الرئيسية/فتاوى/ليس من السنة إطالة الوقوف عند القبور للدعاء في الزيارة أو بعد دفن الميت
share

ليس من السنة إطالة الوقوف عند القبور للدعاء في الزيارة أو بعد دفن الميت

السؤال :

هناك مَن يرى أنّ السّنّة عدم الإطالة في الدّعاء عند قبر الميت عند دفنه، فما ترون في ذلك؟ حفظكم الله.

فيقول الله تعالى: لَّقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرجُوا ٱللَّهَ وَاليَومَ الأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]، وقد سنَّ النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- زيارة القبور بقوله وفعله، وقال: (كنتُ نهيتُكم عن زيارةِ القبورِ، فزوروها؛ فإنّها تذكّركم الآخرةَ)، وكان يُعلِّمُ أصحابه إذا زاروا القبور أن يدعوا لهم، كما في حديث عائشة في صحيح مسلم وغيره أن النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنّ جبريلَ أتاني فقال: إنّ ربّكَ يأمُرُكَ أنْ تأتيَ أهلَ البقيعِ فتستغفرَ لهم. قالت: قلتُ: فكيفَ أقولُ يا رسولَ الله؟ قالَ: قولي: السّلامُ على أهلِ الدّيارِ مِن المؤمنينَ والمسلمينَ، ويرحمُ اللهُ المُستقدمينَ مِنّا والمُستأخِرين، وإنّا إنْ شاءَ اللهُ بِكم للاحقونَ).
وفي صحيح مسلم عن عائشة، أنّها قالت: كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-  كلما كان ليلتها مِن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج مِن آخر الليل إلى البقيع، فيقول: (السّلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤمنينَ، وأتاكُم ما توعدونَ غدًا مؤجَلونَ، وإنّا إنْ شاءَ اللهُ بكم لاحقونَ، اللهمّ اغفرْ لأهلِ بقيعِ الغَرْقَدِ).
وفي صحيح مسلم عن بريدة أنّ النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- يُعلِّمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: (السّلام عليكم أهل الدّيار مِن المؤمنين والمسلمين، وإنّا إن شاء الله للاحقون، أسألُ الله لنا ولكم العافية).
وعند التّرمذي وحسَّنه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (مرَّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بقبور أهل المدينة، فأقبل عليهم بوجهه، فقال: السّلام عليكم يا أهل القبور، ويغفر الله لنا ولكم، أنتم لنا سلف، ونحن بالأثر).
دلّت هذه الأحاديث على مشروعيّة زيارة القبور، والدّعاء لأهلها بهذه الأدعية، والسّنّة في الأدعية والعبادات والأذكار المتنوعة: التنويعُ لا الجمع؛ كما في أنواع الأذان، والاستفتاح في الصّلاة، والأدعية بعد التّشهّد وقبل السّلام.
وينبغي للزّائر الاقتصار على ما ورد، ولا تضرّ الزّيادة اليسيرة، فإنّ إطالة الدّعاء عند القبر أو القبور تستلزم إطالة الوقوف إلى ما يشبه العكوف، أو يؤدّي إلى العكوف، مما تخرج به الزّيارة عن السّنّة، وهكذا الوقوف على قبر الميت للاستغفار له، والدّعاء له بالثّبات، كما كان يفعله النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-، ويقول: لأصحابه: (استغفروا لأخيكم، واسألوا له التّثبيت؛ فإنّه الآن يسأل). أخرجه أبو داود عن عثمان رضي الله عنه.
وكان مِن هديه عليه الصّلاة والسّلام أنّه إذا دعا دعا ثلاثًا، وعلى هذا فلا تنبغي الإطالة عند القبر بعد دفن الميت؛ لأنّ ذلك خلاف هديه -صلّى الله عليه وسلّم- وهدي صحابته -رضي الله عنهم-؛ إذ لم ينقل عنهم الإطالة في هذا المقام، ولو وقع ذلك منهم لنُقِل ولابد.
وأمّا ما جاء عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنّه أوصى أهله أن يقيموا عند قبره قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها: فذلك اجتهاد منه -رضي الله عنه- ولم ينقل عن غيره مِن الصّحابة، وسنّة النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- أحق بالاتّباع، وخيرُ الهدي هدي محمّد صلّى الله عليه وسلّم. والله أعلم.

أملاه :
عبد الرّحمن بن ناصر البرّاك
في الخميس 29 المحرم 1437هـ