الرئيسية/فتاوى/الرد على من استدل بقوله تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة على دوران الأرض

الرد على من استدل بقوله تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة على دوران الأرض

السؤال :

قوله تعالى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ ‌دَاخِرِينَ (٨٧) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ [النمل: 87-88] فسَّرها السلف بأن ذلك من أحداث يوم القيامة، كقوله: وَسُيِّرَتِ ‌الْجِبَالُ ‌فَكَانَتْ ‌سَرَابًا [النبأ: 20]، وهو ما ذهب إليه السعدي [1] والشنقيطي [2] وابن عثيمين، [3]  وذهب بعض المعاصرين؛ القاسمي [4] وابن عاشور [5] والشعراوي [6] إلى أن ذلك في الدنيا، وأنه من أدلة دوران الأرض وسيرها وهو وجيه جدًا لعدة اعتبارات ذكروها.

والسؤال: هل يعتبر قول المعاصرين (القاسمي، ابن عاشور، الشعرواي) مخالفا لإجماع السلف، ومضادا لما ذكروه فلا يعتبر؟

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 ينظر: تفسير السعدي-ت الصميل- (ص1263).
2 ينظر: أضواء البيان (6/489).
3 ينظر: تفسير “سورة النمل” (ص494).
4 ينظر: محاسن التأويل (7/508).
5 ينظر: التحرير والتنوير (20/47).
6 ينظر: تفسير الشعراوي (17/١٠٨٥٧-١٠٨60).

بالحمد لله، وصلى الله وسلم على محمد، أما بعد:

فإنَّ تفسير المعاصرين للآية مخالفٌ لتفسير السَّلف، [1]  فهذان التفسيران ضدَّان، والاختلاف الذي بين تفسير السَّلف وتفسير الخلف كالاختلاف الذي بين الدنيا والآخرة، والسماء والأرض، ولا ريب أن الصحابة والتابعين أعلم بكتاب الله، فكل فهم يناقض فهمهم للقرآن فهو مردود، وليس له اعتبار، كيف وكثير من المفسرين المعاصرين يتلقون نظرياتهم من الغرب، ويجتهدون في الاستدلال لها ببعض الآيات، ويعدون ذلك من قبيل إعجاز القرآن، ويسمونه الإعجاز العلمي، [2]  وقول السائل: “إن تفسير المعاصرين وجيه جدًّا” فمنشؤه الانخداع والانبهار.

ولا ريب أنَّ ظاهر القرآن لا يدل على دوران الأرض، بل على خلافه، فالشمس والقمر والنجوم تجري، أي: تدور في أفلاكها، والأرض ثابتة، قال تعالى وَالشَّمْسُ ‌تَجْرِي ‌لِمُسْتَقَرٍّ ‌لَهَا [يس: 38] إلى قوله: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس: 40]، وقال تعالى: فَلَا ‌أُقْسِمُ ‌بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ [التكوير: 15-16] ، والجوار الكنَّس هي النجوم، [3]  ثم إن الآية التي هي موضوع السؤال جاءت بين آيات كلها تصف أحوال القيامة، من قوله تعالى: وَيَوْمَ ‌يُنْفَخُ ‌فِي ‌الصُّورِ [النمل: 87] إلى قوله: فَكُبَّتْ ‌وُجُوهُهُمْ ‌فِي ‌النَّارِ ‌هَلْ ‌تُجْزَوْنَ ‌إِلَّا ‌مَا ‌كُنْتُمْ ‌تَعْمَلُونَ [النمل: 90]، فكيف تخرج هذه الآية عن سياقها وتُعزَل عن سوابقها ولواحقا؟! فما هذا إلا ضرب من تحريف القرآن بصرف الآية عن ظاهرها. والله أعلم.

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 28 رمضان 1444هـ

 


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 ينظر: تفسير الطبري (18/137).
2 للاستزادة ينظر: “الإعجاز العلمي إلى أين؟ مقالات تقويمية للإعجاز العلمي” لمساعد الطيار.
3 ينظر: تفسير الطبري (24/152)، وزاد المسير (4/407).