الرئيسية/فتاوى/ثواب من اعتكف في مسجد في الحرم تفاديا للزحام في المسجد الحرام
share

ثواب من اعتكف في مسجد في الحرم تفاديا للزحام في المسجد الحرام

السؤال :

أريد الاعتكاف في مكة وأنا من أهل الرياض، ولكني سأعتكف في مسجد في منطقة الحرم، تفاديا للزحام في المسجد الحرام، فهل اعتكافي هذا صحيح، ويعد أنه من الاعتكاف في المسجد الحرام؟

 

الحمد لله، وصلى الله وسلم على محمد، أما بعد:

فلا خلاف بين أهل العلم أن جميع أرض الحرم -أي: مكة وما حولها- أفضلُ من الحلّ، ولكن الفضل المقدَّر بمئة ألف صلاة في المسجد الحرام على سائر المساجد سوى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ [1]  اختلف فيه العلماء، هل هو مختصٌّ بالمسجد الذي يصلَّى فيه حول الكعبة، وهو الذي يسميه الناس (الحرم)، أو أنه عامٌّ لجميع أرض الحرم؟ [2] أكثر العلماء على الثاني، ولكنه قول ضعيف، والصواب أن الفضل المذكور مختصٌّ بالمسجد الذي يُصلَّى فيه ويطاف فيه عند الكعبة، [3]  وذلك لوجوه: [4]

الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى [5] ، ومعلوم أنه لا يوازَن بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ مسجد بمكة إلا المسجد الذي يطاف فيه، ويصلَّى فيه عند الكعبة، وهو الذي أُمر إبراهيم بتطهيره للطائفين والقائمين والركَّع السجود.

الثاني: أن من يجعل لسائر الحرم فضيلةَ مضاعفةِ الصلاة لا يجعل لسائر الحرم حكم المسجد فيما يستحب أو يجب أو يحرم، فلا يُستحب -عنده- لمن دخل أرض الحرم ألَّا يجلس حتى يصلي ركعتين، ولا يَجب تنقية أرض الحرم من الأقذار، كما يجب في سائر المساجد، ولا يَحرم في أرض الحرم البول والغائط، بل يجوز بناء المراحيض فيه والمقابر.

الثالث: أن من نذر أن يصلي في مسجد من مساجد مكة؛ كمسجد "الراجحي" في حي النسيم لم يجب عليه الوفاء به.

الرابع: أن الحاج والمعتمر لا يكونان محصَرَيْن ولو دخلا أرض الحرم، إلا إذا صُدَّا عن المسجد الذي يُطاف فيه ويُصلَّى فيه، ويؤيد ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُصدَّ عن الحرم، وإنما صُدَّ عن المسجد، وأقام بالحديبية؛ لأنه الأنسب له صلى الله عليه وسلم والأرفق بأصحابه.

الخامس: أنه جاء في صحيح مسلم في حديث تضعيف الصلاة النصُّ على مسجد الكعبة، قال صلى الله عليه وسلم: "صلاة فيه – أي: في مسجد رسول الله – أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا مسجد الكعبة". [6]

وما احتج به من قال بعموم فضيلة مضاعفة الصلاة من أدلةٍ أجاب عنها العلماء، وليس لهم من حجة إلا ورود إطلاق المسجد على عموم الحرم، وهو إطلاق مجازي، من قبيل إطلاق البعض على الكل، هذا؛ وإن ممَّا يؤسف له أن كثيرًا من النازلين بمكة لا يأتون إلى المسجد الذي فيه الكعبة؛ لشهود الصلاة فيه، لا جمعة ولا جماعة، وإذا قيل لهم في ذلك قالوا: كلُّه حرم، فيعتمدون لهذا السلوك على هذا القول المرجوح فيما يتعلَّق بفضيلة مضاعفة الصلاة في المسجد الحرام، لذلك ينبغي توجيه الناس لشهود الصلوات في المسجد الحرام، وأن يبين لهم أن المراد بالمسجد الذي تضاعف فيه الصلاة هو مسجد الكعبة.

وبناءً على ما سبق نقول للأخ السائل: إن كنتَ أنشأتَ السفر لتعتكف في ذلك المسجد في مكة، فارجع إلى أهلك واعتكف فيما تيسر لك من المساجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى"،  [7]  وإن كنتَ أنشأتَ السفر للعمرة، ثم رأيت أن تعتكف في أحد مساجد مكة؛ نظرًا للزحام في المسجد الحرام، فلا حرج عليك، إن شاء الله. والله أعلم.

 

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 28 رمضان 1444هـ

 


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 أخرجه أحمد (14694)، وابن ماجه (1406) عن جابر رضي الله عنه، وصححه المنذري في الترغيب والترهيب (1854)، والبوصيري في مصباح الزجاجة (500)، وينظر: الإرواء‌‌ (1129).
2 في المراد بالمسجد الحرام الذي تضاعَف فيه الصلاة سبعة أقوال ذكرها الزركشي في: إعلام الساجد بأحكام المساجد (ص120-124).
3 ينظر: المجموع شرح المهذب (3/193)، والفروع (2/456).
4 ينظر: الشرح الممتع (6/515-518).
5 أخرجه البخاري (1189)، ومسلم (1397) عن أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه، وهذا لفظه عند أحمد (23850).
6 أخرجه مسلم (1396) عن ميمونة رضي الله عنها.
7 تقدّم تخريجه قريبًا.