بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس الحادي والتّسعون
*** *** *** ***
– القارئ: نعم يا شيخ، بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ: فيقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ (الجوابُ الصحيحُ لمَن بدَّلَ دينَ المسيحِ) يقولُ رحمَهُ اللهُ تعالى:
فصلٌ
قَالُوا: وَقَالَ أَشْعِيَا النَّبِيُّ: قُلْ لِصِهْيُونَ هُنَا تَفْرَحُ وَتَتَهَلَّلُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي وَيُخَلِّصُ الشُّعُوبَ، وَيُخَلِّصُ مَنْ آمَنَ بِهِ وَبِشَعْبِهِ وَيُخَلِّصُ مَدِينَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَيُظْهِرُ اللَّهُ ذِرَاعَهُ الطَّاهِرَ فِيهَا لِجَمِيعِ الْأُمَمِ الْمُبَدَّدِينَ وَيَجْعَلُهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَيُبَصِرُونَ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ خَلَاصِ اللَّهِ، لِأَنَّهُ يَمْشِي مَعَهُمْ وَبَيْنَ يَدَيْهِم، وَيَجْمَعُهُمْ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ.
فَيُقَالُ: هَذَا مُحْتَاجٌ أَوَّلًا أَنْ يُعْلَمَ مِنْ هَذِهِ النُّبُوَّةِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ نُقِلَ بِلَا تَحْرِيفٍ لِلَفْظِهِ، وَلَا غَلَطٍ فِي التَّرْجَمَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ هُوَ نَظِيرُ مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنْ قَوْلِهِ: (جَاءَ اللَّهُ مِن طُورِ سَيْنَا، وَأَشْرَفَ مِنْ سَاعِيرَ، وَاسْتَعْلَنَ مِن جِبَالِ فَارَانَ).
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تعالى حَالٌّ فِي مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ -عليهِ السلامُ-، وَمُتَّحِدٌ بِهِ، وَلَا أَنَّهُ حَالٌّ فِي جَبَلِ فَارَانَ، وَلَا أَنَّهُ مُتَّحِدٌ بِشَيْءٍ مِنْ طُورِ سَيْنَا، وَلَا سَاعِيرَ.
وَكَذَلِكَ هَذَا اللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَالٌّ فِي الْمَسِيحِ -عليهِ السلامُ- وَمُتَّحِدٌ بِهِ، إِذْ كِلَاهُمَا سَوَاءٌ، وَإِذَا قِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ قُرْبُهُ وَدُنُوُّهُ كَتَكْلِيمِ مُوسَى -عليهِ السلامُ- وَظُهُورِ نُورِهِ وَهُدَاهُ وَكِتَابِهِ وَدِينِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي وَقَعَت، قِيلَ: وَهَكَذَا فِي الْمَسِيحِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
وَقَوْلُهُ: وَيُظْهِرُ اللَّهُ ذِرَاعَهُ الطَّاهِرَ لِجَمِيعِ الْأُمَمِ الْمُبَدَّدِينَ، قَدْ قَالَ فِي التَّوْرَاةِ مِثْلَ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى اتِّحَادِهِ بِمُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنِ الْأُمَمِ الْمُبَدَّدِينَ: فَيَجْعَلُهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، فَهُمُ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الْمَسِيحَ -عليهِ السلامُ-، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ مُبَدَّدِينَ فَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيُبَصِرُونَ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلَاصَ اللَّهِ.
– طالب: وَيُبَصِّرُونَ.
– الشيخ: وَيُبَصِّرُونَ.
– القارئ: وَيُبَصِّرُونَ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلَاصَ اللَّهِ، لِأَنَّهُ يَمْشِي مَعَهُمْ وَبَيْنَ يَدَيْهِم، وَيَجْمَعُهُمْ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ، فَمِثْلُ هَذَا فِي التَّوْرَاةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى اتِّحَادِهِ بِمُوسَى وَلَا حُلُولِهِ فِيهِ، كَقَوْلِهِ فِي السِّفْرِ الْخَامِسِ مِنَ التَّوْرَاةِ: يَحُولُ مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: لَا تَهَابُوهُم وَلَا تَخَافُوهُم، لِأَنَّ اللَّهَ رَبَّكُمُ السَّائِرَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ هُوَ يُحَارِبُ عَنْكُم.
وَفِي مَوْضِعٍ قَالَ مُوسَى: إِنَّ الشَّعْبَ هُوَ شَعْبُكَ، فَقَالَ: أَنَا أَمْضِي أَمَامَكَ فَارْتَحِلْ، فَقَالَ: إِنْ لَمْ تَمْضِ أَنْتَ أَمَامَنَا وَإِلَّا فَلَا تُصْعِدْنَا مِنْ هَاهُنَا، وَكَيْفَ أَعْلَمُ أَنَا وَهَذَا الشَّعْبُ أَنِّي وَجَدْتُ أَمَامَكَ نِعْمَةَ كَذَا إِلَّا بِسَيْرِكَ مَعَنَا.
وَفِي السِّفْرِ الرَّابِعِ مِنَ الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ: إِنْ أَصْعَدْتَ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِهِمْ بِقُدْرَتِكَ.
– الشيخ: لا إله إلَّا الله، سيرُكَ معَنا أو سيرُكَ أمامَنا ما هو، يعني المعيّة المعيّة الخاصّة كما قال تعالى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى[طه:46]
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، وَفِي السِّفْرِ الرَّابِعِ مِنَ الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ: إِنْ أَصْعَدْتَ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِهِمْ بِقُدْرَتِكَ، فَيَقُولُونَ لِأَهْلِ هَذِهِ الْأَرْضِ الَّذِينَ سَمِعُوا أَنَّكَ اللَّهُ فِيمَا بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، يَرَوْنَهُ عَيْنًا بِعَيْنٍ، وَغَمَامَكَ يُقِيمُ عَلَيْهِم، وَبِعَمُودِ غَمَامٍ يَسِيرُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ نَهَارًا، وَبِعَمُودِ نَارٍ لَيْلًا.
وَفِي التَّوْرَاةِ أَيْضًا: يَقُولُ اللَّهُ لِمُوسَى: (إِنِّي آتٍ إِلَيْكَ فِي غِلَظِ الْغَمَامِ لِكَيْ يَسْمَعَ الْقَوْمُ مُخَاطَبَتِي لَكَ).
ثُمَّ قَوْلُهُ: اجْمَعْ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخُذْهُمْ إِلَى خَبَاءِ الْعَزَبِ، موضعٌ آخرُ دلَّ العربُ موضع آخر يأتي.
– الشيخ: وش يقول؟
– القارئ: أقول هنا قال: خباء العزب بالزاي، في موضعٍ آخرَ بدون نقطة.
– الشيخ: العزب والعرب مشي ما أدري والله.
– القارئ: يَقِفُونَ مَعَكَ حَتَّى أُخَاطِبَهُم.
قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى: فصلٌ:
قَالُوا: وَقَالَ زَكَرِيَّا النَّبِيُّ: افْرَحِي يَا بَيْتَ صَهْيُونَ، لِأَنِّي آتِيكْ وَأَحُلُّ فِيكْ وَأَتَرَايَا، قَالَ اللَّهُ: وَيُؤْمِنُ بِاللَّهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْأُمَمُ الْكَثِيرَةُ، وَيَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا وَاحِدًا، وَيَحُلُّ هُوَ وَهُمْ فِيكِ، وَتَعْرِفِينَ أَنِّي أَنَا اللَّهُ الْقَوِيُّ السَّاكِنُ فِيكِ، وَيَأْخُذُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْمُلْكَ مِنْ يَهُوذَا، وَيَملِكُ عَلَيْهِمْ إِلَى الْأَبَدِ.
فيُقالُ..
– الشيخ: يَمْلِك، "يُمَلِّك" يمكن
– القارئ: مفتوح عندي "ويَمْلِك"
– الشيخ: عندك أيش؟
– طالب: يُمَلَّكُ.
– الشيخ: وَيُمَلَّكُ هي ال يُمَلَّكُ عليهم ما هو يَمْلِك عليهم يُمَلَّكُ.
– طالب: يا شيخ عندنا ويُمَلِّكُهُ.
– الشيخ: ويُمَلِّكُهُ عليهم نعم.
– القارئ: فَيُقَالُ: مِثْلُ هَذَا قَدْ ذُكِرَ عِنْدَهُمْ عَن إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم الصلاة والسلام أَنَّ اللَّهَ تَجَلَّى لَهُ، وَاسْتَعْلَنَ لَهُ، وَتَرَايَا لَهُ، وَنَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ، وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى حُلُولِهِ فِيهِ وَاتِّحَادِهِ بِهِ.
وَكَذَلِكَ إِتْيَانُهُ، وَهُوَ لَمْ يَقُل: إِنِّي أَحُلُّ فِي الْمَسِيحِ وَأَتَّحِدُ بِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ عَنْ بَيْتِ صَهْيُونَ: (آتِيكِ وَأَحُلُّ فِيكْ).
كَمَا قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى حُلُولِهِ فِي بَشَرٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَتَعْرِفِينَ أَنِّي أَنَا اللَّهُ الْقَوِيُّ السَّاكِنُ فِيكِ) لَمْ يُرِدْ بِهَذَا اللَّفْظِ حُلُولَهُ فِي الْمَسِيحِ، فَإِنَّ الْمَسِيحَ -عليهِ السلامُ- لَمْ يَسْكُن بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَهُوَ قَوِيٌّ، بَلْ كَانَ يَدْخُلُهَا وَهُوَ مَغْلُوبٌ مَقْهُورٌ حَتَّى أُخِذَ وَصُلِبَ أَوْ شِبْهِهِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ.
– الشيخ: أيش؟
– القارئ: أو شَبَههُ يمكن.
– الشيخ: أيش يقول؟
– القارئ: بَلْ كَانَ يَدْخُلُهَا وَهُوَ مَغْلُوبٌ مَقْهُورٌ حَتَّى أُخِذَ وَصُلِبَ أَوْ شَبْهِهِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ.
– الشيخ: حتّى أُخِذَ.
– القارئ: حتى أُخِذَ وصُلِبَ.
– الشيخ: وصُلِبَ أو شِبْهُهُ يعني على حدِّ زعمِهم على حدِّ زعمِ اليهود، وإلّا ما قُتِلَ ولا صُلِبَ المسيح، وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ[النساء:157]
– طالب: هم اتّهموا مريم أيضاً يا شيخ؟
– الشيخ: اتّهموا مريم أيش؟
– طالب: اتّهموا مريم بالزنا؟
– الشيخ: اليهود؟
– طالب: نعم.
– الشيخ: نعم، ما تقرأ قوله تعالى: وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا[النساء:156]
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا حَصَلَتْ مَعْرِفَتُهُ وَالْإِيمَانُ بِهِ فِي الْقُلُوبِ اطْمَأَنَّتْ وَسَكَنَت.
وَكَانَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ لَمَّا ظَهَرَ فِيهِ دِينُ الْمَسِيحِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بَعْدَ رَفْعِهِ حَصَلَ فِيهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَعْرِفَتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَجِمَاعُ هَذَا أَنَّ النُّبُوَّاتِ الْمُتَقَدِّمَةَ وَالْكُتُبَ الْإِلَهِيَّةَ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ، وَسَائِرِ نُبُوَّاتِ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ تَخُصَّ الْمَسِيحَ بِشَيْءٍ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِاتِّحَادِ اللَّاهُوتِ بِهِ وَحُلُولِهِ فِيهِ كَمَا يَقُولُهُ النَّصَارَى، بَلْ لَمْ تَخُصَّهُ إِلَّا بِمَا خَصَّهُ اللَّهُ تعالى بِهِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ [النساء:171]
فَكُتُبُ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَسَائِرُ النُّبُوَّاتِ مُوَافِقَةٌ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَسَائِرُ مَا تَسْتَدِلُّ بِهِ النَّصَارَى عَلَى إِلَهِيَّتِهِ مِنْ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ قَدْ يُوجَدُ مِثْلُ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَسِيحِ، فَتَخْصِيصُ الْمَسِيحِ بِالْإِلَهِيَّةِ وَدُونَ غَيْرِهِ بَاطِلٌ.
– الشيخ: لا دون، عندك واو؟
– القارئ: أي نعم أحسن الله إليك.
– الشيخ: لا دون.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ، فَتَخْصِيصُ الْمَسِيحِ بِالْإِلَهِيَّةِ دُونَ غَيْرِهِ بَاطِلٌ، وَذَلِكَ مِثْلُ اسْمِ الِابْنِ وَالْمَسِيحِ وَمِثْلُ حُلُولِ رُوحِ الْقُدُسِ فِيهِ، وَمِثْلُ تَسْمِيَتِهِ إِلَهًا، وَمِثْلُ ظُهُورِ الرَّبِّ أَوْ حُلُولِهِ فِيهِ أَوْ سُكُونِهِ فِيهِ أَوْ فِي مَكَانِهِ. فَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ وَمَا أَشْبَهَهَا مَوْجُودَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَسِيحِ عِنْدَهُم، وَلَمْ يَكُونُوا بِذَلِكَ آلِهَةً. وَلَكِنِ الْقَائِلُونَ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ قَدْ يَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ.
وَهَذَا الْمَذْهَبُ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهُوَ بَاطِلٌ فِي نَفْسِهِ عَقْلًا وَنَقْلًا، وَإِنْ كَانَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْإِلْحَادِ وَالْبِدَعِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى تَقُولُ بِهِ، فَهَؤُلَاءِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ مَا يَحُلُّ فِي قُلُوبِ الْعَارِفِينَ بِهِ، مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَنُورِهِ وَهُدَاهُ وَالرُّوحِ مِنْهُ، وَمَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَثَلِ الْأَعْلَى، وَالْمِثَالِ الْعِلْمِيِّ.
وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ ذَاتُ الرَّبِّ، كَمَنْ يَظُنُّ أَنَّ نَفْسَ اللَّفْظِ بِالِاسْمِ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْقَلْبِ، أَوْ نَفْسَ الْخَطِّ هُوَ نَفْسُ اللَّفْظِ، وَمَنْ يَظُنُّ أَنَّ ذَاتَ الْمَحْبُوبِ حَلَّتْ فِي ذَاتِ الْمُحِبِّ وَاتَّحَدَتْ بِهِ، أَوْ نَفْسَ الْمَعْرُوفِ الْمَعْلُومِ حَلَّ فِي ذَاتِ الْعَالِمِ الْعَارِفِ بِهِ وَاتَّحَدَ بِهِ، مَعَ الْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ أَنَّ نَفْسَ الْمَحْبُوبِ الْمَعْلُومِ بَايِنٌ عَنْ ذَاتِ الْمُحِبِّ رُوحِهِ وَبَدَنِهِ، لَمْ يَحُلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي ذَاتِ الْمُحِبِّ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ[الروم:27] وَقَالَ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ [الزخرف:84] وَقَالَ تَعَالَى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ[الأنعام:3]
فَالْمُؤْمِنُونَ يَعْرِفُونَ اللَّهَ وَيُحِبُّونَهُ وَيَعْبُدُونَهُ وَيَذْكُرُونَهُ وَيُقَالُ هُوَ فِي قُلُوبِهِم، وَالْمُرَادُ مَعْرِفَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ وَعِبَادَتُهُ، وَهُوَ الْمَثَلُ الْعِلْمِيُّ لَيْسَ الْمُرَادُ نَفْسَ ذَاتِهِ، كَمَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ لِغَيْرِهِ.
– الشيخ: ليس ليس.
– القارئ: لَيْسَ الْمُرَادُ نَفْسَ ذَاتِهِ، كَمَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ لِغَيْرِهِ: أَنْتَ فِي قَلْبِي، وَمَا زِلْتَ فِي قَلْبِي وَبَيْنَ عَيْنَي، وَيُقَالُ:
سَاكِــــــــنٌ فِـــــــــــي الْقَلْـــــــــبِ يَعْمُـــرُهُ لَسْــــــــــــــــــتُ أَنْسَـــــــــــاهُ فَأَذْكُــــــــــــــــرُهُ
وَيُقَالُ:
إِنَّ بَيْتــــــــــاً أَنْـــــــــتَ سَاكِنُـــــــــــــــــــــــــهُ غَيْــــــــــــرُ مُحْتَـــــــــاجٍ إِلَـــــــــــى السُّــــــــرُجِ
وَمِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ:
وَمِــــــــنْ عَجَبٍ أَنِّي أَحِـــــنُّ إِلَيْهِـــمُ وَأَسْأَلُ عَنْهُمْ مَنْ لَقِيتُ وَهُمْ مَعِي
وَتَطْلُبُهُمْ عَيْنِي وَهُمْ فِي سَوَادِهَا وَيَشْتَاقُهُمْ قَلْبِي وَهُمْ بَيْنَ أَضْلُعِـي
وَقَالَ:
مِثَالُكَ فِي عَيْنِي وَذِكْرُكَ فِي فَمِــــي وَمَثْوَاكَ فِي قَلْبِـــي فَأَيْنَ تَغِيــــــــبُ؟
– الشيخ: هذه الأبيات تقدّمت ها؟
– القارئ: نعم بعضها أحسن الله إليك.
– الشيخ: أي نعم.
– القارئ: وَالْمَسَاجِدُ: هِيَ بُيُوتُ اللَّهِ الَّتِي فِيهَا يَظْهَرُ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ[النور:35] قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ -رضيَ اللهُ عنهُ-: مَثَلُ نُورِهِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ. ثُمَّ قَالَ: نُورٌ عَلَى نُورٍ[النور:35] ثُمَّ قَالَ: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ[النور:36] فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ نُورَهُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي بُيُوتِهِ، كَذَلِكَ مَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْأُولَى.
وأَمَّا الْإِتْيَانُ وَالْمَجِيءُ وَالتَّجَلِّي فَعِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ يَقُولُ اللَّهُ لِمُوسَى: إِنِّي آتِي إِلَيْكَ فِي غِلَظِ الْغَمَامِ لِكَيْ يَسْمَعَ الْقَوْمُ مُخَاطَبَتِي لَكَ، ثُمَّ قَوْلُهُ: اجْمَعْ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَخُذْهُم إلَى خِبَاءِ الْعَرَبِ يَقِفُونَ مَعَكَ حَتَّى
– الشيخ: جت [أتت] العرب هالمرَّة؟
– القارئ: نعم -أحسن الله إليك-، يَقِفُونَ مَعَكَ حَتَّى أُخَاطِبَهُم.
وَفِي السِّفْرِ الرَّابِعِ لَمَّا تكَلَّمَ مَرْيَمَ وَهَارُونَ فِي مُوسَى.
– الشيخ: لما تكلَّم؟
– القارئ: لمّا
– الشيخ: وفي وفي؟
– القارئ: وَفِي السِّفْرِ الرَّابِعِ لَمَّا تكَلَّمَ.
– الشيخ: وش عندك؟
– القارئ: مريمُ وهارونُ في موسى، ما أدري ما أجت معي.
– الشيخ: ما هو مضبوط.
– طالب: كُلِّمَ.
– الشيخ: لا لا بس اتركه اتركه عبارة ما هي مفهومة.
– القارئ: حين، العبارة المذكورة في السِفْر هي بعدها، (حِينَئِذٍ تَجَلَّى اللَّهُ بِعَمُودِ الْغَمَامِ قَائِمًا عَلَى بَابِ الْخِبَاءِ وَنَادَى يَا هَارُونُ وَيَا مَرْيَمُ، فَخَرَجَا كِلَاهُمَا فَقَالَ: اسْمَعَا كَلَامِي إِنِّي أَنَا اللَّهُ فِيمَا بَيْنَكُم).
وَفِي الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ: (إِنْ أَصْعَدْتَ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِهِمْ بِقُدْرَتِكَ، فَيَقُولُونَ لِأَهْلِ هَذِهِ الْأَرْضِ الَّذِينَ سَمِعُوا أَنَّكَ اللَّهُ فِيمَا بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ يَرَوْنَهُ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَغَمَامُكَ يُقِيمُ عَلَيْهِم، وَبِعَمُودِ غَمَامٍ يَسِيرُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ نَهَارًا وَبِعَمُودِ نَارٍ، وبعمودٍ نارٍ.
– الشيخ: بعمودِ نارٍ ليلاً، أيش مرّت هذه نعم بعده.
– القارئ: وَفِي السِّفْرِ الْخَامِسِ قَوْلُ مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: (لَا تَهَابُوهُمْ وَلَا تَخَافُوهُم، لِأَنَّ اللَّهَ رَبَّكُمُ السَّائِرَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ هُوَ يُحَارَبُ عَنْكُم).
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ مُوسَى: (إِنَّ الشَّعْبَ هُوَ شَعْبُكَ، فَقَالَ: يَا مُوسَى أَنَا أَمْضِي أَمَامَكَ فَارْتَحِلْ، فَقَالَ: إِنْ لَمْ تَمْضِ أَنْتَ مَعَنَا وَإِلَّا فَلَا تُصْعِدْنَا مِنْ هَاهُنَا، وَكَيْفَ أَعْلَمُ أَنَا وَهَذَا الشَّعْبُ أَنِّي وَجَدْتُ أَمَامَكَ نِعْمَةَ كَذَا بِعِلْمِكَ إِلَّا بِسَيْرِكَ مَعَنَا؟).
وَفِي الْمَزْمُورِ الرَّابِعِ مِنَ الزَّبُورِ عِنْدَهُمْ يَقُولُ: (وَلِيُفْرِحَ الْمُتَّكِلُونَ عَلَيْكَ إِلَى الْأَبَدِ وَيَبْتَهِجُونَ وَيَحُلُّ فِيهِمْ وَيَفْتَخِرُونَ) فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَحُلُّ فِي جَمِيعِ الصِّدِّيقِينَ، أَيْ مَعْرِفَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ، فَإِنَّ.
– الشيخ: يعني معرفتُه ومحبَّته هي الحالَّةُ هي الحالَّةُ لا ذاتُ الربِّ، فالذي يَحُلُّ في قلوب العارفين والمؤمنين والأنبياء والصالحين هي معرفته سبحانه وتعالى ومحبّته، والإيمان به لا ذاتُهُ فهو تعالى لا يحلُّ في ذاته في شيء من مخلوقاته.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَحُلُّ فِي جَمِيعِ الصِّدِّيقِينَ، أَيْ مَعْرِفَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ، فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ ذَاتَ اللَّهِ لَمْ تَحُلَّ فِي الصِّدِّيقِينَ، وَكَذَلِكَ فِي رَسَائِلِ يُوحَنَّا الْإِنْجِيلِيِّ: (إِذَا أَخْفَا بَعْضُنَا بَعْضًا.
– الشيخ: إذا أيش؟
– القارئ: إِذَا أَخْفَا بَعْضُنَا بَعْضًا.
– الشيخ: أخفى ولا يخاف؟
– القارئ: هي أخفا حاطها بالألف الممدودة.
– الشيخ: عندكم أخفى؟
– الحضور: أخفا بس هذه ممدودة هي مقصورة.. حاطين ألف ممدودة ما هي أخفى ألف مقصورة [….]
– الشيخ: إخفاء.
– طالب: في نسخة بألف مقصورة.
– الشيخ: أخفى بعضكم؟
– القارئ: يقول الشيخ علي بدون نقطة إذا أحفى يعني كذا.
– طالب: في نسخة عندنا مكتوب إذا أحفى بدون نقطة.
– الشيخ: "أحفى" بعضكم؟
– الحضور: نعم
– الشيخ: هذا أقرب
– القارئ: (إِذَا أَحْفَى بَعْضُنَا بَعْضًا نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يَلْبَثُ فِينَا) أَيْ مَحَبَّتُهُ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.
– طالب: هي أحفى
– الشيخ: أي نعم، نعم
– القارئ: قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى: فصلٌ: قَالُوا: وَقَالَ عَامُوصَ النَّبِيُّ: سَتُشْرِقُ الشَّمْسُ عَلَى الْأَرْضِ، وَيَهْتَدِي بِهَا الضَّالُّونَ وَيَضِلُّ عَنْهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ، قَالُوا: فَالشَّمْسُ هُوَ السَّيِّدُ الْمَسِيحُ.
– الشيخ: إلى آخره بس كفاية.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ.
– الشيخ: الله المستعان، الحمد لله الّذي هدانا وأغنانا، أغنانا بكتابه وبهديِّ نبيِّه والحمد لله ربِّ العالمين.