الحمد لله، وصلى الله وسلم على محمد، أما بعد:
فإن الولائم -وهي الدعوات التي يُصنَع فيها للمدعوين طعامٌ- ثلاثة أنواع:
الأوَّل: ولائم شرعيَّة، كوليمة العرس؛ لفعله -صلى الله عليه وسلم-، ففي صحيح البخاري: [1] قالت صفية بنت شيبة: "أولَم النبي -صلى الله عليه وسلم- على بعض نسائه بمُدَّين من شعير"، وفي البخاري [2] أيضًا عن أنس، قال: أولم النبي -صلى الله عليه وسلم- على زينب بشاة، وفي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعبد الرحمن بن عوف: حين قال تزوجتُ، قال: أولِم ولو بشاة. [3]
الثاني: ولائم عاديَّة، كالوليمةٍ للقادم، وتسمَّى النَّقيعة؛ [4] فقد يفعلها بعض القادمين لرفاقه، وقد يفعلها بعض المقيمين من أهلهم، وهذه مباحة، فلا أمر ولا نهي.
الثالث: ولائم بدعيَّة، كالتي تُصنع في الموالد، كمناسبة مولد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فهذه محرَّمة من وجهين:
الأول: التعبُّد بما لم يشرعه الله.
الثاني: التشبه بالنَّصارى في مولد المسيح عليه السلام. [5]
وممَّا يشبه هذا ويُنهى عنه من أجل التشبه بالكفَّار: الوليمة لذكرى مولد الإنسان، أو ذكرى العرس. [6]
ومن النوع الأول -الشرعيّ- الوليمة للمولود، بذبح العقيقة، ومن المباح: الوليمة لتجدد نعمة، كالوظيفة والترقية فيها، والتخرج من الدراسة، بشرط اجتناب ما يتضمَّن التشبه بعادات الكفار، كاللِّباس وغيره، ومن هذا النوع المباح: الوليمة لختم الصبي القرآن، وتسمَّى عند الفقهاء الحِذاق. [7]
هذا؛ وذَكر الفقهاء [8] أنواع الطعام التي يُدعى إليها الناس، وهي: الأوَّل: الوليمة طعام العرس؛ وهي مشروعة، كما تقدم. الثاني: الحِذاق. الثالث: الإعذار للختان. الرابع: الخرسة والخرس لطعام الولادة. الخامس: الوَكيرة لدعوة بناء الدار. السادس: النَّقيعة لقدوم الغائب من سفر كحج وعمرة، وهذه الأنواع الخمسة من العادات وهي مباحة. السابع: العقيقة: الذبح لأجل الولد؛ وهي مشروعة، كما تقدم. الثامن: الوضيمة: طعام المأتم، وهي بدعة.
وعلى هذا يتبيَّن أن الوليمة من قدوم السفر أو العمرة أو للختان من الأمور العاديَّة؛ فلا يُقال لها: بدعة؛ إذْ لم يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما يُقال ذلك في الأمور التعبديَّة، وفرق بين الأمور التعبديَّة والأمور العاديَّة، وهذا هو الضابط فيما يكون بدعة أو غير بدعة. والله أعلم.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 16 جمادى الآخرة 1444هـ
الحاشية السفلية
↑1 | برقم (5172). |
---|---|
↑2 | أخرجه بنحوه برقم (5168)، (5171). |
↑3 | أخرجه البخاري (2048)، (5167)، ومسلم (1427). |
↑4 | ينظر: لسان العرب (8/362). |
↑5 | للاستزادة ينظر: " المورد في عمل المولد" للفاكهاني، و"الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي" لحمود التويجري. |
↑6 | ينظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز (4/283) وما بعدها، (18/56)، ومجموع فتاوى ورسائل العثيمين (2/302). |
↑7 | ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص399)، وشرح الزركشي على الخرقي (5/338). |
↑8 | ينظر: المطلع (399)، وشرح الزركشي على الخرقي (5/338). |