الرئيسية/فتاوى/توجيه عبارة ابن رجب في أن النذر لغير الله شرك أصغر
share

توجيه عبارة ابن رجب في أن النذر لغير الله شرك أصغر

السؤال :

النَّذر لغير الله، ذكره ابن رجب -رحمه الله- في آخر تفسير سورة الإخلاص مثالًا للشرك الأصغر، بينما المقرَّر عند أئمة الدَّعوة أنَّه شرك أكبر، فما وجه رأي ابن رجب -رحمه الله-، وما رأيكم في المسألة؟

 

الحمدُ لله، وصلَّى الله وسلَّم على محمَّد، أما بعد:

فمِن المعلوم أنَّ عَقد النَّذر لله بنوع مِن أنواع العبادة محرَّم أو مكروه؛ لما صحَّ عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- مِن النَّهي عن النَّذر، وقوله: (النَّذْرُ لا يأتي بخيرٍ، وإنَّما يُسْتَخْرَجُ بهِ مِن البخيلِ)، [1] ولكن النَّذر عبادة باعتبار ما يؤول إليه، وما يُقصد به مِن تعظيم المنذور له، ولهذا يطلق بعضُ العلماء القول بأنَّ النَّذر نوعٌ مِن أنواع العبادة، [2] وعلى هذا فنذرُ طاعةٍ لله عبادةٌ لله؛ لأنَّ النَّاذرَ يقصدُ تعظيم الله بذلك، والتَّقرب إليه بما نذرَ مِن الطاعة.

والنَّاذرُ لغير الله مِن قبر أو وثنٍ يكون على وجهين؛ فمَن نذرَ لله أن يذبحَ عند قبر الوليِّ فهو عابدٌ لله متقربٌ إليه، مبتدعٌ في تخصيص الذَّبح عند القبر، ومَن نذرَ للوليِّ أن يذبحَ له عند قبره أو غير قبره فهو متقرِّبٌ لغير الله بالنذر والذبح له، فيكون بهذا مشركًا بالله عابدًا لغيره.

وبناءً على هذا التقسيم يُحمل قول ابن رجب على النَّوع الأول، فيما يظهر لي، وقد علمنا أنَّ النوع الأول يَقصد به الناذرُ التقربَ إلى الله، ولهذا كان مبتدعًا ضالًّا في تخصيصه للبقعة لا مشركًا، وفرقٌ بين قول النَّاذر: لله عليَّ كذا، وقوله: للسيِّد عليَّ كذا وكذا.

وقولُ ابن رجب تمثيلًا للشرك الأصغر في "تفسير سورة الإخلاص" : "كالحلفِ بغيرِ اللهِ والنَّذر له" [3] يحتملُ الوجهين، فيجبُ حمل كلام هذا الإمام على أحسن ما يحتمله الكلام؛ فإن عبارة "النَّذر لغير الله" تحتمل ما هو شرك وما ليس بشرك، ومما يقرِّب ذلك لو قال قائل: لله عليَّ أن أتصدَّق على فلان؛ فإنَّه يجوز في التَّعبير عن ذلك أنَّه نذر لفلان، ولكن الصدَقة على فلان عبادةٌ محضةٌ، ونذر الذبح لله عند قبر الوليِّ يصحُّ التَّعبير عنه بأنَّه نذرٌ للوليِّ، وعلى كلِّ حال فعبارة الإمام مجملة، فتُحمل على ما لا يقدح في إمامته وفضله. والله أعلم.

 

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البرَّاك

في 12 ذي القعدة 1442هـ

 


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 أخرجه بنحوه: البخاري (6608)، ومسلم (1639) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
2 ينظر: تيسير العزيز الحميد (1/387).
3 تفسير سورة الإخلاص -ت العجمي-(ص38-39).