الرئيسية/فتاوى/ تعليق على كلام لابن القيم عن الإخلاص
share

 تعليق على كلام لابن القيم عن الإخلاص

السؤال :

قالَ ابنُ القيم في كتابه الفوائد: "الإخلاصُ هو ما لا يعلمه ملَكٌ فيكتبُه، ولا عدوّ فيفسدُه، ولا يعجبُ به صاحبُه فيبطلُه"، [1] بيِّنوا لنا معنى هذا الكلام، جزاكم الله خيرًا.

 

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 الفوائد -ط المجمع- (ص144).

الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على محمَّد، أما بعد :

فإنَّ حقيقة الإخلاص هي إخلاصُ الدّين لله، قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي [الزمر:14]، وقال سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2]، وقال: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5].

واسم "الدِّين" شاملٌ لكلِّ عمل يُتقرَّب به إلى الله، ويُتعبَّدُ به له تعالى، ولا يكونُ العملُ خالصًا إلَّا إذا أُريدَ به وجه الله.

والإخلاصُ أجلُّ عملِ القلب، وهو قِوام كلِّ عملٍ، فلا يكون العملُ صالحًا إلَّا أن يكون خالصًا، وهو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، وفي بعض ما ذكر ابنُ القيم نظرٌ؛ وهو قوله في الإخلاص: "هو ما لا يعلمه ملكٌ فيكتبُه"؛ فإنَّ ظاهرَ القرآن والسُّنَّة أنَّ الملائكة الموكَّلين بكَتْبِ عمل العبد يكتبون إرادات العبد، أي: نيَّاته، كما يفيده عموم قوله تعالى: يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:12]، وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِئَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً» متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.( [1] )

وكيفَ يكتبُ الملَكُ مبدأ الإرادة وهو الهمُّ، ولا يكتبُ إرادةَ العبد بعمله وجه الله وحْده، وهو أحبُّ عمل القلب إلى الله؟! لأنَّه التَّوحيد الذي خلقَ الله الثَّقَلين لأجله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له.

وأما قول ابن القيم: " ولا يُعجَب به صاحبُه فيبطلُه"، فهو وجيه؛ لأنَّ مِن كمال الإخلاص عدمُ الإعجاب بالعمل.

وقول ابن القيم: "ولا عدو فيفسده"، نقول: أما العدو الخارجي فصحيح؛ لأنَّه لا يعلمُ العمل، وأمَّا العدو الباطن -وهو الشيطان- فدعوى أنَّه لا يعلمُ العمل يحتاجُ إلى دليل، ولا ريبَ أنَّ الشَّيطانَ هو الباعثُ على كلِّ إرادة تخالفُ أمر الله، وهو أشدُّ ما يكون صدًّا للعبد عن الإخلاص، كيف والشيطان هو المزيِّن للرياء وإرادة الإنسان بعمله الدنيا؟!

نسأله تعالى أن يعصمنا مِن شرِّ الشَّيطان وشركه، وأن يعيذنا مِن نزغاته، وندعو بدعاء عمر رضي الله عنه: اللهمَّ اجعلْ عملَنا كلَّه صالحًا، واجعلهُ لوجهكَ خالصًا، ولا تجعلْ لأحدٍ فيه شيئًا، [2] ثم تبيَّن بعد كتابة الجواب أنَّ العبارة المسؤول عنها هي مِن كلام الجنيد، [3] كما ذكر ذلك ابنُ القيم نفسه في "مدارج السَّالكين"، [4] والله أعلم.

 

أملاه :

عبد الرَّحمن بن ناصر البرَّاك

حرر في 1442/4/13 هـ

 


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 أخرجه البخاري (6491) واللفظ له، ومسلم (131).
2 أخرجه أحمد في الزهد (617) من طريق الحسن أن عمر كان يقول: «اللهم اجعل عملي صالحا، واجعله لك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا». والحسن لم يسمع عن عمر.  وأخرجه أبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (1018) من طريق مطيع ابن إبراهيم، قال: سمعت أبي وعبد العزيز بن أبي عثمان أنّه بلغهما أنّه كان من دعاء عمر بن الخطاب بنحوه. وهذا إسناد منقطع.
3 – هي بلفظ :" الإخلاص سر بين الله وبين العبد. لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله. " ذكرها عنه السلمي في حقائق التفسير (2/207) والقشيري في رسالته (2/361).
4 -مدارج السالكين -ط المجمع- (2/349).