الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على محمَّد، أمَّا بعد:
فإنَّ المقابرَ أماكنُ دفن الموتى، ومِن شأنها أن تكونَ موضعَ هيبةٍ وعبرةٍ، ولذا شرعت زيارتها لتذكُّر الآخرة والزهد في الدنيا، ولهذا؛ لا يناسبُ أن يكون في المقابر ما ينافي معناها؛ كزخرفة أسوارها، ونحو ذلك، وليس مِن ذلك وجود فتحات في أسوارها يتمكَّنُ المارُّ عليها مِن رؤية القبور، بل لعلَّ في ذلك قدرًا مِن معنى الزيارة، كما يرى الإنسان في طريقه الجنائز محمولة، فيعتبر بذلك.
وأمَّا وقوفُ النساء عند هذه النوافذ ينظرن إلى القبور: فإنَّه لا يحرم؛ لأنَّ الذي يقف عند النوافذ لا يعدُّ زائرًا، ولهذا لا يشرعُ له السَّلام على أهل القبور، رجلًا كان أو امرأة، خلافًا لما يظنُّه بعضُ النَّاس مِن جواز السَّلام على الموتى مِن خلف السور، أو وهو في السيارة ماشيًا، [1] وعليه فوقوفُ النساء ينظرنَ إلى القبور، أو إلى النَّاس وهم يدفنون بعض الموتى: لا بأسَ به، لأنَّه ليس مِن الزيارة التي نُهيت النساءُ عنها؛ فقد كانت المقابرُ قديمًا غير مسوَّرة، ويمرُّ الناسُ مِن حولها رجالًا ونساء، ولم تنهَ النساءُ عن مجرد النَّظر إلى القبور، لكن إذا وقفت المرأة فإنَّها تنظرُ ولا تسلّم؛ لأنَّ السَّلام شعارُ الزيارة، وإن كانت الزيارة مِن خلف السور غير ممكنة، ومع هذا فإنَّه لا ينبغي للمرأة أن يكون قصدُها مِن خروجها من بيتها هو النَّظر إلى القبور ودفن الموتى، بل تدعو للمسلمين في بيتها أو في أي مكان تكون فيه، كما أنَّه يحرمُ على المرأة أن تتبعَ الجنائز المحمولة إلى المساجد ليُصلَّى عليها، أو المحمولة إلى المقبرة لدفنها، لحديث أم عطية -رضي الله عنها- في الصَّحيحين: قالت: «نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، ولَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا»، [2] ، والله أعلم.
أملاه:
عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك
في 16 شعبان 1442 هـ