الرئيسية/شروحات الكتب/أصول عظيمة من قواعد الإسلام للسعدي/(2) الرد على مذهب الجبرية “قوله وأما بطلان هذا القول عقلا”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(2) الرد على مذهب الجبرية “قوله وأما بطلان هذا القول عقلا”

بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح رسالة (أُصُولٌ عَظيمةٌ مِن قَواعدِ الإسلامِ) لابن السّعدي
الدّرس الثّاني

***     ***     ***     ***

– القارئ: أحسنَ الله إليك، بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ، الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على عبدِه ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
قال الشيخُ عبدُ الرحمن بن ناصرِ السَّعدي رحمهُ الله تعالى ووالدِينا وشيخَنا والحاضرينَ، في تتمةِ كلامه في الرَّدِّ على مذهبِ الجبريةِ قال رحمه الله:
وأمَّا بُطلانُ هذا القولِ عقلًا فلأنَّهُ من المعلومِ بالضرورةِ أنَّ أفعالَ العبادِ بل والحيواناتِ تقعُ باختيارهم وإرادتهم، إنْ شاءوا أرادوا وفعلوا، وإن أرادوا تركُوا، وأنَّهُ لولا أنَّ العبادَ تقعُ أفعالهم طوعَ اختيارِهمْ لمَا كان للأوامرِ الشَّرعية والعُرفية فائدة، فكيف يُؤمر ويُوجَّهُ الخطابُ إلى من لا قدرةَ له على أفعالهِ!  وكيف يُوجد النهيُ والَّلومُ على من لا يقدرُ على تركِ النواهي! فهذا معلومٌ فسادُهُ بالضَّرورةِ من الشَّرعِ وبداهةِ العقلِ.
– الشيخ:
الحمدُ لله والصَّلاة والسلام على رسول الله.
يذكرُ الشيخ أنَّ مذهبَ الجبرية القائلين بنفي أفعال العباد، وأنهم لا فِعْلَ لهم ولا قدرة ولا مشيئة، والقائلين بنفي تأثير الأسباب في مُسبَّباتِها.
نقول: إنَّ هذا المذهبَ باطلٌ في العقيدة، كما أنه باطلٌ في الشرع، فالشَّرعُ والعقل كلاهما يدلُّ على تأثيرِ الأسباب في مُسبَّباتِها، ويدلُّ على أنَّ العبادَ فاعلون، لهم أفعالٌ.
ومن الأمورِ المعقولةِ المحسوسة، الفرق بين الفعلِ الاختياري وغيرِ الاختياري، فلهم إرادةٌ ولهم قدرةٌ، فالعبد قادرٌ على الفعل والتركِ. والأفعالُ الاضطرارية كحركة المُرتعِش، وحركةِ زائلِ العقل كسُكْرٍ أو غيرهِ.
سمَّى حركات لا إرادية، حركات وأفعالٌ يعني صادرة من غير إرادةٍ، وما يقع من العبد من غير اختيارهِ لا يُؤاخذُ عليه، ولا يُلام عليه، لا في الشَّرعِ ولا في عُرْفِ الناس، فمن لا اختيارَ له ولا مشيئةَ لا يُلامُ ولا يُعاقَبُ.
يقول – الشيخ: حتى الحيوان له إرادةُ، البهائم تتحرَّكُ وتذهبُ وتجيء وتطلب مصالحها وتهربُ مما يضرُّها ويُؤذيها، لها إرادةٌ، إرادةٌ تُناسبُها.
ولكن أهم ذلك أفعال المُكلَّفين، أهم ذلك هم المُكلَّفون، لأنه يترتَّبُ على أفعالهم وتركِهم، يترتبُ عليه ما يترتَّبُ من الثوابِ والعقاب العاجلِ والآجلِ. فنفيُ أفعالِ العباد نفيُ أن يكون للعبد فعلٌ هذه مغالطةٌ مُناقَضةٌ للشرع ومُغالَطة للعقل.
يقولُ العلماء: إنَّ هذا المذهبَ لا يمكن أن يستقيمَ عليه أحدٌ، يعني نفس الجبرية، من يذهبُ هذا المذهبُ لا يُمكن أن تستقيم عليه الحياة، ولا يُمكنُ أن يلتزمَ به، فإن مُقتضاه أنه لا لومَ على أحدٍ ولا يُعاقَبُ أحدٌ فلا يُؤخذُ على يدِ ظالمٍ ولا سارقٍ ولا قاتلٍ، لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يقول: هذا قدرٌ، أنا ما لي إرادةٌ، أنا هذا بغيرِ اختياري، والاحتجاجُ بالقدرِ هذا سبيلُ المُشركين، فلا يمكن أن يستقيمَ على هذا المذهبِ أمرُ فردٍ ولا جماعةٍ، لا يستقيم عليه أمرُ فردٍ ولا جماعةٍ، لأنه يقتضي أنَّ كلًا يفعل ما يفعلُ، ولا يتوجه إليه لومٌ ولا عقابٌ، ولا يُؤخذُ أحدٌ بفعله، ولا يستحقُّ أحدٌ أيضًا على ما يفعله من خيرٍ لا يستحقُّ ثوابًا، وهذا ظاهرُ الفساد عقلًا وشرعًا وفطرةً.
 
– القارئ: قال رحمهُ الله: وأعظمُ منه بطلانًا وأشدَّ فسادًا مذهبُ الطبائعيين في الأسبابِ الذين يرونَ الأسبابَ جاريةً على مُقتضى الطبيعةِ ونظامِ الكون، وأنها لا تعلُّقَ لها بقضاءِ الله وقدَرهِ وأنَّ الله لا يقدرُ على تغييرها ولا منعِها ولا إعانَتِها، وأهلُ هذا المذهبِ معروفونَ بالخروجِ عن دياناتِ الرُّسلِ كلِّهم.
– الشيخ:
هذا يُقابل مذهبَ الجبريةِ، الجبرية يغلُون في إثباتِ القدر ويغلُون في إثبات فِعْلِ الربِّ سبحانه، يقولون: "لا فاعل إلا الله، وأنه لا مشيئةَ ولا إرادة لغير الله"، فيغلونَ في هذا وهم يُقابلون القدريةَ ومن فروعِ مذهبهم نفيُ الأسبابِ كما تقدَّمَ، يُنكرون تأثيرَ الأسباب.
الشيخ يذكرُ ما يُقابلهم في أمرِ الأسبابِ، في شأنِ الأسباب، ويقولُ: أعظمُ من ذلك وأقبحُ من مذهب الجبرية مذهبُ الطبَعِيينَ القائلينَ بأنَّ هذا الوجودَ يتفاعلُ بطبعه، لا بتأثيرِ مشيئةِ خارجٍ عنه.
فهُمْ في حقيقةِ أمرهم، لا يُؤمنون بخالقٍ لهذا الوجودِ، ولا مُدبِّرٍ، إذًا فهذهِ الأشياءُ هكذا وُجدت، هكذا وُجدت، فتأثيرُ الأشياء بعضَها ببعضٍ تأثيرٌ طَبَعِيٌّ.
ليس ناشئًا عن تدبيرِ شيء خارجٍ عن هذه الأشياء، ليس لها مُدبِّرٌ. فليست مخلوقةً لخالقٍ لهذا الوجود بأسْرهِ.
هؤلاء هم الطَّبعيُّون وهم شرُّ الملاحدة، أكفرُ الكفرِ هو جحدُ وجودِ الربِّ سبحانه وتعالى، لأنهُ لا يبقى مع هذا الاعتقاد، لا يبقى معه شيءٌ من الإيمان، الإيمان بالكتب أو بالرسلِ أو باليومِ الآخرِ.
فهؤلاء الطبعيون ماذا يقولونَ عن العالم؟ يقولون: وُجِدَ هكذا العالم، إما أن يقولوا أنه قديمٌ هكذا بحالِهِ، أو يقولونَ: أنَّهُ وُجِدَ لا بخالقٍ، قد يقولون بما يُسمُّونهُ: "الصُّدفةُ".
وهم لا يقبلونَ أن يصدُرَ الفعل من غير فاعلٍ، فلو عُرِضَ على أحدهم شيءٌ من هذه المصنوعاتِ القديمةِ والحديثة، التي يقدِرُ عليها الآدميون، وقيلَ أنه هكذا وُجِدَ هذا البناء، أو وُجدت هذه الآلة بلا، يعني ليس لها صانعٌ وأنها هكذا وُجِدَتْ، لمَا رضُوا بذلك، وهذا من شرِّ التناقض أن يُنكروا وجود شيءٍ من هذه التي يفعلها العبادُ من غير مُدبِّرٍ، من غير مُؤثرٍ، ثم ينفونَ ذلك عن الوجود بأسرهِ علويهِ وسُفليهِ.
فهؤلاء شرٌّ من الجبرية، الجبرية يؤمنون بوجود الله، يقولون أنه هو خالقُ هذا الوجودِ، وخالقُ الأشياء، وهو الذي يجعلُ الأسباب مُؤثِّرةً في مُسبَّباتها، بل لا تأثيرَ لها، لا تأثيرَ لها، فهو سبحانه وتعالى التأثيرُ كلُّهُ لمشيئتِهِ.
أما هؤلاء فعلى النقيضِ، فمذهبُ هؤلاء الطبعيينَ مُضادٌّ لمذهب الجبريةِ كما قابلَ الشيخ بينهما، إذًا هي مُقابلةٌ بين الجبرية وهؤلاء في جانبِ الأسباب، في مسألةِ الأسباب.
ويُقابلُ الجبريةَ القدريةَ نفاةُ القدرِ من المسلمين، الذين يقولون: إنَّ اللهَ تعالى هو خالقُ كلِّ شيء، لكن يُخرجون عن قدرةِ الله وعن فِعلهِ سبحانه وتعالى، يُخرجون عن ذلك أفعالَ العباد، ويقولون: أنَّ العبادَ هم الخالقونَ لأفعالهم.
فالجبريةُ يُقابلهم في شأنِ الأسبابِ الطبعيُّون، ويُقابلهم في جانب القدرِ القدريةُ النُّفاةُ، فالجبريَّةُ يغلونَ في إثبات القدر، وفي فعل الربِّ. والقدرية يُقصِّرونَ في ذلك، فينفونَ القدرَ، لكنَّ القدريةَ يُشبهون الطَّبعيين في مسألةِ أفعالِ العباد، يقولون: أنَّ العبدَ هو الذي يخلقُ فعله، ويفعلُه بمحْضِ قدرته ومشيئتِه، دون أن يكونَ لمشيئةِ الله تأثيرًا في أفعال العباد، فهم يُشبهونَ الطبعيينَ لكن لا في كلِّ شيء، أما الطبعيُّون يعمُّون في الحكمِ، يعمُّون كلَّ الوجودِ، أما القدرية فهم يُشبهونهم في شأنِ أفعالِ العبادِ بل وربما قالوا مثلَ ذلك في أفعالِ الحيوان.
 
– القارئ: وأهلُ هذا المذهبِ معروفونَ بالخروجِ عن دياناتِ الرُّسلِ كلِّهِم، لأنَّ هذا القولَ الخبيثَ مبنيٌّ على نفي الإيمانِ بالله، ونفي ربوبيتهِ والرَّبُّ..
– الشيخ:
النفيُ موجودٌ.
 
– القارئ: والربُّ في الحقيقةِ عندَ هؤلاِء هي الطبيعةُ فهي التي تتفاعلُ وتتطوَّرُ وتُحدِثُ الأشياءَ كلَّها، فهؤلاءِ المُلحدون لا يُثبِتونَ لله أفعالًا ولا يُثبتونَ أنه يُثيبُ الطائعين بالنَّعمِ والكراماتِ في الدنيا والآخرةِ، ولا يُعاقبُ العاصي بالنِّقمِ في الدنيا والآخرةِ، وينفونَ مُعجزةَ الأنبياءِ الخارقة للعادة كلها، وكراماتِ الأولياء، ويقولون: مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا [الجاثية:14]، وهذا المذهبُ الذي هو أبطلُ المذاهبِ الذي تُنزَّهُ عنه اليهودُ والنصارى وكثيرٌ من المُشركين فضلًا عن الدِّينِ الإسلامي قد اغترَّ فيه بعضُ الكُتَّابِ العصريين، وأرادوا من سفاهتهم وجراءتِهمْ العظيمة، أنْ ينسبوهُ إلى دينِ الإسلامِ، ودينُ الإسلامِ وسائرُ الأديانِ بريئةٌ من هذا القولِ الخبيثِ، فهوَ في شِقٍّ، وأديانُ الرُّسلِ في شِقٍّ آخرَ.
– الشيخ:
ما أدري، دعوى نسبته الى الإسلامِ لا يستقيمُ، لا يمكنُ لأحدٍ أن ينسبَ جحْدَ وجودَ الرَّبِّ وتدبيرَهُ، لا يمكن لأحدٍ، لا يقولُ به إلا من يعتقدُه، لا يمكن، لكن يمكن أن يقولَ به بعض المُنتسبين إلى الإسلام، نعم. أمَّا أنْ ينسِبَه للإسلامِ فلا يظهرُ له وجْهُهُ، لكن يمكن أن يتكلَّمَ به بعض المُنتسبِينَ للإسلام، يعني مثل المُنافقين الذين يُغالِطونَ ويُموِّهونَ وينشرون الشُّبهات التي يُعارِضونَ بها الإيمانُ باللهِ والإيمانُ برسله والإيمان باليوم الآخر أما أنْ ينسبوهُ للإسلام لا، لا يُتصوَّر، لا يمكن.
 
– طالب: أحسنَ الله إليك يا شيخ، ألا يمكنُ أنه يُشيرُ إلى من يرى أن الأسبابَ تُؤثرُ بذاتها يا شيخ؟
– الشيخ: نعم، اقرأ اللي بعدَه
 
– القارئ: الرُّسلُ والشَّرائعُ تُثبِتُ ربوبيَّةَ اللهَ وأفعالَه وقضاءَهُ وقدَرَهُ وانقيادَ العالمِ العلوي والسُّفلي، لإرادَةِ اللهُ وقدرته، وهؤلاءَ يُنكرونَ ذلكَ والرُّسلُ والشرائعُ تُثبتُ أنَّ الأسبابَ والمُسبَّباتِ محلُّ حكمةٍ الله، وأنَّ اللهَ قد جعلَها على نظامٍ حكيمٍ دالٍّ على كمالِ حكمةِ اللهِ، وانتظامِ أمرِ الدُّنيا والآخرة، وأنهُ لا يمكنُ أحدٌ أن يُغيرَ سُنَنَ اللهِ ولا يُحوِّلَهَا، ومع هذا فإنَّها تابعةٌ لمشيئةِ اللهِ وإرادتهِ، لا يستقلُّ سببٌ منها إلا بإعانتِه، وقد يمنعُ بعضَ الأسبابِ ويُغيرُ بعضَ الأسبابِ ليُرِيَ عبادهُ أنَّهُ هو المُتصرِّفُ المُطلقُ.
– الشيخ:
لا إلهَ إلا الله، لا إلهَ إلا الله، لا إلهَ إلا الله.
يعني من المؤمنين بوجودِ الله وربوبيتهِ من يدَّعي في بعض الأشياء أنها مُؤثِّرةٌ بطبعِها كما يعتقدُ بعضُ الجهلة، وبعضُ أهلِ الجاهليةِ يعتقدونَ أنَّ بعض الأسبابِ تُؤثِّرُ بطبعها، يظنونَ ذلك مع إيمانهم بالله وبربوبيته وخلْقهِ: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ [لقمان:25]، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [العنكبوت:63]، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]
ومع ذلكَ يمكنُ أن ينسبوا بعضَ الأشياءِ للطبيعةِ، طبيعةِ الشيءِ، مثلَ ما فعلَ المُعتزلة في أفعالِ العبادِ، مثل ما فعلَ القدريةُ في أفعالِ العبادِ معَ إيمانهم بالله، وإيمانهم بخلقِ هذا الوجودِ، لكنهم لشبهاتٍ قامتْ في نفوسهم، أخرجُوا أفعالَ العباد عن قدرةِ الله ومشيئتِه. أما الصنفُ الذين ذكرهم الشيخ الطبعيُّونَ فهؤلاء لا يُقِرُّونَ بخالقٍ لهذا الوجودِ، بل الطبيعة هي كل شيء، هي المُؤثِّرةُ فيه، فكأنهم يقولون: "أنَّ هذهِ الأشياءَ خلقتْ نفسها".
 
– القارئ: وقد يمنعُ بعضَ الأسبابِ، ويُغيرُ بعض الأسبابِ، ليُرِيَ عبادَهُ أنه هو المُتصرِّفُ المُطلقُ. فقد أوقعَ الله الأخَذَاتِ الخارقةِ بالمُكذِّبينَ بالرُّسلِ، وأكرمَ أنبياءَهُ وأولياءَهُ بالنجاةِ في الدنيا والآخرة، فأهلكَ قومَ نوحٍ بالطوفانِ، ونجَّى نوحًا ومن معهُ من المؤمنين، وجعلَ النار بردًا وسلامًا على ابراهيمَ، وأعطى موسى من الآياتِ كالحيَّةِ والعصا..
– الشيخ: ا
لحيَّةُ هي العصَا
 
– طالب: يا شيخ، عندي تعليقٌ كاليدِ.
– الشيخ:
كاليدِ صح، جيد، تصويبٌ هذا أم تعليقٌ؟
– طالب: تصويب من بعض الإخوة ما أدري من هو؟
– الشيخ:
جيد جيد، كاليدِ، لأنَّ العصا هي التي صارَتْ حيَّةً، حَيَّةٌ تَسْعَى*قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى [طه:20-21]
 
– القارئ: قال: وأعطى موسَى من الآياتِ كالحيَّةِ واليدِ وفلقِ البحرِ ما..
– الشيخ:
ليش أنت؟ كاليدِ والعصا، اترك الحيَّةَ، العصا هي الحيَّةُ، هي التي يُصيرُها اللهُ حيَّةً.
 
– القارئ: قال: وأعطى مُوسى من الآياتِ كاليدِ والعصَا، وفلْقِ البحرِ ما فيهِ أكبرُ عِبرةً بأنه المُتصرِّفُ المُطلقُ، وجعلَ عيسى يُبرئُ الأكمهَ والأبرصَ ويُحيي الموتى بإذنهِ وأعطى محمدًا صلى الله عليه وسلمَ من الكراماتِ والخوارقِ الكونيةِ ما لم يُعطِ أحدًا من الرسل فانشقَّ له القمرُ، وسلَّمَ عليه الشجرُ والحجرُ، ونبعَ الماءُ من بينِ أصابعِه، واستَقَى الخلقُ الكثيرُ من الماءِ القليلِ، وأشبعَ الخلقَ العظيمَ من الطعامِ اليسيرِ، وأبرأَ اللهُ بدعواتِهِ أمراضًا كثيرةً، وأنزل الله الغيثَ بدعوته في قضايًا كثيرة.
– الشيخ:
أيش؟ وأنزلَ
– القارئ: وأنزلَ اللهُ الغيثَ بدعوتهِ في قضايًا كثيرة.
– الشيخ:
كلُّ هذهِ الشواهدِ الشيخُ يُوردُها … الأنبياء، على أنه سبحانه هو المُتصرِّفُ في الأسبابِ، فهو الذي خلقَ النارَ وجعلَ فيها طبيعةَ الإحراقِ، جعلها مُحرِقةً لما تتصلُ فيه مما هو قابلٌ للإحراقِ، وهو الذي سلبَ تأثيرها في ابراهيم كوني بردًا شوف بردًا، النارُ التي تُتلِفُ ما اتصلَ بها من الأبدانِ كونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]
العصا، هذه العصَا التي هي عصَا من شجرة، عصا موسَى عصَا، ما جاءَ أنها نزلتْ عليه من السَّماءِ، بل هي عصَا عادية، وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى*قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى [طه:17-21]
وصارتْ هذه العصا في يدِ موسى يتصرَّفُ بها، إذا ألقاها يريدُ مثلًا أن تصيرَ ثعبانًا صارت ثعبانًا، ثعبانٌ مُبينٌ يلتهمُ، فالتهمتْ كيدَ السَّحرة من عِصيهم وحِبالهم فإذا هي: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ [الأعراف:117]
وإذا لم يُرِدْ ذلك تعودُ عصا كما خُلِقَتْ، فتنقلبُ تلقائيًا، ويدُه يدُ إنسانٍ بشرٍ عادية يُدخلها في جيبِهِ ثم يُخرجها بيضاءَ، قيلَ أنها لها شعاعٌ، بيضاءَ من غيرِ سُوءٍ ليست عن عِلَّةٍ وعن مرضٍ لا، آيتان: فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ [القصص:32]، وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىى * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه:22-24]
مقصودُ الشيخِ أنَّ اللهَ تعالى هو المُتصرِّفُ في الأسباب يمنع تأثيرَها ويُغيرها ويُغيرُ ذواتَها إلى طبيعةٍ أخرى، ويقول "شيخ الإسلام" بما معناه في مواضعَ أنَ الأسبابَ يعني تتوقف كل سببٍ كل ما تعتبرهُ سببًا يتوقفُ تأثيرُه على سببٍ آخر أو أسبابٍ مُعينَّةٍ، وإلى صرفِ الموانع، وليس ذلكَ إلا لله تعالى، هو الذي يُحدِثُ من الأسباب ما يُعينُ على السَّببِ، ويصرف الموانع التي تمنَعُهُ، وليس في الوجود سببٌ واحدٌ مُؤثِّرٌ بمُجرَّدِه عن أسبابٍ أخرى تُعينه، وليسَ له مانعٌ يمنعُه، ليس في الوجودِ سببٌ واحدٌ ينتجُ عنه شيءٌ، إذن فالنتائجُ التي تحصلُ بالأسباب هي نتائجُ أسبابٍ ليست سببًا واحدًا مُؤثرًا. ويضربُ لهذا مثالًا بالنار، يقولُ: النارُ ليست مُؤثِّرةً في الإحراقِ وحدَها، بل لا بدَّ من شيءٍ قابلٍ، جسم قابل، النارُ لا تُؤثِّرُ في كل ما تتصلُ به، لا بدَّ أن يكون تأثيرها الإحراق في شيءٍ أو في جسمٍ قابلٍ.
النباتُ الذي يُخرجه الله من الأرضِ، هل هو بمُجرَّدِ المطر، المطرُ جزءٌ من عِلَّةِ وجودِ المطر، ثم جميعُ الأسبابِ مُفتقرةٌ إلى مشيئةِ اللهِ.
 
– القارئ: قال: وعصمهُ الله من الناسِ ونصرَهُ في مواطنَ كثيرةٍ نصرًا خارقًا للعادةِ، ونصرَ الله أمتَهُ في مواطنَ كثيرةً، وأكرمَ اللهُ الرُّسلَ والأولياءَ في أمورٍ خارقةٍ للعادةِ، وهذه الأمورُ كلُّها ممَّا يُنكرُها أهلُ هذا المذهبِ الخبيثِ..
– الشيخ
: مِمَّا؟
– القارئ: ممَّا يُنكرها أهلُ هذا المذهبِ الخبيثِ..
– الشيخ:
وهذهِ الأمورُ.
– القارئ: وهذهِ الأمورُ كلها مما يُنكرها أهلُ هذا المذهبِ الخبيثِ..
– الشيخ:
يعني مذهبَ الطبعيين نعم، القولُ بالطبيعةِ.
 
– القارئ: فعُلم أنه مُنافي للإيمانِ بالرُّسلِ من كلِّ وجهٍ، وأنَّ من زعمَ أنه يبقى مع صاحبِه من الإيمانِ شيءٌ فهو مغرورٌ مُكابِرٌ.
وأما بطلانه عقلًا وفطرةً فالعلماءُ كلهم مُطبقونَ على انقيادِ العالمِ العلوي والسُّفلي إلى إرادةِ الله وقدرتهِ، ولم يُنكرْ ذلكَ أحدٌ إلا من جحدَ اللهَ ولم يُثبتْ وجودَهُ، وهؤلاء قد عُلِمَ أنَّ عقولهمْ قد مَرَجَتْ وأنكرُوا الأمورَ المحسوسةَ التي لا يزالُ الله يُريها عبادَه في جميعِ الأوقاتِ.
ومن فروعِ هذا المذهبِ الإنكارُ بأنَّ الله يُنقذُ المُضطرِّينَ، ويُجيبُ دعواتِ الدَّاعينَ، ويُغيثُ اللهفات، ويكشفُ الكُربات، وإنَّما هي عندهم الأسبابُ تتفاعلُ وتتغالبُ فجحدوا ما عُلِمَ بالضرورةَ من.
– الشيخ:
ما عندَهمْ الله، أصلًا ما عندهم الله يُجيب الدعوات، ولا يكشف الضَّرورات.
 
– القارئ: قال: فجحدوا ما عُلِمَ بالضرورةِ من شرائعِ الأنبياءِ وما أقرَّتْ به الخليقةُ واعترفُوا به وفُطِرُوا عليه، وبذلك حكُمُوا لأنفسهم بمُفارقةِ العقلِ والدِّينِ.
ومن فروعِ ذلك إنكارُ قصَّةِ آدمَ وإهباطِهِ إلى الأرضِ، وخلْقِ اللهِ إيَّاهُ وإيحائِه إليهم، وجميعِ ما تحتوي قصَّتُه مع زوجِه ومع إبليسَ، وإنكارِ أنه أولُ الإنسانٍ، وزعموا أنَّ الإنسان في أول أمرهِ مكثَ مدةً طويلةً لا يتكلمُ، ولا يُعبِّرُ عمَّا في ضميرهِ، ثم انتقلَ من ذلك الطَّور البهيمي إلى طورِ الإشاراتِ، دون التكلُّمِ باللُّغاتِ، ثم مكثَ ما شاءتِ الطبيعةُ لا ما شاءَ اللهُ، فتطوَّرَ وصارَ يتكلم، فجحدُوا ما جاءتْ به الرُّسلُ، ونزلتْ به الكتبَ، واتَّبعوا ما تخرَّصَهُ المُعطِّلونَ المُلحدُون.
– الشيخ:
كأنَّ الشيخَ يُشيرُ إلى شيءٍ من مذاهبِ المُلحدين، التي كأنَّها يعني يطرحُها بعضُ الكتاب ويذكرونَها، وربما في بعض الدراساتِ، في بعض المُؤلَّفاتِ المدرسيةِ، قضيةُ تطورِ الإنسانِ، لكن الشيخَ لم يُشِرْ إلى مذهب "دارون" في أصلِ الإنسانِ وتطوُّرِه، لكن مذهبَ التطور هذا شائعٌ وكثيرٌ عند الملاحدةِ من المُنتسبينَ للإسلامِ، أنَّ الإنسان يعني خَلْقُهُ لم يكنْ بالصورة التي جاءت في القرآن، ربما يذكرونَ أنه مضى عليه كذا من آلافِ او ملايينِ السنين، وكأنَّ هذه المعلومات وصلَتْ للشيخ فأرادَ أن يُشير إليها، ولم يُشرْ إلى مصادرها وإلى الكتب التي تُعرَضُ فيها هذه الأفكارِ الإلحاديةِ. وشيء من هذا يُوجد في بعضِ الكتبِ الدراسية التي تُدرَسُ يذكرونَ أشياءٌ، تطورُ الانسان، العصرُ الفلاني، والعصرُ الحجريُّ، أطوارٌ لهذا الوجودِ، وأطوارٌ لخلقِ الإنسان.
أما الذي علمَهُ المسلمون وأتباعُ الرسل فهو أن هذا الإنسانَ آدمَ عليه السلام خلقَه الله وصوَّرهُ من طينٍ ثم نفخَ فيه من روحِه، وأسجدَ له ملائكَته، وجرَى القدرُ فأهبطَهُ إلى الأرضِ، ونشأت البشرية على هذه الأرضِ، وكان آدمُ نبيًا مُكلمًا، وهو وذرِّيتهُ يدينون بدين الإسلام، على التوحيد عشرةَ قرونٍ كما جاء عن ابن عباسٍ ثم حدثَ الشِّركُ في بني آدم.
 
– القارئ: قال: فجحدُوا ما جاءتْ به الرُّسلُ، ونزلتْ به الكتبَ، واتَّبعوا ما تخرَّصَهُ المُعطِّلونَ المُلحدُون، الذين بنَوا نظرياتهم على تخرُّصاتٍ لا تنبني على العلومِ المعقولةِ، ولا العُلومِ المحسوسةِ.
ومن فروعِ هذا المذهبِ الخبيثِ، أنَّ هذا العالمَ لم يزلْ ولا يزالُ وأنَّ الله لا يُغيرُهُ، ولا ينقلُ العبادَ من هذهِ الدارِ إلى دارِ الجزاءِ، فأنكروا مقصودَ ما جاءتْ به الكتبُ السَّماوية والرُّسل الكرام، وما دلَّتْ عليه الأدلةُ العقليةُ الصريحة، التي لا تقبلُ ريبًا ولا إشكالًا، فإنَّ الطبيعةَ خلقٌ من خلقِ الله، فهو الذي خلقَ وطَبَعَها وسخَّرها..
– الشيخ:
أصلًا ما في شيء طبيعة، طبيعة يعني لها كيانٌ ولها شيء ولها وجودٌ مستقلٌّ، كلُّ شيءٍ له طبيعةٌ، كلُ شيءٍ له طبيعتُه التي طُبِعَ عليها، فالنارُ لها طبيعةٌ، والماءُ له طبيعةٌ، وخالقُ طبيعةِ كلِّ شيء هو "الله سبحانه وتعالى".
فليسَ هناك شيءٌ مُؤثِّرٌ في كلِّ هذا الوجود اسمُه الطبيعةُ، همُ الذين يدَّعونَ ذلكَ، فيقولون الطبيعةُ أيُّ طبيعة؟ كلُّ شيءٍ بطبيعتِه التي خُلِقَ عليها. وليس شيءٌ هو المُوجِدُ لنفسهِ، يعني الشيءُ يُوجِدُ نفسه، المعدومُ، لا يُوجِدُ نفسَه، أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35] فمِنَ المُمتنعِ بالعقلِ أن يُوجِدَ المعدومُ نفسَه فضلًا عن أن يُوجِدَ غيرَه.
المعدوم لا يُوجد نفسَهُ، فكلُّ موجود ومُؤثِّرٍ فاللهُ تعالى هو الذي خلقَه، وجعلَ به هذا التأثيرِ، وإذا قلنا: "النارُ تُحرِقُ بطبعِها" أي: بالخِلقةِ التي طبعها الله عليها جعلَها مُحرقةً. بطبعِها يعني ليست بطبيعتها الذاتية التي هي من نفسِها، لا بل هي طبيعةٌ طُبِعتْ عليها، الله طبعَ النارَ على كذا، طبعَ الأسبابَ على ما طُبعَتْ عليه، فلكلِّ شيءٍ طبيعتُهُ التي خلقَهُ اللهُ عليها.
 
– القارئ: قالَ: فهوَ الذي خلقَها وطبَعَها ودبَّرَها وسخَّرَها، فتبًَّا لمن جعلَها ربَّهُ وإلهَه، وهو يُشاهد من آياتِ الله في الآفاقِ، وفي الأنفسِ أكبرَ الأدلَّةِ والبراهينِ على رُبوبيتِه ربِّ العالمين، وأنَّ جميعَ الموجوداتِ مُنقادَةٌ لإرادتِه، مُصرَّفةٌ بقدرتهِ.
فبهذا التفصيل يتضحُ أنَّ هذا القولَ الأخير ليسَ مذهبًا إلى أحدٍ من المُعترفينَ بالأديانِ، وإنما هو مأخوذٌ عن زنادقةِ الفلاسفةِ القائلينَ بقِدَمِ العالمِ، وأنَّ الله لا يقدرُ على شيءٍ ولا يعلمُ شيئًا من الجُزئياتِ، ومذهبُ هؤلاء معروفٌ أنهم لا يُصدِّقونَ برسالةِ أحدٍ من الرسل، ولا يُقرُّونَ بشيءٍ من الكتبِ.
وأما المذهبُ الذي حكيناهُ عن الجبريةِ فمع بُطلانهِ فأهلهُ أحسنُ بكثيرٍ من أولئكَ، فإنَّهم ينتسبونَ إلى الدِّين ويُعظِّمونَ الرُّسل، ولكن غلَوا في القضاءِ والقدرِ، فسلبُوا العبدَ قدرتَه ضلالًا منهم وجهلًا، مع إيمانهم باللهِ وملائكتهِ وكتبهِ ورسلهِ واليومِ الآخر والقدرِ خيره وشرِّه لكنهم سلَّطوا أعداءَ الرُّسلِ على المسلمين، حيث نسبُوا مذهبهمْ للدِّينِ والدِّينُ بريءٌ منه، فحملَ عليهم الفلاسفةُ، وسفَّهُوا رأيَهم في هذا، وظنُّوا أنهم بذلك انتصرُوا على الدِّينِ، ولكنَّ الدين الحقيقي يُخطِّئُ هؤلاءِ ويُضلِّلُهم ويحثُّ العباد على القيامِ بالأسبابِ النافعةِ بالدين والدنيا، ويحضُّهم على الاجتهادِ فيها وعلى الاستعانةِ بالله وبحولهِ وقوَّتهِ، وكذلك الدِّين الحقيقيُّ والعقلُ الصحيحُ يُخبِرُ أنَّ ضلالَ هؤلاء الفلاسفة المُعطِّلينَ في الأسبابِ أفظعُ من ضلالِ الجبريَّةِ حيثُ جعلوا الأسبابَ مُستقلَّةً مُنقطعةً عن قضاءِ الله وقدَرِهِ، وأنكروا الأصولَ السابقةَ العظيمةَ لهذا الأصلِ القبيحِ.
– الشيخ:
اللهُ المُستعان، لا إلهَ إلا الله.
مذاهبُ الناس منها مذاهبُ هي داخل دائرة الأمة الإسلامية، مذهب الجبرية مثل ما قالَ الشيخ يُؤمنون بوجود الله، ويؤمنونَ بل يغلُون في إثباتِ تأثيرِ مشيئةِ الله سبحانه وتعالى في الوجودِ، ولكنَّهم أفضى بهم هذا الغلوُّ إلى نفي تأثيرِ الأسبابِ، وتأثيرِ قدرةِ العبدِ ومشيئتِه في أفعالِهِ، هذا مذهبٌ داخلَ دائرةِ الأمةِ الإسلامية والفِرَقِ المنتسبةِ إلى الإسلامِ.
أما الطبعيُّونَ فهؤلاءِ خارجونَ عن دائرةِ الإسلامِ، ليسوا من المسلمين في شيءٍ، وإن كان منهم كما تقدم، وإن كان منهم من ينتسبُ للإسلامِ، ينتسبُ للإسلامِ انتسابَ الهويَّةِ والبلدِ والقبيلةِ وما أشبهَ ذلك، انتسابُهُ للإسلام هو انتسابُ المُنافقين، تمامًا.
 
– طالب: بعضُ اليهودِ والنصارى يقولون: البترولُ أصلُه حيواناتٌ قديمةٌ مُتعفنةٌ، والله تعالى يقول: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ [الحجر:22]
– الشيخ: أمرُه سهلٌ يا شيخ عبد الله، أمرُهُ سهلٌ. البترول ليقولوا فيه ما شاءوا ولكن..
– طالب: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ [الحجر:22]، كلُّ شيءٍ؛ البترولُ، الأمطارُ..
– الشيخ:
حتى على قولِهم لو صحَّ ما يقولونَ فإنه بتقديرِ الله، فهو يخلقُ الأشياءَ من الأشياءِ، يخلق أشياءً من أشياءٍ، والمعادنُ يذكرُ العلماءُ أنها تنشأُ بقدرةِ اللهِ بأسبابٍ يُقدرها.
– طالب: …
– الشيخ: الحق. هو اللهُ سبحانه وتعالى على كلِّ شيءٍ قديرٍ.
 
– القارئ: قال: القاعدةُ الثانية: الدِّينُ الحقُّ هو ما جاءَ به الرسولُ صلى الله عليه وسلم من كتابِ الله وسُنَّةِ رسولِهِ.
وهذا الأصلُ الكبيرُ الذي صرَّح َبه الكتاب والسُّنَّة في مواضعَ كثيرة مثل قوله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ [العنكبوت:45]، وقولِه: اتَّبِعُوا مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:3]، وقوله: وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُم[الزمر:55]، وقولِه: وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الأعراف:3]، وقولِه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7]، وقولِه: اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:106]، وقولِه: فمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى*وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا [طه:123-124] وقولِه: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الأنعام:164]، وقولِه: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ [آل عمران:95]، وقولِه: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]، وقولِه: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا [النساء:122]، وقولِه: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ [آل عمران:132]
أحسنَ الله إليك.
– الشيخ:
انتهى؟
– القارئ: وجهُ ذكرِ آيات صدقِ اللهِ في هذا الفصلِ.
– الشيخ:
التي بعدها
– القارئ: قال الرسولُ في مواضعَ كثيرةَ: اهدنا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7]
– الشيخ:
قالَ الرسولُ!
– القارئ: إي نعم.
– الشيخ:
والرسولُ يقولُ
– القارئ: والرسولُ في مواضعَ كثيرة..
– طالب:
– القارئ: يظهر أنه كرَّرُوا كلمة: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ [آل عمران:132]، في مواضعَ كثيرة لعلَّه يقصدُ: "طاعةَ اللهِ والرسولِ"
– الشيخ:
المهم يوجدُ غلطٌ. فاقرأْهَا على الصح
– القارئ: وقوله: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ [آل عمران:132]
– الشيخ: تمام
 
– القارئ: أحسن الله إليك.
وقوله: اهدنا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7]الآية، وقوله: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153]، وقولِه: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115]، وقوله: إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [طه:48]، وقولِه: لا يَصْلاهَا إِلا الأشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الليل: 14 -16]، وقولِه: وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:56]، وقوله: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]، وقولِه: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ [لقمان:15] وقوله: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ [النحل : 88]، وقولِه: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:36-37]، وقولِه: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ: 24] وقولِه: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ الله [الشورى:53]، الآية. فهذه الآيات الكريمات..
– الشيخ:
من الذي يقولُ الآية؟
– القارئ: الشيخ
– الشيخ:
هو الذي قالَ: "الآيةُ"؟
– القارئ: أي نعم
– الشيخ:
طيب
 
– القارئ: قالَ: فهذه الآياتُ الكريمات وأضعافُهَا وأضعافُ أضعافِها، دلَّتْ دلالاتٍ صريحةٍ أنَّهُ يتعيَّنُ على الخلقِ أتباعُ ما أنزلَ اللهُ على رسولهِ من الكتاب والحكمةِ، وأنَّ الهُدى والفلاحَ والسَّعادةَ والنجاةَ في الدنيا والآخرةِ في اتِّباعِ ذلكَ.
وأنَّ في ضدِّ ذلك الضَّلالُ والهلاكُ والشقاءُ في الدنيا والآخرة، وأنَّ الصِّراطَ المُستقيم الذي من سلكهُ في عقائدِهِ وأقوالِهِ وأفعالِه وشؤونِه الدينيةِ والدنيويةِ هو سبيلُ الله الذي شرعَهُ على لسانِ رسولِه محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- من الاخباراتِ والأوامرِ والنَّواهي، وأنَّ وظيفةَ المُكلَّفين أن يُصدِّقوا كلَّ ما أخبر اللهُ ورسولُه، ويُطيعوا اللَه ورسولَهُ في امتثالِ الأمرِ واجتنابِ النهي، وأنَّ السعادةَ والنجاةَ في هذا التصديقِ وهذهِ الطاعةِ، والشقاءَ والعذابَ في تكذيبِ الأخبارِ والتولِّي عن الأمرِ والنهي.
وأنَّ من آمنَ وعمل صالحًا وسلكَ طريقَ الرسولِ فهو من أولياءِ الله وحزبهِ، ومن لم يؤمنْ بالله ورسولِهِ، ويعملْ صالحًا فهو من أعدائهِ وحرْبِه، وأنه يتعيَّنُ سلوكُ طريق المُنيبينَ إلى الله في ظاهرِهم وباطنِهم، لا طريقَ الغافلين ولا المُعرضينَ والمُعارضين الصَّادِّينَ عن سبيل الله.
فهذه النصوصُ ونحوِها صريحةٌ أنه يجبُ أن يكونَ الأصلُ الذي إليهِ مرجعُ المُكلفين كتابُ ربِّهم وسُنَّةُ نبيهم، وأنَّ جميعَ المقالاتِ والأحوالِ والأعمالِ والعلومِ تُوزن بهذا الأصلِ، فما وافقَهُ فهو الحقُّ والصِّدقُ والصَّواب، وما خالفَه وناقضَهُ فهو الضلالُ والشقاءُ، وأنَّ من جعلَ كلامَ الرُّسلِ هو الأصلُ، وغيرُه ما وافقَه قَبِلَهُ وما خالفَه رفضَه فهو محادٌّ لرسولِ الله مُنابذٌ لدينِ اللهِ، وأنَّ في مقدمةِ هؤلاءِ المُلحدينَ من دعوا إلى رفضِ كلِّ قديمٍ وجعلُوه سُلَّمًا لهم وطريقًا لرفضِ الدينِ وعلومِه وأعمالِه، وأنَّ هذه دعايةٌ إلحاديةٌ القصدُ منها الدعايةُ لنبذِ الدين واعتناقِ طريقِ المُلحدين، وأنَّ أهلَ العقولِ الصحيحةِ والألبابِ السليمةِ هم الذين يدعونَ إلى رفضِ الشرورِ والفسادِ وأنواعِ الظلمِ، وإلى الحثِّ على الخيرِ والصلاحِ والإصلاحِ..
– الشيخ: ا
نتهى؟
– القارئ: لا
– الشيخ: اللي بعدَه مُتصلٌ بهذا الكلامِ. إيش بعده؟
 
– القارئ: قال: فهذا هو الأصلُ الذي وافقَ عليه جميعُ العقلاءِ أهلُ الأديانِ وغيرِهم، وحيثُ كانَ هذا هو الميزانَ الذي لا يمكن كلُّ أحدٍ إلا الاعترافَ بهِ حتى المُنصفِينَ من الأجانبِ، فعلينا وعلى الخلقِ كلِّهم أن يعرضُوا القديمَ والحديثَ على هذا الأصلِ الجليلِ، وحيث عُرِضَ على هذا الأصلِ القديمُ والحديثُ وُجِدَ ما دلَّ عليه الكتابُ والسُّنة هو الخيرُ وهو الهدى والسعادةُ لأنه يدعُو إلى الخيرِ، قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران:104]، وقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [يونس:9]، وقال: إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ [هود: 88]، وقال: وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْي [النحل:90]، وقال: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205]، وقال: إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:81]
فما ثمَّ صلاحٌ وخيرٌ ونفعٌ دينيٌ ودُنيويٌّ إلا والكتاب والسُّنة قد حثَّ عليه ورغَّبَ فيه، وبيَّنَ الطريقَ المُوصلَ إليه حتى الفنونُ والاختراعاتُ والصِّناعاتُ الحادثةُ التي فيها نفعٌ للعبادِ وتقيهم من الشرورِ والفسادِ، وما من شرٍّ وضررٍ وفسادٍ إلا وقد نهى الدينُ الإسلاميُّ عنهُ سواءٌ كان ذلك مُتقدمًا أو مُتأخرًا.
وأمَّا تعنُّتُ المُلحدينَ الماديين بوجوبِ رفضِ القديمِ مُطلقًا واعتناقِ الجديد مُطلقًا، فهذا أصلٌ لا يمكنُ أن يوافقَ عليه أحدٌ من العقلاءِ لأنَّ القديمَ منه طيبٌ وخبيثٌ، والجديدُ منه طيبٌ وخبيثٌ، فالطيبُ يجبُ قَبولُهُ مُطلقًا، والخبيثُ يجبُ رفضُهُ مُطلقًا. والطيبُ الذي في الحديث إنما استُفيدَ مما دلَّ عليه القديمُ من علومٍ وأخلاقٍ وأعمالٍ. فأصلُ الخير ومنبعُه ما جاءَتْ به الرُّسلُ ونزلَتْ به الكتب.
ويُقالُ لأهلِ هذه الدِّعايةِ الخبيثةِ، هذهِ دُعابةٌ لا يمكنُ أن يوافقَ عليها أحدٌ، حتى أنتم لا تُوافقونَ عليها فإنَّكم تقبلونَ ما نقلتُم عن أئمِّتِكم، وتحثُّونَ على ذلك سواءٌ كانوا من القدماءِ أو من الآخرينَ، فأصلٌ لا يوافقُ عليه أحدٌ من الخلقِ يجبُ أن نرفضَهُ وأن نرجعَ إلى الأصولِ الدينيةِ والأصولِ العقليةِ. أما الأصولُ الدينيةُ فقد أريناكُمْ بعضَ ما دلَّ عليه أشرفُ الكتبِ وهو القرآنُ بوجوبِ اتِّباعِ كتابِ الله وما دلَّ عليهِ ما جاءَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. وأنَّهُ الخيرُ والحقُّ والهدى، وما سواهُ شرٌّ وضلالٌ وشقاءٌ، وأما الأصولُ العقليةُ فهلمَّ فلنتحاكمْ إلى هذهِ الأصولِ التي لا يمكنُ عاقلًا أن يقدحَ بها، ومن قدحَ فيها فهو مُكابرٌ، نتحاكَمُ إلى الطيبِ والخبيثِ، فكلُّ طيبٍ من العقائدِ والأخلاقِ والأعمالِ والمقاصدِ والوسائلِ، فعلينا أن نقبلَهُ، وكلُّ خبيثٍ من ذلك فعلينا أن نرفُضَه.
وهلمَّ فلنتحاكمْ إلى الخيرِ والصلاحِ والإصلاحِ، لا إلى الشرِّ والفسادِ، فكلُّ خيرٍ وصلاحٍ وإصلاحٍ فعلينا أن نقبلَهُ، وكل شرٍّ وفسادٍ علينا أن نتركَهُ.
هلمَّ فلنتحاكمْ إلى ما يُرقِّي الخُلُقَ ويُعليهم في دينِهم ودنياهُم، وإلى ما يُنزلهم ويُحلِّلُ أخلاقَهم وآدابَهم في دينِهم ودنياهم، فنقبلُ الأولَ ونرفضُ الثاني.
 هلمَّ فلنتحاكمْ إلى ما فيه نفعٌ دينيٌّ ودنيويٌّ، نفعٌّ حقيقيٌّ فنقبَلَه، وما فيه ضررٌ دينيٌّ ودنيويٌّ فنرفُضَه.
هلمَّ فلنتحاكمْ إلى ما آثارهُ جليلةٌ وعواقبهُ حميدةٌ في الدنيا والأخرة فنقبلَه ونُقبلَ عليهِ، وإلى ما آثارُه ذميمةٌ وعواقبُه وخيمةٌ فندَعَه ونرفُضَه.
هلمَّ فلنتحاكمْ إلى العدل وأداءِ الحقوقِ في حقوقِ اللهِ وحقوقِ عبادِهِ فنقبلَه وندعو إليه، وأما الظلمُ وعدمُ أداءِ الحقوقِ الواجبةِ فلندعه ونتركَه.
فهذه الأصولُ العقائديةُ والشرعيةُ وما أشبهها لا يُدعا أحدٌ إلى التحاكمِ إليها فيأبى إلا دلَّنا على سفاهتِه وحُمقِه ومُكابرته، فالدينُ الإسلاميُّ لا يأبى التحاكمَ في علومِه وأخلاقِه وأعمالِه وآدابِه كلِّها إلى قضايا العقولِ التي يتفقُ العقلاءُ على صحتِها وسلامتِها، بل هو الذي دعا الخلقَ عليها وحثَّهمْ عليها فكيفَ يأبى أن يحتكمَ إلى ما تقتضيهِ أصولُهُ وأسسُهُ؟ وأما إطلاق المُحاكمة إلى القديمِ والحديث، فهذا كما تقدَّمَ لا يوافقُ عليه هؤلاء، لأنها قضيةٌ مُختلةٌ مُتزعزعةٌ عند الناصرين لها، لأنَّهم يتناقضونَ في رفضِ وفي قبولِ كلِّ حديث، فمنه أشياء ُيقبلونَها ومنه أشياءُ يرفضونَها من وجهٍ دالٍّ على فسادِها من أنفسِهم وحُججِهم.
ووجهٌ أخرُ وهو أنهم إذا كانوا يرفضونَ القديمَ ويُرحبونَ بالجديدِ، فهذهِ قضيةٌ أولُّ من يحظى بإبطالِها واصِفُوها، وذلك أنهم اذا أسسُوا لهم أمورًا يُجرونها ويرونَها هي الحقُّ الذي يجبُ تقديمُه ونصرُه، كانوا إذا جاءَ من بعدَهم فأمَّا أن يتبعُوا ما أسَّسَهُ الأولونَ فينتقدُ أصلُهم وتصيرُ الأمورُ الحادثةُ عند النشءِ الحديثِ لا يُعبأُ بها وإنما يُحافظُ على ما قالَه الأولونَ وهذا بعينِه أكبرُ برهانٍ على نفيها، وأنَّ تسلسل هذه القاعدةِ عند النشءِ الذي بعدهم فيُوجبون رفضَ ما قالَه هؤلاء، واعتناقَ الأمورِ المُتجدِّدةِ لم يثبتْ بأيدي الناس حقٌّ يكون لهُ الإثباتُ، بل ما أثبتَه هؤلاءِ نفاهُ الآخرون، وما نفاهُ هؤلاء أثبتَهُ الآخرونَ، فصاروا في أمرٍ مريجٍ مُتهافتٍ مُختلِّ الأصولِ والفروعِ …

… يُتبع في الملفات المرفقة في الأعلى

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة