الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على محمَّد، أما بعد:
فصوابُ العبارة: “بالقوة إلى الفعل”، [1] وهذه العبارةُ معروفة عند العلماء، وجاءت كثيرًا في كلام ابن كثير وغيره مِن المفسِّرين، فقوله: “أخرجَ ما كانَ فيها بالقوَّة إلى الفعلِ”، يريدُ أنَّ الأرضَ كانت مُهيَّأة لإخراج مائها ومرعاها، وذلك قبل خلق السَّماوات، ويؤيّده قولُه تعالى في سورة فصلت: وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِين [فصلت:10]، وبعد خلق السَّموات دحا الله الأرضَ، وفسَّر ذلك بقوله: أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا [النازعات:31]، فأنبتَ النَّبات، وفجَّر العيونَ ظاهرة مُشاهدة، بعد أن كانَ ذلك مقدَّرًا فيها.
ومِن جنس عبارة ابن كثير قولُ ابن القيم في مدارج السَّالكين: “وحقيقةُ الأدبِ استعمالُ الخلقِ الجميلِ، ولهذا كانَ الأدبُ: استخراجَ ما في الطَّبيعة مِن الكمالِ مِن القوة إلى الفعل” اهـ. [2]
ونزيدُ ذلك فنقول: إنَّ كلَّ ما هو مهيَّأ لشيء ومُستعد له إذا تحقَّق فيه ذلك قيل: إنَّه خرجَ مِن القوة إلى الفعل، فالإنسانُ عند خلقِ الله له كان مُهيَّأً للابتلاء، فإذا جرى عليه ذلك -أي الابتلاء- قيلَ: انتقلَ مِن القوة إلى الفعل، كقوله تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيه [الإنسان: 2]، قالَ أهلُ اللغة: “نبتليه” حال مقدَّرة، [3] فالإنسانُ مهيَّأ للابتلاء، فإذا تحقَّق فيه ذلك في الخارج كانَ مبتلى بالفعل بعد أن كانَ مُهَيَّأ له، وشواهدُ ذلك كثيرة، والله أعلم.
أملاه:
عبدالرَّحمن بن ناصر البراك
حرر في 19 شوال 1441هـ