الرئيسية/فتاوى/حكم عبارة أدبه الدهر
share

حكم عبارة أدبه الدهر

السؤال :

قال أحدُ المؤلِّفين القدماء في معرض الرّد على مَن انتقده : "وقد تعوَّدتُ سماعَ النَّقد، فإن كان القائلُ مصيبًا في قوله أجبته، وإلا نبذته نبذَ النَّواة، تاركًا له الدَّهر ليؤدِّبه؛ فهو أحسنُ مؤدّبٍ"، هل هذه العبارة تعدّ مِن سبّ الدَّهر ؟

الحمدُ لله وحده، وصلّى الله وسلّم على مَن لا نبي بعده ؛ أمّا بعد :
فليس في هذه العبارة سبٌّ للدَّهر ؛ بل تعظيمٌ للدَّهر بأنّه مؤدّب، بل هو خير مؤدّب لِمَن خرج عن الجادة في نظر صاحب العبارة المسؤول عنها، وهو بهذا يُشارك أهلَ الجاهليَّة في إضافة الحوادث إلى الدّهر، لكن أهل الجاهليّة الذين ذكرَ الله قولهم في القرآن يضيفون إليه ما يكرهونه فيكون سبًّا، وهذا يضيفُ إلى الدّهر ما يحبّه مما يصيبُ عدوَّه مِن المصائب والنَّكبات، ويَعتبر ذلك تأديبًا، ويكون الدَّهرُ بذلك عنده خيرَ مؤدّب، فكلٌّ منهما مشرك، فالدّهر هو المُهلِك عند أولئك، والمؤدّب عند هذا، وعليه فالسّابُّ للدَّهر والمادحُ له مذمومٌ لإضافتهما الخير والشّر إليه.
وقد اعتبر الشَّرعُ سابَّ الدَّهر سابًّا لله ؛ لأنّه تعالى المتصرّف في الدَّهر، والسّابُّ يسبّ مَن فعل به ما يكره، والله هو الفاعل سبحانه وتعالى، ولكن لا يُقال في مدح صاحب العبارة للدَّهر مدحٌ لله ؛ لأنّه إنّما مدح الدّهر بِمَا يوافقُ هواه، وذلك بنزول المصائب بعدوّه، ولو نزلت المصائب به هو للعنَ الدّهر، وصار عنده شرَّ فاعل وشرَّ متصرّف.
وإذ قد جرى البحثُ عن صاحب العبارة، فتبيَّن أنّه نصراني عربي، يُدعى "أنستاس الكرملي"، وكتابه الذي وردت فيه عبارته هو "نشوء اللغة العربية- المقدمة"، فلا تستغرب منه هذه المقولة، فسبيلُه سبيل أهل الجاهليَّة الذين يقولون: نَمُوتُ وَنَحيَا وَمَا يُهلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهرُۚ [الجاثية:24]، فبعدًا للجاهليين المشركين مِن النَّصارى والوثنيين، والحمدُ لله على نعمة الإسلام والتّوحيد، ونسأل الله الثَّبات على ذلك والبصيرة في الدّين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمَّد .

أملاه:
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك
في السابع عشر من ذي القعدة 1437هـ