الرئيسية/فتاوى/وصف الله بالظلم
sharefile-pdf-ofile-word-o

وصف الله بالظلم

السؤال :

 ما ردّكم على من يقول -والعياذ بالله-: "إنّ الله ليس بعادل؛ فكيف أنت في بلد مسلم ونشأت على الإسلام والكافرون في بلاد الكفر نشؤوا في بلاد الكفر وماتوا على الكفر"، وجزاكم الله خيراً؟

 الحمد لله، له الحمد وله الملك وهو على كلّ شيء قدير، يفعل ما يشاء وهو الحكيم العليم، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، لقد اقتضت حكمته -سبحانه وتعالى- أن يكون الخلق فريقين مؤمن وكافر، {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(التغابن:2).
ولو شاء -سبحانه وتعالى- لآمن مَن في الأرض كلّهم جميعاً كما أخبر بذلك في قوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ}(يونس:99-100)، فمَن آمن مِن الخلق فبمشيئة الله وفضله وحكمته، ومَن كفر فبمشيئته سبحانه وعدله وحكمته.
فإنّه تعالى يهدي مَن يشاء ويعصم ويعافي فضلاً، ويضلّ مَن يشاء ويخذل ويبتلي عدلاً، ولكنّه -سبحانه وتعالى- لا يُعذّب أحداً إلا بعدما تقوم عليه الحجّة الرساليّة، فمَن بلغته دعوة الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- ولم يؤمن به ومات على ذلك: دخلَ النّار، ومَن لم تبلغه دعوة الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- ومات على حاله: فأمره إلى الله، يحكم الله فيه يوم القيامة بعدله، قال سبحانه وتعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}(سورة الإسراء:15).
وكل مَن يدخل النار يعترف بأنه قد جاءه النذير ولم يؤمن به، كما قال سبحانه وتعالى: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ}(الملك:8-9).
وقال سبحانه وتعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ}لزمر:71).

فمَن ولِد في الإسلام ونشأ على الإسلام ومات على الإسلام: فذلك مِن فضل الله عليه، ومَن ولِد في الكفر ونشأ على الكفر وقامت عليه الحجة وأصرّ على كفره ومات على ذلك: كان مِن أهل النّار، ومَن ولِد في الكفر ونشأ على الكفر ولم تبلغه الحجّة ولم تبلغه دعوة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- فكما تقدّم: حكمه حكم أهل الفترة، فقد جاء في أحاديث عدة أنّ أهل الفترة والمجانين والصم البكم يُمتحنون يوم القيامة بما يكشف حقائقهم، فإمّا أن يكونوا مطيعين فيكونون مِن أهل الجنّة، أو عاصين فيصيرون إلى النّار.
والواجب على العبد -خصوصاً مَن مَنّ الله عليه بالإسلام- أن لا ينظر إلى القدر، بل يؤمن بالقدر، ويؤمن بأن مشيئة الله نافذة، وعليه أن يعمل ويأخذ بالأسباب، كما يصنع مثل ذلك في طلب الرزق واتقاء الأخطار، وطلب منافع الدنيا، وهكذا أمر الآخرة مبني على الأسباب، فعلى العبد أن يأخذ بأسباب السّعادة والنجاة، ويحذِّر مِن أسباب الشقاء والهلكة، نعوذ بالله مِن الكفر بالله، ومِن سوء الخاتمة، ونعوذ به مِن جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، والله أعلم.