الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(53) القاعدة الثّالثة والخمسون: قوله “من قواعد القرآن أنه يبين أن الأجر والثواب”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(53) القاعدة الثّالثة والخمسون: قوله “من قواعد القرآن أنه يبين أن الأجر والثواب”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الثّالث والخمسون

***     ***     ***     ***

 
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهمَّ اغفر لشيخنا وللحاضرين والمُستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي رحمهُ الله تعالى، وأسكنهُ فسيحَ جنانهِ، في رسالتهِ "أصولٌ وقواعدُ في تَفْسيرِ القرآن":
القاعدة الثالثة والخمسون: مِن قواعدِ القرآن: أنّهُ يُبيِّنُ الأجرَ والثّوابَ على قَدْرِ المَشقَّةِ في طريقِ العبادة، ويُبيِّنُ مع ذلكَ أنَّ تَسْهيلَهُ لطريقِ العِبادة مِن مِنَنِهِ وإحسانهِ، وأنّها لا تُنقِصُ الأجرَ شيئاً..

– الشيخ: لا إله إلّا الله، الله أكبر، هذا أمرٌ ظاهرٌ مِنَ النّصوصِ أنّ الله يُيَسِّر، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ [القمر:17]، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]، مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]
فهذا مِن لُطْفهِ تَعالى أنْ يَسَّرَ لعبادهِ طُرق الخيرات، فإذا طَبَّقت هذا في العبادات، في الصّلاة تَجِد أنَّ الله يسَّرَ، فَرْضَها خَمْساً ولمْ تَكُن خَمسين، وأباحَ القَصر في السّفر؛ لأنَّ السّفرَ مَظنَّةُ المَشقَّة، أباحَ القَصر والجمع كذلك، وفرَضَ فيها القيامَ وأباحَ القعود؛ (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) كلُّ هذا مِنَ التَّيسيرِ ورَفعِ المَشقَّة.
أُخِذَ مِن هذا قاعدة فِقْهيةٌ، وهي "أنَّ المَشقَّةَ تَجْلِبُ التَّيسير"، والله تَعالى قد وعدَ عِباده على أعمالهم الصّالِحة الأجرَ العظيم، معَ ما فيها مِنَ التَّيسيرِ والتَّخفيف.
فالله يُضاعِفُ لهم الأجور، ومَن حَصلت لهُ مَشقَّةٌ في بَعضِ الأحوالِ، كانَ ذلكَ سَبَباً في مَزيدِ الثّواب، فالمشقَّةُ تَجْلبُ التَّيسير ويَعْظُمُ مَعها الثّواب.

– القارئ: أحسن الله إليك، وهذه القاعدةُ تُبيِّنُ مِن لُطْفِ الله وإحسانهِ بالعِباد، وحِكْمَتهِ الواسِعة ما هو أثرٌ عَظيمٌ مِن آثارِ تَعْريفاتهِ ونَفْحةٌ عَظيمةٌ مِن نَفَحاتهِ، وأنّهُ أرحمُ الرّاحمين..
– الشيخ: ا
للهمَّ ارْحَمنا برحمتك
– القارئ: قالَ تَعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:216]
– الشيخ:
الله أكبر
– القارئ: فبيَّنَ تَعالى أنَّ هذه العِبادة العَظيمة لِعِظَمِ مَصْلَحَتِها وكَثْرَة فَوائِدها العامّة والخاصة، أنّهُ فَرَضها على العبادِ..
– الشيخ:
القتال والجهاد، جِهاد أعداءِ الله فيهِ العِزُّ، وفيهِ إعلاءُ كَلِمة الله، ونَشْرِ الإسلام وإذلالِ الكُفرِ وأهلهِ، جهادٌ في سبيلِ الله ذُرْوةُ سَنامِ الإسلام، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ [البقرة:216] صحيح مَكْروه، تَكْرههُ النّفوس، لكنْ فيهِ الخيرُ وبِتَرْكه الشرُّ والذِّلَّةُ وتَسلُّطُ العدو، إنّما يَطْمعُ العدو بالمسلمين إذا عطَّلُوا الجهاد، كما يَشْهدُ بهِ الواقِع، الواقِع شاهدٌ بهذا، نسألُ الله العافية.
المُسلمون الآن يَعيشونَ وَضْعاً عَصيباً، وَضْعاً عَصيباً شديداً بِسببِ التفرُّق، تَفَرّقهم وتَفْريطهم في دينِ الله تَفْريطِهم في جَنْبِ الله، وتَضْييعِهم لِكثير، وهذه حالُ كثيرٍ مِنَ المسلمين، وفي المُسلمينَ خَيرٌ لكنْ في جُملَتِهم تَقْصيرٌ عَظيم، ومِن أجلِ ذلكَ ضَعُفوا وذُلّوا وطَمعَ فيهم الأعداء.
ومِنَ المصائبِ التّبعيَّة، تَبعيَّة كَثير مِنَ المسلمين للكفّار، تَبعيَّتُهم في عَوائِدهم وكذلكَ طاعَتُهم، والله قدْ حذَّرَ مِن طاعةِ الكافِرين؛ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ [آل عمران:149]، وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [الأحزاب:1]

– القارئ: أنّهُ فرَضَها على العبادِ، وإنْ شَقَّت عَليهم وكَرِهَتْها نُفوسُهم، لِما فيها مِنَ التعرُّضِ للأخطارِ وتَلفِ النّفوسِ والأموال، ولكنْ هذه المَشقَّات بالنسبة إلى ما تُفْضي إليهِ مِنَ الكَراماتِ ليستْ بشيء، بلْ هو خيرٌ مَحضٌ وإحسانٌ صَرفٌ مِنَ الله على عبادهِ، حيثُ قيَّضَ لهم هذه العباداتِ التي تُوصِلُهم..
– الشيخ:
قيَّضَ لهم، كذا؟
– القارئ: نعم، أحسن الله إليك
حيثُ قيَّضَ لهم هذه العباداتِ التي تُوصِلُهم إلى مَنازلَ لوْلَاها لمْ يَكونوا واصِليها، وقالَ تَعالى: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ [النساء:104]، وقالَ تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ [البقرة:155] إلى قوله: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ [البقرة:155-156]
– الشيخ: إ
يش يقول إيش؟ وَلَنَبْلُوَنَّكُم
القارئ: أحسن الله إليك، وقالَ تَعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ إلى قوله..
– الشيخ:
لا ما في إلى قوله، اتركها
– القارئ: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ
– الشيخ:
لأن ما في فاصِلة، مُتَّصلة أصلاً، "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" مُتَّصلة
– القارئ: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:155-156]، وقالَ تَعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]
فَكُلَّما عَظُمَتْ مَشقَّةُ الصبرِ في فِعلِ الطّاعات، وفي تَركِ المُحرَّمات لقوَّة الدّاعي إليها، وفي الصبرِ على المُصيبات، كانَ الأجرُ أعظم والثّوابُ أكثر، وقالَ تَعالى في بيانِ لُطْفهِ في تَسْهيلِ العبادةِ الشَّاقَّة: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب [الأنفال:11]، فَذكرَ مِنَّتهُ على المؤمنينَ بِتَيسيرهِ وتَقْديرهِ لهذه الأمورِ التي جَعلها الله تَعالى مُسهِّلةَ العبادة، مزيلٌ لمشقَّتها، مُحصِّلةٌ لِثَمَرَاتِها.
وقالَ تَعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [يونس:62-63-64]
فالبُشْرى التي وعدَ الله بِها أولياءهُ في الحياةِ الدنيا مِن أشْرَفِها وأجلِّها: أنّهُ يُيسِّرُ لهم العبادات ويُهوِّنُ عليهم مشقَّة القُربات، وأنّهُ يُيسِّرهم للخيرِ، ويَعْصِمَهم مِنَ الشرِّ بأيسرِ عَمل.
وقالَ تَعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل:5-7]، أي: لكلِّ حالةٍ فيها تَيْسيرِ أمورهِ وتَسْهيلِها.
وقالَ تَعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97]
ومِنَ الحياة الطيّبة التي يُرْزَقُونَها: ذَوقُ حلاوةِ الطّاعة..
– الشيخ:
الله أكبر الله أكبر

– القارئ: واسْتِحْلاءِ المَشقَّات في رِضا الله تَعالى، فهذه الأحوالُ كُلُّها خيرٌ للمؤمن، إنْ سهَّل الله لهُ طَريقَ العِبادة وهوَّنَها حَمِدَ اللهَ وشكر، وإنْ شقَّتْ على النّفوسِ..
– الشيخ: إذاً،" إنْ"
– القارئ: نعم، إنْ سَهَّل الله لهُ طَريقَ العِبادة وهَوَّنَها حَمِدَ اللهَ وشَكر، وإنْ شقَّتْ على النّفوسِ صَبَرَ واحْتَسبَ الخيرَ في عَنائِه ومَشقّتهِ، ورجاءَ عَظيمِ الثّواب، وهذا المعنى في القرآنِ في آياتٍ مُتعدِّدةٍ، والله أعلم.
– الشيخ:
الله أكبر، يعني مَضْمون هذا أنَّ على الإنسانِ، إنَّ الله شَرحَ صَدْرهُ للطاعةِ ويسَّرَها عَليهِ، ولمْ تَحْصل لهُ مَشقَّةٌ، حَمِدَ الله وشكرَهُ وتذكَّرَ أنَّ هذا مِن تَوفيقِ الله ومِن نِعْمة الله عليهِ، إذا يسَّرَ الله للعبدِ وقام يُصلّي الفَجر، والحمدُ لله وأدَّى الصّلاة بِطَمَأنينةٍ وانْشِراح، يَعني يَتَذكّر أنَّ هذه نِعْمة مِنَ الله وتَوفيق، هذه نِعْمةٌ عَظيمة، وإنْ كانَ حَصلَ لهُ في سبيلِ الطّاعة بَعْضُ الصُّعوباتِ وبَعْضُ المشاقّ، عليهِ أنْ يُكافِح، يُكافِح ويُقاوم العَقَبات، ويُقاوِم الصُّعوبات ويَحْتَسب أجرَ ذلكَ عندَ الله، فهو بينَ نِعْمةٍ ومُصيبةٍ هي المشقَّة، فَيكونُ بينَ الشكرِ والصّبر، فأمْرُ المؤمنِ دائرٌ بينَ الشكرِ والصّبر، شكرٌ على النَّعماء، والصَّبرُ على البلاء، نعم؛ قاعدة.
– القارئ: القاعدة الرابعة والخمسون:
كثيراً ما يَنْفي الله الشيءَ لانْتِفاءِ فائِدتهِ وثَمرتهِ المَقْصودةِ مِنهُ، وإنْ كانتْ صورتهُ مَوجودة، وذلك..
– الشيخ:
قف على هذا بس، تطول.
 
 

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه