الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية/(95) تتمة فصل قول حبقوق النبي إن الله في الأرض يتراءى ويختلط مع الناس ويمشي معهم
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(95) تتمة فصل قول حبقوق النبي إن الله في الأرض يتراءى ويختلط مع الناس ويمشي معهم

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس الخامس والتّسعون

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ، نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ؛ فيقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "الجوابُ الصَّحيحُ لمَن بدَّلَ دينَ المسيحِ" يقولُ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:
وَلِهَذَا يَعْتَقِدُ كَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ يُكَلِّمُونَ اللَّهَ تعالى وَيُكَلِّمُهُم، وَيَقُولُ أَحَدُهُم: أَوْقَفَنِي، وَقَالَ لِي، وَقُلْتُ لَهُ. وَتَكُونُ مُخَاطَبَتُهُ وَمُنَاجَاتُهُ مَعَ هَذَا الْمِثَالِ الْعِلْمِيِّ بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الِاعْتِقَادِ فِي اللَّهِ تَعَالَى، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَتَمَثَّلُ لَهُ الشَّيْطَانُ وَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكَ، فَيُخَاطِبُهُ وَيَظُنُّهُ رَبَّهُ، وَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ. وَمِنْهُم: مَنْ يَرَى عَرْشًا عَلَيْهِ نُورٌ، أَوْ يَرَى مَا يَظُنُّهُ الْمَلَائِكَةَ وَهُمْ شَيَاطِينُ، وَذَلِكَ شَيْطَانٌ.
وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَظُنُّ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّهُ يَدْخُلُ إِلَى اللَّهِ تعالى بِلَا إِذْنٍ، خِلَافَ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْإِلَهُ الَّذِي يَعْتَقِدُهُ هُوَ الشَّيْطَانَ، وَالَّذِي لَا يَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ يُخَاطِبُ أَحَدُهُمْ مَنْ فِي قَلْبِهِ فَتُخَاطِبُهُ تِلْكَ الصُّورَةُ الْعِلْمِيَّةُ
– الشيخ:
يعني الصُّورَةُ الْعِلْمِيَّةُ الخياليَّة.
 
– القارئ: وَيُقَدِّرُ أَنَّهَا تُخَاطِبُهُ، وَيَظُنُّ ذَلِكَ مُخَاطَبَةَ الْحَقِّ لَهُ.
وَهَذَا كَالرَّجُلِ يَذْكُرُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَيُمَثِّلُهُ فِي قَلْبِهِ وَيُخَاطِبُهُ مُخَاطَبَةَ مَنْ يُعَاتِبُهُ أَوْ يَعْتَذِرُ إِلَيْهِ، وَيُقَدِّرُ خِطَابَ تِلْكَ الصُّورَةِ، وَيَقُولُ: قُلْتُ لَكَ كَذَا، وَقُلْتَ لِي كَذَا.
وَنَفْسُ الشَّخْصِ لَا يُكَلِّمُهُ وَلَا يَسْمَعُ كَلَامَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ الْمِثَالُ، كَمَا قَدْ يُصَوِّرُ صُورَةَ الْإِنْسَانِ وَيُخَاطِبُهَا الْإِنْسَانُ، وَيُقَدِّرُ ذَلِكَ مُخَاطَبَةً لِصَاحِبِ الصُّورَةِ.
وَالنَّصَارَى أَدْخَلُ فِي هَذَا مِنْ غَيْرِهِم، فَإِنَّهُمْ يُخَاطِبُونَ الصُّوَرَ الْمُمَثَّلَةَ فِي الْكَنَائِسِ كَصُورَةِ مَرْيَمَ، وَالْمَسِيحِ وَالْقِدِّيسِينَ، وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا نَقْصُدُ خِطَابَ أَصْحَابِ تِلْكَ الصُّوَرِ نَسْتَشْفِعُ بِهِم.
وَهَذَا مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ تعالى عَلَى أَلْسُنِ جَمِيعِ النَّبِيِّينَ، وَلَمْ يَشْرَعْ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْعُوَ الْمَلَائِكَةَ، وَلَا الْأَنْبِيَاءَ وَلَا الصَّالِحِينَ الْأَمْوَاتَ، فَكَيْفَ بِالصُّوَرِ الْمُمَثِّلَةِ لَهُم، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ كَثِيرًا مَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ النَّاسِ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ مَنْ ذَكَرَ ظُهُورَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْمُرَادُ بِهِ ظُهُورُهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالذِّكْرِ.
وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ يُقْصَدُ بِذِكْرِ اسْمِهِ ذِكْرُ الْمُسَمَّى صَارَ يَقُولُ -مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى-: وأنَّ الْمُرَادَ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْمِ هُوَ الْمُسَمَّى، لَا أَنَّ نَفْسَ اللَّفْظِ هُوَ الْمُسَمَّى، فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ، وَتَنْزِيهُ الِاسْمِ وَتَسْبِيحُهُ تَنْزِيهٌ لِلْمُسَمَّى وَتَسْبِيحٌ لَهُ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1] وَقَالَ: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] وَقَالَ: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:78]
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
"لَا تَقُومُ الْقِيَامَةُ حَتَّى لَا يُعْبَدَ لِلَّهِ اسْمٌ"
– الشيخ: وش [ماذا] قال عليه التعليق؟
– القارئ: قال: أخرجه أحمد -في التحقيق- أخرجه أحمد واللالكائي في اعتقادِ أهلِ السُّنة عن أبي سعيدٍ الخدريِّ -رضي الله عنه- مرفوعاً "لَتَضْرِبَنَّ مصرُ عِبَادَ اللهِ، حَتَّى لَا يُعْبَدَ لِلَّهِ اسْمٌ، وَلَيَضْرِبَنَّهُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى لَا يَمْنَعُوا ذَنَبَ تَلْعَةٍ" أو كذا.
– طالب
: عندنا مُضَر.
– الشيخ: بدل مِصر يعني.
– القارئ: نعم، أحسنَ الله إليك، عندي مِصر هنا، وفي إسناده مُجالِد بن سعيد، وهو ضعيف.
 وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
"لَا تَقُومُ الْقِيَامَةُ حَتَّى لَا يُعْبَدَ لِلَّهِ اسْمٌ"، أَيْ لَا يُعْبَدَ اللَّهُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا قِيلَ: دَعَوْتُ اللَّهَ وَعَبَدْتُهُ، فَإِنَّمَا فِي اللَّفْظِ الِاسْمُ، وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْمُسَمَّى.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَفْسِيرِ ظُهُورِ اللَّاهُوتِ فِي الْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ ظُهُورُ مَا فِي الْقُلُوبِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ تعالى وَمَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَذِكْرِهِ وَنُورِهِ وَهُدَاهُ وَرُوحِهِ، هُوَ مِمَّا يُفَسِّرُ بِهِ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ النَّصَارَى، فَإِنَّهُمْ يُفَسِّرُونَ اتِّحَادَ اللَّاهُوتِ بِالنَّاسُوتِ بِظُهُورِ اللَّاهُوتِ فِيهِ كَظُهُورِ نَقْشِ الْخَاتَمِ فِي الشَّمْعِ وَالطِّينِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَالَّ فِي الشَّمْعِ وَالطِّينِ هُوَ مِثَالُ نَقْشِ الْخَاتَمِ لَا أَنَّ فِي الشَّمْعِ وَالطِّينِ شَيْئًا مِنَ الْخَاتَمِ، بَلْ ظَهَرَ فِيهِ نَقْشُ الْخَاتَمِ.
وَكَذَلِكَ يَظْهَرُ نُورُ اللَّهِ تعالى وَرُوحُهُ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمَسِيحُ –صلى الله عَلَيْهِ وسلم-، بَلْ يَشْتَرِكُ هُوَ فِيهِ وَسَائِرُ الرُّسُلِ، بَلْ وَكُلُّ مُؤْمِنٍ لَهُ مِنْ هَذَا نَصِيبٌ بِحَسَبِ إِيمَانِهِ.
فَصْلٌ
قَالُوا: وَقَالَ أَشْعِيَا النَّبِيُّ: هَا هِيَ الْعَذْرَاءُ تَحْبُلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَيُدْعَى اسْمُهُ عِمَّانُوِيلَ.
وَعِمَّانُوِيلُ: كَلِمَةٌ عِبْرَانِيَّةٌ تَفْسِيرُهَا بِالْعَرَبِيِّ "إِلَهُنَا مَعَنَا" فَقَدْ شَهِدَ النَّبِيُّ أَنَّ مَرْيَمَ، وَلَدَتِ اللَّاهُوتَ الْمُتَّحِدَ بِالنَّاسُوتِ كِلَاهُمَا.
فَيُقَالُ: لَيْسَ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتِ اللَّاهُوتَ الْمُتَّحِدَ بِالنَّاسُوتِ، وَأَنَّهَا وَلَدَتْ خَالِقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، بَلْ هَذَا الْكَلَامُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَوْلُودَ لَيْسَ هُوَ خَالِقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَإِنَّهُ قَالَ: تَلِدُ ابْنًا.
وَهَذَا نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ كَمَا يُقَالُ فِي سَائِرِ النِّسَاءِ: إِنَّ فُلَانَةً وَلَدَتِ ابْنًا، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ ابْنٌ مِنَ الْبَنِينَ، لَيْسَ هُوَ خَالِقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَيُدْعَى اسْمُهُ "عِمَّانُوِيلَ".
فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا اسْمٌ يُوضَعُ لَهُ، وَيُسَمَّى بِهِ كَمَا يُسَمِّي النَّاسُ أَبْنَاءَهُمْ بِأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ، أَوِ الصِّفَاتِ الَّتِي يُسَمُّونَهُمْ بِهَا.
وَمِنْ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ مَا يَكُونُ مُرْتَجَلًا ارْتَجَلُوهُ.
وَمِنْهَا مَا يَكُونُ جُمْلَةً يَحْكُونَهَا، وَلِهَذَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يُسَمِّي ابْنَهُ عِمَّانُوِيلَ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْعَذْرَاءُ الْمُرَادُ بِهَا غَيْرُ مَرْيَمَ، وَيَذْكُرُونَ فِي ذَلِكَ قِصَّةً جَرَت. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلِ الْمُرَادُ بِهَا مَرْيَمُ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَحَدَ مَعْنَيَيْنِ:
إِمَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ إِلَهَنَا مَعَنَا بِالنَّصْرِ وَالْإِعَانَةِ، فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا قَدْ خُذِلُوا بِسَبَبِ تَبْدِيلِهِم..
– الشيخ:
أعوذ بالله، نسأل الله العافية، نسأل الله العافية، لا إله إلا الله، قد خُذِلُوا.
 
– القارئ: نعم أحسن الله إليكم، كَانُوا قَدْ خُذِلُوا بِسَبَبِ تَبْدِيلِهِم، فَلَمَّا بُعِثَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْحَقِّ كَانَ اللَّهُ مَعَ مَنِ اتَّبَعَ الْمَسِيحَ، وَالْمَسِيحُ نَفْسُهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُم، بَلْ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ وَلَكِنَّ اللَّهَ تعالى كَانَ مَعَ مَنِ اتَّبَعَهُ بِالنَّصْرِ وَالْإِعَانَةِ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف:14] وَقَالَ تَعَالَى: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [آل عمران:55]
وَهَذَا أَظْهَرُ، وَإِمَّا أَن يَكُونَ يُسَمَّى الْمَسِيحُ إِلَهًا، كَمَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ يُسَمَّى مُوسَى إِلَهَ فِرْعَوْنَ، أَيْ هُوَ الْآمِرُ النَّاهِي لَهُ الْمُسَلَّطُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ حَرَّفَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ، فَقَالَ: مَعْنَاهَا: اللَّهُ مَعَنَا، فَقَالَ -مَنْ رَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ عُلَمَائِهِمْ يُقَالُ لَهُم-: أَهَذَا هُوَ الْقَائِلُ: أَنَا الرَّبُّ لَا إِلَهَ غَيْرِي، أَنَا أُمِيتُ وَأَنَا أُحْيِي، أَمْ هُوَ الْقَائِلُ لِلَّهِ: إِنَّكَ أَنْتَ الْإِلَهُ الْحَقُّ وَحْدَكَ وَالَّذِي أَرْسَلْتَ يَسُوعَ الْمَسِيحَ؟ وَإِذَا كَانَ الْأَوَّلُ بَاطِلًا، وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي شَهِدَ بِهِ الْإِنْجِيلُ، وَجَبَ تَصْدِيقُ الْإِنْجِيلِ، وَتَكْذِيبُ مَنْ كَتَبَ فِي الْإِنْجِيلِ أَنَّ "عِمَّانُوِيلَ" وَتَأْوِيلَهُ: (اللَّهُ مَعَنَا)، بَلْ تَأْوِيلُ عِمَّانُوِيلَ: (مَعَنَا إِلَهٌ)، وَلَيْسَ الْمَسِيحُ مَخْصُوصًا بِهَذَا الِاسْمِ، بَلْ عِمَّانُوِيلُ اسْمٌ يُسَمَّي بِهِ النَّصَارَى، وَالْيَهُودُ مِنْ قَبْلِ النَّصَارَى.
وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي عَصْرِنَا هَذَا، فِي أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ سَمَّاهُ أَبُوهُ عِمَّانُوِيلَ يَعْنِي (شَرِيفَ الْقَدْرِ) وَكَذَلِكَ السُّرْيَانُ أَكْثَرُهُمْ يُسَمُّونَ أَوْلَادَهُمْ عِمَّانُوِيلَ.
قُلْتُ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ تعالى مَعَ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ وَالْمُقْسِطِينَ بِالْهِدَايَةِ، وَالنَّصْرِ، وَالْإِعَانَةِ، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ فِي الدُّعَاءِ: اللَّهُ مَعَكَ، فَإِذَا سُمِّيَ الرَّجُلُ بِقَوْلِ: (اللَّهُ مَعَكَ) كَانَ هَذَا تَبَرُّكًا بِمَعْنَى هَذَا الِاسْمِ، وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ الْمَسِيحَ سُمِّيَ اللَّهَ مَعَنَا أَوْ إِلَهَنَا مَعَنَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ اللَّهَ تعالى مَعَ مَنِ اتَّبَعَ الْمَسِيحَ وَآمَنَ بِهِ، فَيَكُونُ اللَّهُ تعالى هَادِيَهُ وَنَاصِرَهُ وَمُعِينَهُ.
قال رحمه الله تعالى: قَالُوا: وَقَالَ أَشْعِيَا أَيْضًا: إِنَّ غُلَامًا وُلِدَ لَنَا، وَابْنًا أُعْطِيَنَاهُ، الَّذِي رِيَاسَتُهُ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَبَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، وَيُدْعَى: اسْمُهُ مَلِكًا، عَظِيمَ الْمِشْيَةِ مُسَيِّرًا عَجِيبًا، إِلَهًا قَوِيًّا مُسَلَّطًا رَئِيسَ السَّلَامَةِ فِي كُلِّ الدُّهُورِ، وَسُلْطَانُهُ كَامِلٌ لَيْسَ لَهُ فَنَاءٌ.
– الشيخ:
نكتفي بهذا القدر [فقط].
– القارئ: هو صفحة وحدة.
– الشيخ:
نعم، أكمله [فقط].
 
– الشيخ: فَيُقَالُ: لَيْسَ فِي هَذِهِ الْبِشَارَةِ دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَسِيحَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى مَطْلُوبِهِم، بَلْ قَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ بِهَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّهُ الَّذِي رِيَاسَتُهُ عَلَى عَاتِقَيْهِ، وَبَيْنَ مَنْكِبَيْهِ مِنْ جِهَتَيْنِ:
مِنْ جِهَةِ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ عَلَى بَعْضِ كَتِفَيْهِ، وَهُوَ عَلَامَةٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ الَّذِي أَخْبَرَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، وَعَلَامَةُ خَتْمِهِم.
وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ بُعِثَ بِالسَّيْفِ الَّذِي يَتَقَلَّدُ بِهِ عَلَى عَاتِقِهِ وَيَرْفَعُهُ، إِذَا ضَرَبَ بِهِ عَلَى عَاتِقِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (مُسَلَّطٌ رَئِيسٌ قَوِيُّ السَّلَامَةِ).
وَهَذِهِ صِفَةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُؤَيَّدِ الْمَنْصُورِ الْمُسَلَّطِ رَئِيسِ السَّلَامَةِ، فَإِنَّ دِينَهُ الْإِسْلَامُ، وَمَنِ اتَّبَعَهُ سَلِمَ مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ، وَمِنَ اسْتِيلَاءِ عَدُوِّهُ عَلَيْهِ.
وَالْمَسِيحُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمْ يُسَلَّطْ عَلَى أَعْدَائِهِ، كَمَا سُلِّطَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بَلْ كَانَ أَعْدَاؤُهُ بِحَيْثُ يَقْدِرُونَ عَلَى صَلْبِهِ، وَعِنْدَ النَّصَارَى قَدْ صَلَبُوهُ، وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَلْقَى اللَّهُ شَبَهَهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَصُلِبَ ذَاكَ الْمُشَبَّهُ، فَبِهَذِهِ الطَّرِيقِ دَفَعَ اللَّهُ الصَّلْبَ عَنْهُ لَا بِقَهْرِ أَعْدَائِهِ، وَإِهْلَاكِهِمْ وَذُلِّهِمْ لَهُ، كَمَا نَصَرَ اللَّهُ تعالى.
– الشيخ:
فَبِهَذِهِ الطَّرِيقِ دَفَعَ اللَّهُ الصَّلْبَ عَنْهُ، أي، لَا بِقَهْرِ أَعْدَائِهِ، وش بعده؟
– القارئ: وَإِهْلَاكِهِمْ وَذُلِّهِمْ لَهُ.
– الشيخ:
لا، له.
– القارئ: وَإِهْلَاكِهِمْ وَذُلِّهِمْ لَهُ.
– الشيخ:
لا، لَا بِقَهْرِ أَعْدَائِهِ، أي يمكن وذلُّهم، أعدائهم، لَا بِقَهْرِ أَعْدَائِهِ وَإِهْلَاكِهِمْ وَذُلِّهِمْ لَهُ، يعني وخضوعهم له، نعم تمشي.
 
– القارئ: لَا بِقَهْرِ أَعْدَائِهِ وَإِهْلَاكِهِمْ وَذُلِّهِمْ لَهُ كَمَا نَصَرَ اللَّهُ تعالى مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَعْدَائِهِ.
وَقَالَ: (فِي كُلِّ الدُّهُورِ سُلْطَانُهُ كَامِلٌ لَيْسَ لَهُ فَنَاءٌ)، وَهَذَا صِفَةُ خَاتَمِ الرُّسُلِ الَّذِي لَا يَأْتِي بَعْدَهُ نَبِيٌّ يَنْسَخُ شَرْعَهُ، وَسُلْطَانُهُ بِالْحُجَّةِ وَالْيَدِ، كَامِلٌ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِشَرْعٍ آخَرَ، وَشَرْعُهُ ثَابِتٌ بَاقٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ.
قال رحمه الله تعالى: فَصْلٌ.
قَالُوا: وَقَالَ أَشْعِيَا أَيْضًا..
– الشيخ
: إلى هنا.
– القارئ: أحسن الله إليكم.
– الشيخ:
اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا، نعم يا شيخ.
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :