الرئيسية/فتاوى/حكم الاحتجاج بأدلة أهل الكلام في مناظرة الملحدين
share

حكم الاحتجاج بأدلة أهل الكلام في مناظرة الملحدين

السؤال :

يتصدى بعضُ طلبة العلم لبعض دعاة الإلحاد في مجادلات عامة في بعض وسائل التَّواصل الاجتماعي الصوتيَّة، وغالبًا يحتجُّون عليهم بأدلة أهل الكلام، وخاصة دليل الحدوث، وبعضهم يلتزمون لوازمه مِن نفي الصفات، وبعضهم لا يعلم عنها شيئًا.

فهل يسوغُ التَّحذير مِن دليل الحدوث وبيان مشكلاته في هذه الوسائل التي يطلع عليها الملاحدة، مع أنَّهم قد يتقوون بهذا النَّقد على مَن يتصدى للرد عليهم؟

 

الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد؛ أما بعد:

فإنَّ مجادلة أهل الباطل لإحقاق الحقّ وإبطال الباطل ودحض شبهاتهم بالحجج الشَّرعية والعقلية: هو ممَّا أمر الله به؛ فقال تعالى: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125]، وقال سبحانه: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت: 46]، وقد درجَ على ذلك الأنبياءُ، قال الله عن قوم نوح إنهم قالوا له: قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا [هود: 32]، وكذلك ما قصَّه الله علينا مِن جدال موسى لفرعون في سورة الشعراء وغيرها.

ولكن يجبُ في محاجَّة أهل الباطل ألَّا يكون ذلك في مسمَع مِن عوام المسلمين، خشية أن يقع في قلوبهم شيء مِن شبهات المبطلين من الكفَرة والملحدين والمبتدعين، كما يجبُ اجتناب ما قد يكون فيه متمسَّكٌ للمبطل، فيحتج به على مناظِره من المسلمين، فيضعف جانبه؛ كالاحتجاج على أهل الباطل بالمتشابه، أو بالأدلة العقليَّة الضَّعيفة المتناقضة، ومن ذلك ما ذُكر في السؤال مِن دليل المتكلمين على الحدوث؛ فإنَّ كثيرًا مِن مقدماتهم لم تسلم مِن اعتراض، [1] وعليه فلا يجوز الاحتجاج به على الملحد؛ لأنَّه لا يُحقُّ الحقَّ ولا يُبطِل باطله، وإذا احتُج به فلا تُذكر المطاعن الواردة عليه، لكن هذا يُفعل في مناظرة أهل الكلام الذين هم أصحاب هذا الدليل، ومعلوم أنَّ جدال المبطلين نوعٌ من الجهاد، فهو جهاد بالحجَّة والبيان، فكما يَحترز المجاهد بالسلاح من أن يكون للعدو مداخل عليه، كذلك المجاهد بالحجة والبيان عليه أن يحذر من أن يفتح لعدوه طريقًا عليه.

ومِن أبلغ ما يكون في مناظرة أهل الباطل قلب حججهم عليهم، فهو بمنزلة مَن يقاتل العدو بسلاحه، وقد ذكرَ الله الجهادَين في كتابه؛ فذكر الله القتال بالسلاح في قوله: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة: 190]، وقال في جهاد الحجَّة والبيان: فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان: 52]، أي: بالقرآن، والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمَّد وسلَّم.

 

أملاه

عبد الرحمن بن ناصر البراك

في 20 شوال 1442 هـ

 


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 – ينظر: شرح الأصفهانية (ص: 264) – ت السعوي-، ودرء التعارض (1/302-303).