بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس الثّاني والتّسعون
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ: فيقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ (الجوابُ الصحيحُ لمَن بدَّلَ دينَ المسيحِ).
– الشيخ: دينُ المسيح هو دينُ الإسلام القائم على التّوحيد، وهؤلاء بدّلوه بالشّرك؛ فاتّخذوا المسيح وأمّه إلهين مِن دون الله، وهذا أعظم تبديل وأقبح تبديل، بدّلوا التوحيد بالشرك، (وإذا قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلتَ للناسِ اتّخذوني وأمي إلهينَ من دونِ اللهِ قالَ سبحانَكَ ما..) إلى قوله: (ما قلْتُ لهم إلّا ما أمرتني به أنْ اعبدُوا اللهَ ربّي وربّكم).
وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربّ وربّكم إنّه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنّة، لقد كفر الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة، فهذه صورة التبديل.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى:
فصلٌ: قَالُوا: وَقَالَ عَامُوصَ النَّبِيُّ: سَتُشْرِقُ الشَّمْسُ عَلَى الْأَرْضِ، وَيَهْتَدِي بِهَا الضَّالُّونَ وَيَضِلُّ عَنْهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ.
قَالُوا: فَالشَّمْسُ هُوَ السَّيِّدُ الْمَسِيحُ، وَالضَّالُّونَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا بِهِ هُمُ النَّصَارَى.
– الشيخ: لا، ما يصير الضالّون هم الّذين اهتدوا به!
– القارئ: إي نعم.
– طالب: … الّذين اهتدوا به.
– الشيخ: [ما] هو؟
– القارئ: في في قولِهم: ويهتدي بها الضالّون، سَتُشْرِقُ الشَّمْسُ عَلَى الْأَرْضِ، وَيَهْتَدِي بِهَا الضَّالُّونَ.
– الشيخ: ويستدلُّ بها الضالّون.
– القارئ: نعم أحسنَ اللهُ إليكَ.
– الشيخ: يقول أيش يقول؟
– القارئ: ثمّ قالَ: قالُوا: فَالشَّمْسُ هُوَ السَّيِّدُ الْمَسِيحُ، وَالضَّالُّونَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا بِهِ هُمُ النَّصَارَى الْمُخْتَلِفَةُ.
– الشيخ: أها.
– طالب: في نسخة "الذين" ساقطة، الضالون اهتدوا.
– الشيخ: لا لا بس هو الذين ماشي …
– القارئ: قَالُوا: فَالشَّمْسُ هُوَ السَّيِّدُ الْمَسِيحُ، وَالضَّالُّونَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا بِهِ هُمُ النَّصَارَى الْمُخْتَلِفَةُ أَلْسِنَتُهُم، الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِ عَابِدِينَ الْأَصْنَامَ وَضَالِّينَ عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تعالى، فَلَمَّا أَتَوْهُمُ التَّلَامِيذُ وَأَنْذَرُوهُمْ بِمَا أَوْصَاهُمُ السَّيِّدُ الْمَسِيحُ فَتَرَكُوا عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَاهْتَدَوْا بِاتِّبَاعِهِمُ السَّيِّدَ الْمَسِيحَ.
فَيُقَالُ: هَذَا مِمَّا لَا يُنَازِعُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ، وَإِنَّمَا يُنَازِعُ فِي مِثْلِ هَذَا وَأَمْثَالِهِ الْيَهُودُ الْمُكَذِّبُونَ لِلْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا يُنَازِعُ كُفَّارُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَيُؤْمِنُونَ بِجَمِيعِ كُتُبِ اللَّهِ تعالى وَرُسُلِهِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ، وَأَنَّ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَشْرَقَ نُورُهُ عَلَى الْأَرْضِ! كَمَا أَشْرَقَ قَبْلَهُ نُورُ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَأَشْرَقَ بَعْدَهُ نُورُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
– الشيخ: اللّهم صلِّ عليهم أجمعين اللّهم صلِّ عليهم أجمعين الله أكبر، نعم رسل الله نعم.
– القارئ: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا أيُّها النَّبيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:45-46]
فَسَمَّاهُ اللَّهُ تعالى سِرَاجًا مُنِيرًا، وَسَمَّى الشَّمْسَ سِرَاجًا وَهَّاجًا، وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ أَكْمَلُ مِنَ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، فَإِنَّ الْوَهَّاجَ لَهُ حَرَارَةٌ تُؤْذِي، وَالْمُنِيرَ يُهْتَدَى بِنُورِهِ مِنْ غَيْرِ أَذًى بِوَهَجِهِ.
وَقَالَ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157]
– الشيخ: وكلّ كتب الله موصوفة كلّ كتب الله موصوفة بأنّها هدى ونور، جاء هذا في القرآن والتوراة والإنجيل، إنّا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور، إنّا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور، وهكذا قال في الإنجيل: ومصدِّقاً لما بين يدي، وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدِّقاً لما بين يديه من التوراة.
ولكن سبحان الله في التوراة والإنجيل قال: فيه هدى ونور، وأمّا القرآن فسمّاه نوراً، سمّى الله القرآن نوراً وسمّاه هدىً لم يقل فيه هدى، لاحظ بل سمّاه هدىً ونوراً حتّى إنّ قوله تعالى: ذلك الكتاب لا ريب فيه، الصواب أنّ الوقوف هنا، لا ريب فيه، وعندي أنّه غلط أن أن يقال أنّ الوقف على لا ريب، فيه هدى لأ، الصواب الّتي تشهد له الآيات أنّ الوقف الصحيح على فيه، لا ريب فيه ثمّ قال هدىً فهو موصوف بأنّه لا ريب فيه وأنّه هدىً.
وبهذا نعلم أنّه لم يأت في القرآن فيما أذكر الآن ليس في القرآن وصف القرآن بأنّ فيه، بل فيه الإخبار أنّه الهدى وأنّه نور، وهذا أبلغ في وصفه ممّا قيل فيه ممّا قيل فيه: فيه هدىً ونور، فيه هدىً ونور. فما قيل أنّه إنّه هو هدىً ونورٌ أكمل ممّا قيل فيه: فيه هدىً وفيه نورٌ.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، وَقَالَ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52] صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ [الشورى:53]
وَالْمُسْلِمُونَ مُقِرُّونَ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِدِينِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّذِي لَمْ يُغَيِّرْ وَلَمْ يُبَدِّل.
– الشيخ: لم يُغَيَّر.
– القارئ: عندي مضبوطة كذا.
– الشيخ: دين المسيح الذي لم يُغيَّر ماشي.
– القارئ: وَالْمُسْلِمُونَ مُقِرُّونَ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِدِينِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّذِي لَمْ يُغَيَّرْ وَلَمْ يُبَدَّل، فَإِنَّهُ اهْتَدَى بِالْمَسِيحِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّهُ ضَالٌّ، بَلْ كَافِرٌ.
– الشيخ: الّذي يظهر أنّه على ما قلته لم يُغَيَّر.. دين المسيح الّذي لم يُغَيَّر ولم يُبَدَّل نعم نعم.
– القارئ: كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران:55-57]
وَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف:14]
وَقَوْلُهُ: سَتُشْرِقُ الشَّمْسُ عَلَى الْأَرْضِ وَيَهْتَدِي بِهَا الضَّالُّونَ وَيَضِلُّ عَنْهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ يُنَاسِبُ قَوْلَهُ فِي التَّوْرَاةِ: جَاءَ اللَّهُ مِنْ طُورِ سَيْنَا وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ، وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَلِ فَارَانَ.
– الشيخ: واستعلَن واستعلَن، عندك استعلى؟
– القارئ: لا؛ واستعلَنَ.
– الشيخ: واستعلن.
– الحضور: واستعلن.
– الشيخ: تمام.
– القارئ: أي أحسنَ اللهُ إليكَ، وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ، وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جبل فاران من جِبَالِ فَارَانَ، فَإِنَّ إِشْرَاقَهُ مِنْ سَاعِيرَ هُوَ ظُهُورُ نُورِهِ بِالْمَسِيحِ، كَمَا أَنَّ مَجِيئَهُ مِنْ طُورِ سَيْنَا: هُوَ ظُهُورُ نُورِهِ بِمُوسَى، وَاسْتِعْلَانُهُ مِن جِبَالِ فَارَانَ هُوَ ظُهُورُ نُورِهِ بِمُحَمَّدٍ.
وَبِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ أَقْسَمَ اللَّهُ تعالى فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [التين:1]
فَبَلَدُ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ هِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ الَّتِي بُعِثَ مِنْهَا الْمَسِيحُ، وَكَانَ بِهَا أَنْبِيَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأُسْرِيَ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهَا وَظَهَرَتْ بِهَا نُبُوَّتُهُ.
وَطُورُ سِينِينَ الْمَكَانُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ تعالى فِيهِ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عليهِ السلامُ.
– الشيخ: الله أكبر نعم.
– القارئ: وَهَذَا الْبَلَدُ الْأَمِينُ هُوَ بَلَدُ مَكَّةَ الَّتِي بَعَثَ.
– الشيخ: وهذا البلدُ الأمين ولا وهذا البلدِ الأمين؟
– القارئ: ليست الآية جايبها [أحضرها]على أنّها كلامه.
– الشيخ: زين.. بعده.
– القارئ: هُوَ بَلَدُ مَكَّةَ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ مِنْهُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ.
قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى: فصلٌ.
– الشيخ: وهذا البلد البلد، عندكم كذا هذا البلدُ الأمين؟ ما في نسخة والبلد الأمين؟ والبلد الأمين؟ نعم بعده.
– القارئ: إلّا إذا كان يُقصَدُ فيها الآية.
– الشيخ: كأنّه لأنّه كان يريد نفس البلد قال: والبلد الأمين هو وكذا، لكن جابها: وهذا البلد الأمين، الأمر سهل.
– القارئ: أحسن الله إليكم، قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى: فصلٌ:
قَالُوا: وَقَالَ فِي السِّفْرِ الثَّالِثِ مِنْ أَسْفَارِ الْمُلُوكِ: (وَالْآنَ يَا رَبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ لِتَحقق كَلَامَكَ لِدَاوُدَ، لِأَنَّهُ حَقٌّ أَنْ يَكُونَ إِنَّهُ سَيَسْكُنُ اللَّهُ مَعَ النَّاسِ عَلَى الْأَرْضِ، اسْمَعُوا أَيَّتُهَا الشُّعُوبُ كُلُّكُم، وَلْتُنْصِتِ الْأَرْضُ، وَكُلُّ مَنْ فِيهَا، فَيَكُونُ الرَّبُّ عَلَيْهَا شَاهِدًا مِنْ بَيْتِهِ الْقُدُّوسِ، وَيَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعِهِ وَيَنْزِلُ وَيَطَأُ عَلَى مَشَارِيقِ الْأَرْضِ فِي شَأْنِ خَطِيئَةِ بَنِي يَعْقُوبَ هَذَا كُلُّه.
فَيُقَالُ هَذَا السِّفْرُ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ نَبِيٌّ، وَأَنَّ أَلْفَاظَهُ ضُبِطَتْ وَتُرْجِمَتْ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ تَرْجَمَةً مُطَابِقَةً، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُقَالُ فِيهِ مَا يُقَالُ فِي أَمْثَالِهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَهُم، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى اتِّحَادِهِ بِالْمَسِيحِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: (إِنَّ اللَّهَ سَيَسْكُنُ مَعَ النَّاسِ فِي الْأَرْضِ) لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَسِيحِ، إِذْ كَانَ الْمَسِيحُ لَمْ يَسْكُنْ مَعَ النَّاسِ فِي الْأَرْضِ، بَلْ لَمَّا أَظْهَرَ الدَّعْوَةَ لَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مُدَّةً قَلِيلَةً، وَلَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، وَقَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَظْهَرْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ دَعْوَى النُّبُوَّةِ فَضْلًا عَنِ الْإِلَهِيَّةِ، ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ فَلَمْ يَسْكُنْ مَعَ النَّاسِ فِي الْأَرْضِ.
وَأَيْضًا فَإِذَا قَالُوا: سُكُونُهُ هُوَ ظُهُورُهُ فِي الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قِيلَ لَهُم: أَمَّا الظُّهُورُ الْمُمْكِنُ الْمَعْقُولُ، فظُهُورِ مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَنُورِهِ وَذِكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ، فَهَذَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ.
وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا السُّكُونَ كَانَ بِالْمَسِيحِ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ بِالْمَسِيحِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَيْسَ فِي ظُهُورِهِ فِيهِ أَوْ حُلُولِ مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَمِثَالِهِ الْعِلْمِيِّ مَا يُوجِبُ اتِّحَادَ ذَاتِهِ بِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: (فَيَكُونُ الرَّبُّ عَلَيْهَا شَاهِدًا)، فَيُقَالُ أَوَّلًا شُهُودُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ حُلُولَهُ، أَوِ اتِّحَادَهُ بِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ، بَلْ هُوَ شَهِيدٌ عَلَى الْعِبَادِ بِأَعْمَالِهِمْ كَمَا قَالَ: ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ[يونس:46]
– الشيخ: نعم هو شهيد على أعمال عباده شهيد على العباد وهو في وهو في علوِّه سبحانه مستوٍ على عرشِه، لا يتوقَّفُ شهودُه على أعمالِ عبادِه وعلى كلِّ شيءٍ لا يتوقّف على نزوله إلى الأرض سبحانه وتعالى، فهو فوقَ سمواته على عرشِه وهو مطلع على أعمال عباده، كما جاء في الحديث في طرف الحديث: (والعرشُ فوقَ الماءِ واللهُ فوقَ العرشِ ويعلمُ ما أنتم عليهِ)
– القارئ: أحسن الله إليك، وَلَفْظُ النَّصِّ: (وَلْتُنْصِتِ الْأَرْضُ، وَكُلُّ مَنْ فِيهَا فَيَكُونُ الرَّبُّ عَلَيْهَا شَاهِدًا)، وَهَذَا كَمَا فِي التَّوْرَاةِ: أَنَّ مُوسَى عليه السلام لَمَّا خَاطَبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشْهَدَ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ لِأُمَّتِهِ لَمَّا بَلَّغَ النَّاسَ بِقَوْلِ: " أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَم، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اشْهَد. وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي هَذَا تَعَرُّضٌ لِكَوْنِ الْمَسِيحِ هُوَ اللَّهَ، وَقَدْ يُقَالُ أَيْضًا: لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ الرَّبِّ هُنَا هُوَ اللَّهُ.
وَقَدْ يُقَالُ أَيْضًا: لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ الرَّبِّ هُنَا هُوَ اللَّه، وَلَفْظُ الرَّبِّ يُرَادُ بِهِ السَّيِّدُ الْمُطَاعُ، وَقَدْ غَايَرَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، فَقَالَ هُنَاكَ: إِنَّهُ سَيَسْكُنُ اللَّهُ مَعَ النَّاسِ، فَقَالَ: فَيَكُونُ الرَّبُّ عَلَيْهم شَاهِدًا، فَيَكُونُ الرَّبُّ عَلَيْهَا شَاهِدًا، وَالْأَنْبِيَاءُ يَشْهَدُونَ عَلَى أُمَمِهِم، كَمَا قَالَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وأنتَ على كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌ[المائدة:117]
وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا[المزمل:15] وَقَالَ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا[النساء:41]
– الشيخ: اللَّهم صلِّ وسلِّم اللّهم صلِّ وسلِّم [على نبيّنا]..
– القارئ: وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ[النحل:89]
وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الرَّبُّ الشَّهِيدُ هُوَ الْمَسِيحُ، الَّذِي هُوَ النَّاسُوتُ، وَهُوَ الَّذِي جَاءَ مِن بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَخَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَنَزَلَ وَوَطِئَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ أَجْلِ خَطِيئَةِ بَنِي يَعْقُوبَ فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَخْطَأُوا وَبَدَّلُوا أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمُ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَطَاعَتِهِ، فَمَنْ آمَنَ بِهِ كَانَ سَعِيدًا مُسْتَحِقًّا لِلثَّوَابِ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ كَانَ شَقِيًّا مُسْتَحِقًّا لِلْعَذَابِ.
قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى: فصلٌ:
قَالُوا: وَقَالَ مِيخَا النَّبِيُّ: وَأَنْتَ وأنتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ قَرْيَةُ.
– الشيخ: إلى إلى آخره قف على هذا بس، الله المستعان، باقي في عرض أقول في فصول كذا ماشي؟
– القارئ: نعم.. يعرضُ ميخا النبيّ ثم حبقوق النبيّ ثمّ أشعيا النبيّ وأشعيا النبيّ وأشعيا النبيّ كذلك وأشعيا كذلك، ثمّ في آخر شي قال: ومثلُ هذا القولِ.
– الشيخ: الله المستعان، إي كلها يعني مناقشات لما يحتجون به ممّا يزعمون أنّه من كلام الأنبياء، يعني وما ينسبونه من أقوال للأنبياء، ومثلُ ما قالَ هذا يحتاجُ إلى إلى هذا أوَّل شي يحتاجُ إلى ثبوت، والشيخ هذه طريقته أوّلاً يقول يعني أوّل ما يُعترَضُ عليه أو يُطالَبُ به مسألةُ الثبوتِ، ثبوتُ هذا الكلامِ عن عن النبيّ المذكور.
ثمّ بعد ذلك الشيخ يتكلّم عن ما فيه من الاحتمالات وأنّه ليس ما ذكروه وتأوّلوه فيه ليس بمتعيّن، إلى هنا يا شيخ.