، وهو قولهم -وفَّقهم الله- في تفسير قولِهِ تعالى: إيَّاكَ نعبدُ وإيَّاكَ نستعينُ [الفاتحة: 5]؛ قالوا: «دلَّتِ السُّورةُ على أنَّ كمالَ الإيمانِ يكونُ بإخلاصِ العبادةِ للهِ تعالى، وطلَبِ العونِ منه وحدَهُ دُونَ سواهُ». اهـ.

فهل صرفُ العبادةِ والاستعانةِ للهِ يُعَدُّ مِن كمالِ الإيمان؟ مما يعني أنَّ صرفَ بعضِها لغيرِ اللهِ يكونُ نقصًا في إيمانِ صاحبِه، لا نقضًا له؛ أليستِ العبادةُ والاستعانةُ المشارُ إليهما في الآية: تُعَدَّانِ مِن أصولِ الإيمانِ التي لا يجوزُ صَرْفُها أو صرفُ بعضِها لغيرِ اللهِ تعالى؟! أو أنَّ المؤلفين تسامحوا في العبارة؟

الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على مَن لا نبي بعده، أمَّا بعد :

فإنَّ المفسِّر -صاحب هذه العبارة- لم يقل: إنَّ العبادة والاستعانة مِن كمال الإيمان، بل قالَ: إنَّ الجمعَ بينهما هو كمالُ الإيمان، وهذا تعبيرٌ صحيح؛ فلا يكملُ الدِّينُ بالعبادة دون الاستعانة، ولا بالاستعانة دون العبادة، بل لابدَّ مِن الجمع بينهما، وقد انقسمَ النَّاسُ في هذين الأصلين إلى أربع طوائف، ذكرها شيخُ الإسلام ابن تيميَّة في مواضع مِن مصنَّفاته.

وأسعدُ هذه الطَّوائف بالحقّ مَن جمعَ بين الأصلين عبادةً واستعانةً؛ فلا يعبدون غيره تعالى، ولا يستعينون بسواه؛ فهُم له وبه؛ فعبارةُ المفسِّر لا تقتضي أنَّ العبادة مِن كمال الإيمان، أو أنَّ الاستعانة مِن كمال الإيمان بالمعنى الذي يتبادر لأكثر النَّاس، وهو أنَّ الإيمان يصحُّ بلا عبادة، أو بلا استعانة، عبارة المفسِّر لا تحتمل هذا المعنى، بل مقصودُه أنَّ الجمعَ بينهما كمالُ الإيمان والدِّين، ومعناهما تحقيقُ توحيد الربوبيَّة وتوحيد العبادة؛ فهما أصلُ الدِّين، وركنُه الأعظم، وكلُّ حقيقة فكمالُها بقيام أركانها.

وبعد؛ فلا ينبغي التَّشويشُ بإثارة هذه الإشكالات حولَ لفظٍ محتملٍ، غايةُ الأمر أنَّ مَن لم يدقق في مدلولِ هذه العبارة قد يتوهَّمُ منها ما ذكرَهُ المعترضُ، وهو قصورٌ في فَهمِ مدلول اللفظ. وحقيقةُ هذه العبارة أنَّ باجتماع هذين الركنين يكونُ كمالُ الدِّين والإيمان، وبدونهما لا دين ولا إيمان، والله أعلم.

أملاه :

عبدُ الرَّحمن بن ناصر البرَّاك

حرر في 4 شوال 1441هـ