يطهرُ جلدُ ميتةٍ مأكول اللحم خاصة: بالدّباغ
يطهرُ جلدُ ميتةٍ بدباغ؛ لِمَا دلَّت عليه السُّنَّةُ المستفيضةُ عنه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، عن عددٍ مِن الصَّحابة -رضوانُ الله عليهم- فقد جاءَ في صحيحِ مسلمٍ: (إذا دُبِغَ الإهابُ فقد طَهُرَ) [1] وفي لفظٍ عندَ غيرِ مسلمٍ: (أيُّما إهابٍ دُبِغَ فقد طَهُرَ) [2]
ومِن ذلك: حديثُ قصّة شاة ميمونة، وفيها أنَّ النَّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (هلَّا أخذْتُم إهابَها، فدبغتموه، فانتفعتم به؟ فقالوا: إنها مِيِّتَةٌ، فقال: إنما حُرِّمَ أكلُها) [3]
والعلماءُ مختلفون في جلودِ الميتة، وتطهيرها، على مذاهب كثيرة [4] وأهمّها قولان:
أحدهما: أنَّ أيّ جلدٍ فإنّه يطهرُ بالدّباغ، مِن جلود مأكول اللحم، وغير مأكول اللحم[5]؛ لعموم قوله: (أيّما إهابٍ دُبِغَ فقد طَهُرَ)
والقول الآخر: أنّ ذلك يختصّ بمأكول اللحم [6]؛ لِمَا جاء في الرّوايات: (ذكاةُ الأديمِ دباغُه) [7] فالدّباغة لجلدِ الميتةِ بمثابةِ الذّكاة.
والمذهبُ: أنّ جلدَ الميتةَ لا يطهرُ بالدّباغ، ولكنّه إذا دُبغ أُبيح استعماله، في اليابسات[8] جمعًا بين هذه الأحاديث الدَّالة على طهارته واستعماله، وعلى ما جاء في حديث عبد الله بن عكيم، كتبَ إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قبل وفاته بشهر: (أنْ لا تنتفعوا مِن الميتةِ بإهابٍ ولا عصبٍ) [9]
والصَّواب: هو القول بأنّه طاهر، ويُباح استعماله في كلِّ شيءٍ؛ في اليابسات وفي المائعات، في المائعات: كاتخاذه سقاءً، وقربةً، وإداوة يُحمل فيها الماء، وأمّا اليابسات: كاستعماله فراشًا يُقعد عليه، أو حقيبةً تُوضع فيها الثّياب، ونحو ذلك.
ولكن هل ذلك خاصّ بميتة مأكول اللحم؟ أو هو عامّ في كلّ ميتة؟ الأظهرُ هو الأوّل؛ لِمَا جاءَ في الرّوايات مِن أنّ دباغَ الأديمِ ذكاته [10]
وله شاهد من حديث ابن عمر: أخرجه الدارقطني 121 حدثنا أبو بكر النيسابوري، نا محمد بن عقيل بن خويلد، نا حفص بن عبد الله، نا إبراهيم بن طهمان, عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر , قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال الدارقطني: إسناد حسن". وينظر: "نصب الراية" 1/115، "البدر المنير" 1/586، "التلخيص الحبير" 1/200، رقم 39، "غاية المرام" ص35، رقم 28.
قال الحاكم: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " ووافقه الذهبي.
وقال الحافظ في "التلخيص" 1/204، رقم 44: " إسناده صحيح، وقال أحمد: الجون لا أعرفه، وقد عرفه غيره، عرفه علي بن المديني، وروى عنه الحسن وقتادة، وصحح ابن سعد وابن حزم وغير واحد أن له صحبة"
وله شاهد من حديث أم المؤمنين عائشة: ذكاة الميتة دباغها أخرجه النسائي 4247 من طريق إسرائيل، عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود النخعي، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وقد أُعِلّ هذا الحديث بعلتين:
بالاضطراب: قال الترمذي: "سمعت أحمد بن الحسن يقول: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لما ذكر فيه قبل وفاته بشهرين، وكان يقول: كان هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ترك أحمد بن حنبل هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده، حيث روى بعضهم، فقال: عن عبد الله بن عكيم، عن أشياخ من جهينة" وينظر: "التهميد" لابن عبد البر 4/164
وبالانقطاع: قال أبو حاتم في "العلل" لابنه 1/591، رقم 127: " لم يسمع عبد الله بن عكيم من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو كتابه". وينظر: "نصب الراية" 1/120، و"البدر المنير" 1/587، و"التلخيص الحبير" 1/200، رقم 41، "إرواء الغليل" 1/76، رقم 41