الرئيسية/فتاوى/معنى قول ابن كثير عن الأرض أخرج ما كان فيها بالقوة إلى الفعل
share

معنى قول ابن كثير عن الأرض أخرج ما كان فيها بالقوة إلى الفعل

السؤال :

فضيلة الشيخ: في تفسير ابن كثير لسورة النَّازعات لقوله تعالى: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا [النازعات:30]، قال: “بمعنى أنَّه أخرجَ ما كانَ فيها بالقوة إلى الفعل” .. أشكلَ عليّ هذا الكلامُ، وزادَ الإشكال أنَّ في بعض الطَّبعات: “بالقول إلى الفعل”، فما معنى هذه الجملة حفظكم الله؟

الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على محمَّد، أما بعد:

فصوابُ العبارة: “بالقوة إلى الفعل”، [1] وهذه العبارةُ معروفة عند العلماء، وجاءت كثيرًا في كلام ابن كثير وغيره مِن المفسِّرين، فقوله: “أخرجَ ما كانَ فيها بالقوَّة إلى الفعلِ”، يريدُ أنَّ الأرضَ كانت مُهيَّأة لإخراج مائها ومرعاها، وذلك قبل خلق السَّماوات، ويؤيّده قولُه تعالى في سورة فصلت: وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِين [فصلت:10]، وبعد خلق السَّموات دحا الله الأرضَ، وفسَّر ذلك بقوله: أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا [النازعات:31]، فأنبتَ النَّبات، وفجَّر العيونَ ظاهرة مُشاهدة، بعد أن كانَ ذلك مقدَّرًا فيها.

ومِن جنس عبارة ابن كثير قولُ ابن القيم في مدارج السَّالكين: “وحقيقةُ الأدبِ استعمالُ الخلقِ الجميلِ، ولهذا كانَ الأدبُ: استخراجَ ما في الطَّبيعة مِن الكمالِ مِن القوة إلى الفعل” اهـ. [2]

ونزيدُ ذلك فنقول: إنَّ كلَّ ما هو مهيَّأ لشيء ومُستعد له إذا تحقَّق فيه ذلك قيل: إنَّه خرجَ مِن القوة إلى الفعل، فالإنسانُ عند خلقِ الله له كان مُهيَّأً للابتلاء، فإذا جرى عليه ذلك -أي الابتلاء- قيلَ: انتقلَ مِن القوة إلى الفعل، كقوله تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيه [الإنسان: 2]، قالَ أهلُ اللغة: “نبتليه” حال مقدَّرة، [3] فالإنسانُ مهيَّأ للابتلاء، فإذا تحقَّق فيه ذلك في الخارج كانَ مبتلى بالفعل بعد أن كانَ مُهَيَّأ له، وشواهدُ ذلك كثيرة، والله أعلم.

أملاه:

عبدالرَّحمن بن ناصر البراك

حرر في 19 شوال 1441هـ

 


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 – وهو المثبت في تفسير ابن كثير ط طيبة (8/316)، وط قرطبة وأولاد الشيخ (14/243)
2 – مدارج السالكين ط المجمع (3/149)
3 -ينظر: الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد (6/288)، والبحر المحيط في التفسير (10/359)، والتحرير والتنوير (29/374)