الرئيسية/شروحات الكتب/مقدمة في أصول التفسير/(6) فصل في نوعي الاختلاف في التفسير قوله “فإذًا كان الحديث جاء من جهتين”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(6) فصل في نوعي الاختلاف في التفسير قوله “فإذًا كان الحديث جاء من جهتين”

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
شرح رسالة "مُقدِّمة التَّفسير" لشيخ الإسلام ابن تيميّة
الدَّرس: السَّادس

***    ***    ***    
 
– القارئ: الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله، وعلى آلِه وصحبِه ومن اهتدَى بهداه أما بعد؛ قال المؤلفُ رحمه الله تعالى في سياقِ كلامه على حكمِ المراسيلِ التي تعدَّدَت طرقُها:
فَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ جَاءَ مِنْ جِهَتَيْنِ أَوْ جِهَاتٍ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُخْبِرَيْنِ لَمْ يَتَوَاطَآ عَلَى اخْتِلَافِهِ وَعُلِمَ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا تَقَعُ الْمُوَافَقَةُ فِيهِ اتِّفَاقًا بِلَا قَصْدٍ عُلِمَ أَنَّهُ صَحِيحٌ مِثْلُ شَخْصٍ يُحَدِّثُ عَنْ وَاقِعَةٍ جَرَتْ وَيَذْكُرُ تَفَاصِيلَ مَا فِيهَا مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَيَأْتِي شَخْصٌ آخَرُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُوَاطِئْ الْأَوَّلَ فَيَذْكُرُ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ الْأَوَّلُ مِنْ تَفَاصِيلِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فَيُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ تِلْكَ الْوَاقِعَةَ حَقٌّ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَذَّبَهَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَمْ يَتَّفِقْ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَأْتِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِتِلْكَ التَّفَاصِيلِ الَّتِي تَمْنَعُ الْعَادَةُ اتِّفَاقَ الِاثْنَيْنِ عَلَيْهَا بِلَا مُوَاطَأَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَتَّفِقُ أَنْ يَنْظِمَ بَيْتًا وَيَنْظِمَ الْآخَرُ مِثْلَهُ أَوْ يَكْذِبَ كِذْبَةً وَيَكْذِبَ الْآخَرُ مِثْلَهَا أَمَّا إذَا أَنْشَأَ قَصِيدَةً طَوِيلَةً ذَاتَ فُنُونٍ عَلَى قَافِيَةٍ وَرَوِيٍّ فَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنَّ غَيْرَهُ يُنْشِئُ مِثْلَهَا لَفْظًا وَمَعْنًى مَعَ الطُّولِ الْمُفْرِطِ بَلْ يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ وَكَذَلِكَ إذَا حَدَّثَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ فُنُونٌ وَحَدَّثَ آخَرُ بِمِثْلِهِ فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَاطَأَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَخَذَهُ مِنْهُ أَوْ يَكُونَ الْحَدِيثُ صِدْقًا وَبِهَذِهِ الطَّرِيقِ يُعْلَمُ صِدْقُ عَامَّةِ مَا تَتَعَدَّدُ جِهَاتُهُ الْمُخْتَلِفَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهَا كَافِيًا إمَّا لِإِرْسَالِهِ وَإِمَّا لِضَعْفِ نَاقِلِهِ لَكِنْ مِثْلُ هَذَا لَا تُضْبَطُ بِهِ الْأَلْفَاظُ وَالدَّقَائِقُ الَّتِي لَا تُعْلَمُ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ فَلَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ إلَى طَرِيقٍ يَثْبُتُ بِهَا مِثْلُ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَالدَّقَائِقِ وَلِهَذَا ثَبَتَتْ بِالتَّوَاتُرِ غَزْوَةُ بَدْرٍ

– الشيخ: الحمدُ للهِ، وصلَّى الله وسلَّمَ وباركَ على عبدِه ورسولِه وعلى آلِه وصحبه.
يذكرُ الشيخُ في هذه الجملةِ قاعدةً منهجيةً لمعرفة بعضِ الأخبارِ والرواياتِ والأحاديثِ يقول مثلًا: قد يأتي الخبرُ من طرقٍ لا يكفي منها كالمُرسَلِ وكالمُنقطعِ أو كالذي فيه راوٍ ضعيفٍ يقول الشيخُ: فمثلُ هذا إذا تعدَّدَت الطرقُ -طرقُ ذلك الحديثِ أو القصةِ أو الخبرِ- وعُلِمَ بنظرِ العقلِ والعادةِلم يكن هذا الخبرُ عن تواطُؤٍ -تواطؤٌ باتفاقٍ- أو اتفاقٌ من غير قصدٍ كما تقدَّمَ، فإنه حينئذٍ يُعلمُ أنه صحيحٌ لأنه جاءَ من جهاتٍ عدةٍ وعُلمَ بدلالةِ العُرْفِ والعادةِ والقاعدة، عُلِمَ أنَّ مثلَ هذا لم يكن عن تواطُؤٍ ولا عن محضِ اتفاقٍ، ولا يمكنُ أن يكونَ وقع اتفاقًا -أي صدفةً من غير تواطؤٍ- فحينئذٍ يُعلَمُ أنه صحيحٌ ولاسيما إذا كان الخبرُ فيه تفاصيلٌ، فإنَّه إذا جاء من طرقٍ مُتعدِّدةٍ فإنَّه يُعلمُ أنَّه لم يكن عن تواطُؤٍ لأنه قلنا: أنه جاءَ من طرقٍ عدة. ما يمكن أن يتم تواطؤُ، ومثل هذا لا يتأتى فيه الاتفاقُ صدفةً، مثل قصة فيها تفصيلٌ –طويلة- يرويها هذا، تأتينا من طريقٍ وتأتينا من طريقٍ آخرَ -أو طرقٍ- وفيها هذا التفصيلُ فإنَّنا نعلمُ أن هذا يدلُّ على صحة هذا الخبرِ أو هذه القصةِ، وذلك لأمرَين: الأمرُ الأولُ: أنَّها جاءت من طرقٍ مُتعدِّدَة، وثانيًا: أنَّ هذه الطرقَ لا يمكن أن يتواطأَ فيها الرواةُ –قصدًا- ولا أن يقعَ ذلك اتفاقًا. يمنعُ من الأولِ أنها طرقٌ مُختلفةٌ –جهاتٌ- جهات مختلفة، فهذا تعدُّدُ الجهاتِ وتباعدُ ما بين أهلِ هذا الطريقِ -أو رجالِ هذا الطريق- ورجالِ هذا الطريق يمنعُ من التواطؤِ، وكونُ القصةِ طويلةً وفيها تفاصيلٌ يمنعُ من الاتفاقِ الذي هو مجردُ صدفةٍ، ويَضربُ لهذا مثلًا -مثالٌ واضحٌ- يقولُ: معروفٌ أنه من المُمكنِ أن يتفقَ شاعران على نظْمِ بيتٍ بيتَين أو ثلاثة يتفقَان بمعنى أنه كلٌّ منهما ينظمُ هذه الأبياتَ من غيرِ أنْ يتواطأَ مع الآخرِ، ويكون ذلك مجردُ اتفاقٍ. أمَّا أن ينظمَ قصيدةً طويلةً وينظمَ الآخرُ نفسَ هذه القصيدةِ هذا يُعلم أنه لا يمكن لا بدَّ أنهما قد تواطآ، إما أن يكون التواطؤُ أنه نظمَها أحدُهما وآخذَها الآخرُ منه، ما يمكن أن ينظمَ هذه القصيدةَ بأبياتِها وينظمَ الآخرُ وهو ما درَى عنه، هذا مُمتنعٌ في العادة لأنَّ القصيدةَ طويلةٌ وهكذا القصةُ الطويلةُ التي فيها فنونٌ وفيها تفصيلاتٌ إذا تعدَّدَت طرقُها دلَّت على صحتِها لأن التواطؤَ في مثلِ هذا منتفٍ لتباعدِ ما بين أهلِ هذه الطرقِ، ويمتنعُ مجردُ الاتفاقِ من غير قصدٍ يمنعُ منه كونُ القصةِ طويلةً، ما يمكن أنْ يأتي هذا بنفس القصةِ وما فيها من تفاصيلٌ إذًا: نحكمُ على مثل هذا بالصحة من جهةِ تعدُّدِ الطرقِ المُختلفة ومن جهة تعذرِ التواطؤِ، يمتنعُ التواطؤُ والاتفاقُ. ومثل: أن يُخبر إنسانٌ عن حدثٍ فيه تفصيلاتٌ ثم يأتي آخر ما له علاقةٌ بالأولِ ويُخبرُ بهذه القصة نفسَها بما يدلُّ على عدم التواطؤِ لتباعدِ ما بينهما، وعدم الاتفاقِ لأنَّ القصةَ طويلةٌ وفيها تفاصيلٌ لا يمكن أن يقعَ الاتفاقُ عليها.
فهذا منهجٌ للحكمِ على بعض الأخبارِ والأحاديثِ، الحكمُ عليه بأنَّه صحيحٌ وإنْ كان الطريقُ الواحدُ لا يُعوَّلُ عليه كالمُرسَلِ والمُنقطعِ ومن فيه راوٍ ضعيفٍ.
هذا مضمونُ ما يُقرِّره الشيخُ في هذه الجملةِ بمناسبةِ الكلام للمراسيلِ، والمُرسلُ هو ما سقطَ منه الصحابيُّ ويُطلَقُ اسمُ المُرسلِ على المُنقطعِ.

 
– القارئ:
قالَ رحمه الله: وَبِهَذِهِ الطَّرِيقِ يُعْلَمُ صِدْقُ عَامَّةِ مَا تَتَعَدَّدُ جِهَاتُهُ الْمُخْتَلِفَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهَا كَافِيًا إمَّا لِإِرْسَالِهِ وَإِمَّا لِضَعْفِ نَاقِلِهِ لَكِنْ مِثْلُ هَذَا لَا تُضْبَطُ بِهِ الْأَلْفَاظُ وَالدَّقَائِقُ الَّتِي لَا تُعْلَمُ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ فَلَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ إلَى طَرِيقٍ يَثْبُتُ بِهَا مِثْلُ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَالدَّقَائِقِ وَلِهَذَا ثَبَتَتْ بِالتَّوَاتُرِ غَزْوَةُ بَدْرٍ وَأَنَّهَا قَبْلَ أُحُدٍ بَلْ يُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ حَمْزَةَ وَعَلِيًّا وَعُبَيْدَةَ بَرَزُوا إلَى عتبة وَشَيْبَةَ وَالْوَلِيدِ وَأَنَّ عَلِيًّا قَتَلَ الْوَلِيدَ وَأَنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ قَرْنَهُ ثُمَّ يُشَكُّ فِي قَرْنِهِ هَلْ هُوَ عتبة أَوْ شَيْبَةُ. وَهَذَا الْأَصْلُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ فَإِنَّهُ أَصْلٌ نَافِعٌ فِي الْجَزْمِ بِكَثِيرِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ فِي الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْمَغَازِي
– الشيخ: هذا أصلٌ، وفي [يوجد] مثال: وهي "قصة بدرٍ" غزوةُ بدرٍ كما يُقالُ شُهرتُها تُغني عن الإسنادِ، وهذه كثيرٌ من الوقائعِ والأخبارِ المُعوَّلُ فيها على الاستفاضةِ يعني غزوةُ بدرٍ لا يمكن لأحدٍ أن يُشكِّكَ بها -في وقوعِها- من الأمورِ المشهورُ عند المؤرخين فهي معلومةٌ علمًا ضرورًّيا وكذلك من جُزئياتها أنَّ عليً وحمزةَ وعبيدة تبارزوا مع أمثالهم من قريشٍ من جيشِ المشركين في غزوةِ بدر، وقِيلَ: نزلَ فيهم قولُه تعالى: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [الحج:19] فقتلَ عليٌّ الوليدَ، وقتلَ حمزةُ عتبةَ أو شيبةَ، يعني المهم التبارزُ بين هؤلاء وهؤلاءِ الثلاثةِ أمرٌ مُستفيضٌ معروفٌ لا مجال للتشكيكِ فيه، وابنُ القيمِ يستدلُّ على المُناسبات الأسماء يقولُ أسماء المُقاتلين المُشركين كلُّها تدلُّ على الضعفِ: وليدٌ عتبةٌ شيبة كلُّها فيها..، وهذا عليٌّ حمزةُ عبيدةُ فيها قوةٌ، يستشعرُ بهذا بدلالاتِ الأسماءِ سبحانَ الله! ضعفٌ لفظيٌّ ومعنويٌّ مُجتمعة، وهذا لحكمةِ اللهِ هُزموا وقتُلوا. 
 

– القارئ: وَهَذَا الْأَصْلُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ فَإِنَّهُ أَصْلٌ نَافِعٌ فِي الْجَزْمِ بِكَثِيرِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ فِي الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْمَغَازِي وَمَا يُنْقَلُ مِنْ أَقْوَالِ النَّاسِ وَأَفْعَالِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
– الشيخ: اللهُ أكبرُ، هذا أصلٌ، نعم، نفسُ التقريرِ السابقِ يقولُ: هذا أصلٌ نافعٌ -يعني الاعتبارَ بهذا المعنى- كونَ الشيءِ يأتي من جهاتٍ وطرقٍ مُتعددةٍ تمنعُ التواطؤَ، ويكون المرويُّ فيه كثيرًا من الأمورِ والتفصيلاتِ ممَّا يمنعُ أن يقعَ ذلك اتفاقًا من غير قصدٍ، فهذا أصلٌ عظيمٌ يُعرفُ به صحةُ كثيرٍ من المروياتِ كالأخبار.
 

– القارئ: وَلِهَذَا إذَا رُوِيَ الْحَدِيثُ الَّذِي يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْهَيْنِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَأْخُذْهُ عَنْ الْآخَرِ جُزِمَ بِأَنَّهُ حَقٌّ لَا سِيَّمَا إذَا عُلِمَ أَنَّ نَقَلَتَهُ لَيْسُوا مِمَّنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ وَإِنَّمَا يُخَافُ عَلَى أَحَدِهِمْ النِّسْيَانُ وَالْغَلَطُ؛ فَإِنَّ مَنْ عَرَفَ الصَّحَابَةَ كَابْنِ مَسْعُودٍ وأبي بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضْلًا عَمَّنْ هُوَ فَوْقَهُمْ كَمَا يَعْلَمُ الرَّجُلُ مِنْ حَالِ مَنْ جَرَّبَهُ وَخَبَرَهُ خِبْرَةً بَاطِنَةً طَوِيلَةً أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يَسْرِقُ أَمْوَالَ النَّاسِ وَيَقْطَعُ الطَّرِيقَ وَيَشْهَدُ بِالزُّورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ التَّابِعُونَ بِالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ، فَإِنَّ مَنْ عَرَفَ مِثْلَ: أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ وَالْأَعْرَجِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَأَمْثَالِهِمْ عَلِمَ قَطْعًا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فِي الْحَدِيثِ فَضْلًا عَمَّنْ هُوَ فَوْقَهُمْ مِثْلِ: مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِين أو الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَوْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَوْ عَبيْدَةَ السلماني أَوْ عَلْقَمَةَ أَوْ الْأَسْوَدِ أَوْ نَحْوِهِمْ. وَإِنَّمَا يُخَافُ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ الْغَلَطِ؛ فَإِنَّ الْغَلَطَ وَالنِّسْيَانَ كَثِيرًا مَا يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ
– الشيخ: الله المُستعان
– القارئ: وَمِنْ الْحُفَّاظِ مَنْ قَدْ عَرَفَ النَّاسُ بُعْدَهُ عَنْ ذَلِكَ جِدًّا
– الشيخ: الله المُستعانُ، على كلِّ حالٍ أيضًا يؤكد ما سبقَ لأنَّ من الرواة ما يُعلم من حالِهم أنَّه يمتنعُ وقوعُ الكذبِ منهم، والأصلُ انَّ الصحابةَ كلُّهم عدولٌ وكلُّ ما نُقِلَ عنهم أو رووه عن نبيِّهم فهو صحيحٌ، فمن الصحابةِ ومن التابعين من هو معروفٌ ومشهورٌ بالعلمِ والصدقِ، فلا يُشكُّ في أحدٍ منهم لأنهم أئمةٌ كابنِ مسعودٍ وعليٍّ كل الخلفاءِ الراشدين عمومًا، فيُعلمُ من حالِ هؤلاء الرواةِ أنَّهم لا يتعمَّدُون الكذبَ –حاشَاهم- أستغفرُ الله.
 

– القارئ: وَمِنْ الْحُفَّاظِ مَنْ قَدْ عَرَفَ النَّاسُ بُعْدَهُ عَنْ ذَلِكَ جِدًّا كَمَا عَرَفُوا حَالَ الشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَعُرْوَةَ وقتادة وَالثَّوْرِيِّ وَأَمْثَالِهِمْ لَا سِيَّمَا الزُّهْرِيُّ فِي زَمَانِهِ وَالثَّوْرِيُّ فِي زَمَانِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ: إنَّ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ لَا يُعْرَفُ لَهُ غَلَطٌ مَعَ كَثْرَةِ حَدِيثِهِ وَسَعَةِ حِفْظِهِ.
– الشيخ: رحمه الله
– القارئ: والْمَقْصُودُ: أَنَّ الْحَدِيثَ الطَّوِيلَ إذَا رُوِيَ مَثَلًا مِنْ وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ غَلَطًا كَمَا امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا؛ فَإِنَّ الْغَلَطَ لَا يَكُونُ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي بَعْضِهَا فَإِذَا رَوَى هَذَا قِصَّةً طَوِيلَةً مُتَنَوِّعَةً وَرَوَاهَا الْآخَرُ مِثْلَمَا رَوَاهَا الْأَوَّلُ مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ امْتَنَعَ الْغَلَطُ فِي جَمِيعِهَا كَمَا امْتَنَعَ الْكَذِبُ فِي جَمِيعِهَا مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ.
وَلِهَذَا إنَّمَا يَقَعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ غَلَطٌ فِي بَعْضِ مَا جَرَى فِي الْقِصَّةِ

– الشيخ: هذا تأكيدٌ لما سبقَ، تأكيدٌ لما سبقَ أنَّها إذا جاءَت من طرقٍ مُتعدِّدةٍ يُعلم أنه لم يكن هناك لا اتصالٌ ولا اتفاقٌ ولا تواطؤٌ، فيُعلم حينئذٍ أنَّ القصة صدقٌ، لأنه امتنعَ فيها التواطؤُ ويمتنعُ أنْ تقعَ في روايتهم اتفاقًا -أي صدفةً- هذا بحكمِ معرفةِ الواقعِ وهذا بحُكمِ العادةِ.    
 

– القارئ: وَلِهَذَا إنَّمَا يَقَعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ غَلَطٌ فِي بَعْضِ مَا جَرَى فِي الْقِصَّةِ مِثْلِ حَدِيثِ اشْتِرَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَعِيرَ مِنْ جَابِرٍ؛ فَإِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ طُرُقَهُ عَلِمَ قَطْعًا أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانُوا قَدْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ. وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَإِنَّ جُمْهُورَ مَا فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِمَّا يُقْطَعُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ؛ لِأَنَّ غَالِبَهُ مِنْ هَذَا النَّحْوِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ تَلَقَّاهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ وَالْأُمَّةُ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى خَطَأٍ؛ فَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ كَذِبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ وَالْأُمَّةُ مُصَدِّقَةٌ لَهُ قَابِلَةٌ لَهُ لَكَانُوا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَصْدِيقِ مَا هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذِبٌ وَهَذَا إجْمَاعٌ عَلَى الْخَطَإِ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ وَإِنْ كُنَّا نَحْنُ بِدُونِ الْإِجْمَاعِ نُجَوِّزُ الْخَطَأَ أَوْ الْكَذِبَ عَلَى الْخَبَرِ فَهُوَ كَتَجْوِيزِنَا قَبْلَ أَنْ نَعْلَمَ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْعِلْمِ الَّذِي ثَبَتَ بِظَاهِرِ أَوْ قِيَاسٍ ظَنِّيٍّ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي الْبَاطِنِ؛ بِخِلَافِ مَا اعْتَقَدْنَاهُ فَإِذَا أَجْمَعُوا عَلَى الْحُكْمِ جَزَمْنَا بِأَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا. وَلِهَذَا كَانَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ عَلَى أَنَّ "خَبَرَ الْوَاحِدِ" إذَا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ تَصْدِيقًا لَهُ أَوْ عَمَلًا بِهِ أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ، وَلِهَذَا كَانَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ
– الشيخ: هذه مسألة … يقولُ: أنه ذهبَ جمهورُ أهلِ العلم على أنَّ خبرَ الواحد إذا تلقَّته الأمةُ بالقبولِ فإنَّه يُفيدُ العلمَ، خبرُ الواحد هو خبرُ الآحادِ تارةً يقولون: هذا خبرُ الواحدِ أو هذا من خبرِ الآحادِ، والآحادُ خِلافُ المُتواترِ. فالخبرُ ينقسمُ أولًا إلى قسمين: مُتواترٌ وآحادٌ. المُتواتر: ما نقله عددٌ تُحيلُ العادةُ تواطُؤَهم على الكذبِ عن مثلِهم عن مثلِهم إلى أن يبلغَ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم أو من انتهَى إليه الخبرُ من كلامِه، فإنه حينئذٍ يصير مُتواترًا معلومًا قطعًا لأنه جاءَ من طريقِ التواترِ، جاءَ بطريق التواترِ.
والقسمُ الثاني: الآحادُ: والآحادُ ما جاءَ من طريقٍ واحدٍ أو طريقَين أو ثلاثة أو أكثر ما لم يبلغْ حدَّ التواترِ. فما جاءَ من طريقٍ هذا اسمُه غريبٌ، وما جاءَ من طريقَين يُسميه بعضُهم عزيزًا، وما جاءَ من ثلاثةِ طرقٍ فإنه المشهورُ، ويبقى مُحافظًا على هذا الاسمِ حتى يبلغَ التواترَ، المُتواترُ يُفيد العلمَ يعني يُفيدُ القطعَ وأما الآحادُ فإنَّها لا تُفيدُ القطعَ بل تُفيدُ الظنَّ الغالبَ، لكن إذا جاءَ الخبرُ من طرقٍ وتلقته الأمةُ بالقبولِ فإنَّه يفيد العلمَ وهي مسألةٌ طويلةُ الأبحاثِ بين أهلِ السنةِ وغيرهم فهذا هو الفرقُ بين المُتواترِ والآحادِ، المُتواترُ مقبولٌ مُطلقًا لأنَّه مُتواترٌ، وأما الآحاد فإنَّ الأصلَ أنه يفيد الظنَّ ولكنه يفيدُ العلمَ -أي القطعَ- بالقرائنِ وهذا هو مذهبُ جمهورِ العلماءِ، لكن يقولُ الشيخُ أنَّ بعض المتأخرين هم الذين أحدثوا القولَ بأنَّ خبرَ الآحاد لا يُعوَّلُ عليه –ولا سيما في العقائدِ- فلا يُستدَلُّ به في العقائدِ –أستغفرُ الله، آمنْتُ بالله ورسلِه- والصوابُ: أنَّ خبرَ الآحادِ منه المقبولُ ومنه المردودُ كما أوضحَ ذلك الحافظُ ابن حجرٍ في "نخبةِ الفكرِ" منه المقبولُ ومنه المردودُ، فما توفَّرَ في إسناده شروطُ الصحةِ فهو صحيحٌ، وإن نقصَ وخفَّ الضبطُ فالخبرُ حسنٌ لغيره. فما توفَّرَ فيه الشروطُ فهو المقبولُ وهو يُقسَّمُ –الحديث- قديمًا، قديمًا عند الأئمةِ: صحيحٌ وضعيفٌ، قسمان: صحيحٌ وضعيفٌ. ولكن من حين جاءَ الترمذي ثم الذين جاؤُوا بعده قسَّمَ الحديثَ إلى صحيحٍ وضعيفٍ وحسنٍ وغريبٍ.
ومن العجيبِ أنه تارةً يجمعُ بل كثيرًا ما يجمعُ يقولُ: الحديثُ حسنٌ صحيحٌ، أو حديثٌ حسنٌ صحيح غريب –كلها يجمعها-. فما توفَّرَت فيه الشروطُ: الصحيحُ لذاته أو الصحيحُ لغيره أو الحسنُ لذاته أو الحسنُ لغيرِه. إذا تلقَّتْه الأمةُ بالقبولِ أفادَ العلمَ.
 

– القارئ: وَلِهَذَا كَانَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ عَلَى أَنَّ "خَبَرَ الْوَاحِدِ" إذَا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ تَصْدِيقًا لَهُ أَوْ عَمَلًا بِهِ أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُونَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد إلَّا فِرْقَةً قَلِيلَةً مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ اتَّبَعُوا فِي ذَلِكَ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ؛ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ يُوَافِقُونَ الْفُقَهَاءَ وَأَهْلَ الْحَدِيثِ وَالسَّلَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ كَأَبِي إسْحَاقَ وَابْنِ فورك وَأَمَّا ابْنُ الْبَاقِلَانِي فَهُوَ الَّذِي أَنْكَرَ ذَلِكَ وَتَبِعَهُ مِثْلُ أَبِي الْمَعَالِي وَأَبِي حَامِدٍ وَابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَابْنِ الْخَطِيبِ والآمدي وَنَحْوِ هَؤُلَاءِ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَأَبُو إسْحَاقَ وَأَمْثَالُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَأَمْثَالُهُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو يَعْلَى وَأَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ الزَّاغُونِي وَأَمْثَالُهُمْ مِنْ الْحَنْبَلِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ شَمْسُ الدِّينِ السَّرَخْسِيُّ وَأَمْثَالُهُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ. وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ
– الشيخ: على كلِّ حالٍ، يعني الشيخُ يُعدِّدُ أصحابَ المذاهب ويقول: أنهم كلُّ أصحابُ المذاهبِ -الأئمةُ الأربعةُ وأصحابُهم ومن يقولُ بقولِهم- يرى حجيةَ خبرَ الواحدِ وهذا معلومٌ بطرقٍ كثيرة، ولكن منها ما ثبتَ من أنَّ الرسولَ عليه الصلاة والسلام يبعث بالأمرِ الواحدَ، يبعثُ في بعض الأمورِ يبعثُ واحدًا إما برسالةٍ شفهيةٍ أو برسالةٍ خطيةٍ يُبلِّغُ عن الرسولِ صلى الله عليه وسلم، والشواهدُ على قبولِ خبرِ الواحدِ شواهدُه كثيرةٌ: الجماعةُ الذين كانوا يُصلون إلى بيتِ المقدس، جاءَهم رجلٌ وهم يُصلون: لقد رأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلم يُصلِّي إلى الكعبةِ فتحوَّلُوا واستداروا، هذا مما يستدلُّ به العلماءُ على قبولِ خبرِ الواحد. ودلائلُه كثيرةٌ ومُستفيضةٌ.
ولو لم يقبلْ إلا قولَ أكثر من واحد، المرادُ بالواحدِ … مو [ليس] واحدًا وبس [فقط]، إذا روَى الخبرَ فلان عن فلانٍ عن فلانٍ عن فلان هذا سندٌ واحدٌ، فلهذا سُمِّيَت هذا الأسانيدُ آحادًا في مُقابلِ المُتواترِ، فالمُتواترُ مقبولٌ مُطلقًا والمردودُ إنما يردُ في سقطٍ في السندِ أو طعنٍ في الراوي كما قرَّرَ ذلك الحافظُ ابنُ حافظ في "نخبةِ الفِكر".
 

– القارئ: وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَصْدِيقِ الْخَبَرِ مُوجِبًا لِلْقَطْعِ بِهِ فَالِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ كَمَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى الْأَحْكَامِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْإِبَاحَةِ. والْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ تَعَدُّدَ الطُّرُقِ
– الشيخ: الشيخُ يُبدي ويُعيد يقول ما ثبتَ فيه الإجماعُ هذا صحيحٌ لأنَّ الأمةَ لا تجتمعُ على ضلالةٍ: (لا تزالُ طائفةٌ من أمتي على الحقِّ ظاهرين، لا يضرُّهم من خذلَهم ولا من خالفَهم حتى تقومَ الساعة) فخبرُ الواحد يعني مقبولٌ في الجملةِ ولكن الإجماعَ يجبُ التسليمُ له ولكن يعلم أن النزاعَ إنما يُردُّ إلى الكتابِ والسنة، الردُّ إلى الله هو الردُّ إلى كتابه، والردُّ إلى الرسولِ هو الردُّ إلى سنته صلى الله عليه وسلم، وأما الإجماعُ فإنه دليلٌ على الدليلِ فإنَّ الأمة لا تجتمعُ على ضلالةٍ، فلا بدَّ أن يكون لهذا الإجماعِ مُستندٌ من الكتاب والسنةِ، عَلمَه من علمَه وجهلَه من جهلَه. وهنا مهمة هو يقولُ: بأنَّ الإجماعَ –الإجماعات- ليس المُعتبرُ فيها إجماعُ جميعِ الأمة علمائِهم وعامَّتِهم وأصحابَ سائرِ التخصُّصاتِ، لا، بالنسبةِ للحديثِ فما أُجمعَ على روايتِه أهلُ الحديث تُعلم صحتُه هذا إجماعٌ، وما كان من المسائلِ الفقهيةِ فكذلك إذا أجمعوا فهذا إجماعُ أصحابِ هذا الشأن، وقِسْ على هذا فلا يُعدُّ في الإجماعِ على شيءٍ من لا يُحسنُه ولا يعرفُ عنه شيئًا كما إذا أجمعَ الأطباءُ على حكمِ حالةٍ فإنها كذلك -يُعتبر بإجماعِهم- لأنَّ هذا هوَ تخصُّصُهم.
   

– القارئ: والْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ تَعَدُّدَ الطُّرُقِ مَعَ عَدَمِ التَّشَاعُرِ أَوْ الِاتِّفَاقِ فِي الْعَادَةِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِ الْمَنْقُولِ؛ لَكِنَّ هَذَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَثِيرًا فِي عِلْمِ أَحْوَالِ النَّاقِلِينَ. وَفِي مِثْلِ هَذَا يُنْتَفَعُ بِرِوَايَةِ الْمَجْهُولِ وَالسَّيِّئِ الْحِفْظِ وَبِالْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَكْتُبُونَ مِثْلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَيَقُولُونَ: إنَّهُ يَصْلُحُ لِلشَّوَاهِدِ وَالِاعْتِبَارِ مَا لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ قَالَ أَحْمَد: "قَدْ أَكْتُبُ حَدِيثَ الرَّجُلِ لِأَعْتَبِرَهُ" وَمَثَّلَ هَذَا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ قَاضِي مِصْرَ؛ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ حَدِيثًا وَمِنْ خِيَارِ النَّاسِ؛ لَكِنْ بِسَبَبِ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ وَقَعَ فِي حَدِيثِهِ الْمُتَأَخِّرِ غَلَطٌ فَصَارَ يَعْتَبِرُ بِذَلِكَ وَيَسْتَشْهِدُ بِهِ وَكَثِيرًا مَا يَقْتَرِنُ هُوَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَاللَّيْثُ حُجَّةٌ ثَبَتٌ إمَامٌ. وَكَمَا أَنَّهُمْ يَسْتَشْهِدُونَ وَيَعْتَبِرُونَ بِحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ سُوءُ حِفْظٍ فَإِنَّهُمْ أَيْضًا يُضَعِّفُونَ مِنْ حَدِيثِ الثِّقَةِ الصَّدُوقِ الضَّابِطِ أَشْيَاءَ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ غَلِطَ فِيهَا بِأُمُورِ يَسْتَدِلُّونَ بِهَا وَيُسَمُّونَ هَذَا: "عِلْمَ عِلَلِ الْحَدِيثِ" وَهُوَ مِنْ أَشْرَفِ عُلُومِهِمْ بِحَيْثُ يَكُونُ الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ ثِقَةٌ ضَابِطٌ وَغَلِطَ فِيهِ
– الشيخ: يعني ظاهرُه الصحةُ لكن عندَ أصحابِ الشأنِ له عِلةٌ فهو معلولٌ، له علةٌ، فالإنسانُ القاصرُ السطحي يقول: هذا إسنادٌ صحيحٌ ولهذا ليس كل ما صحَّ سندًا يصحُّ متنًا لأنَّ من شروطِ الصحيح أن يرويْه عدلٌ ضابط عن مثلِه وهو اتصالُ السند، وأنْ يسلمَ المتنُ -متنُ الحديثِ- من العلةِ والشذوذِ يقولُ الشيخُ: كما يقبلُ المُحدِّثُون روايةَ سيِّء الحفظِ ويعتبرون بها ويستشهدون بها، كذلك يردُّون أحاديثَ العدلِ الضابطِ الثقةِ لأنه تبيَّن لهم أنه غلطَ، فيقولون فلانٌ غلطَ. فالمقصودُ: أنَّ أهلَ الحديثِ لهم في هذا العجبَ العُجابَ في تمييزهم للأحاديثِ، يحكمُ أحدُهم على الحديثِ من أول وهلةٍ أنَّ هذا الحديثَ لا يصحُّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلَّمَ.
 

– القارئ: قالَ رحمه الله: وَغَلَطُهُ فِيهِ عُرِفَ؛ إمَّا بِسَبَبِ ظَاهِرٍ كَمَا عَرَفُوا "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ وَأَنَّهُ صَلَّى فِي الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ" وَجَعَلُوا رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ لِتَزَوُّجِهَا حَرَامًا؛ وَلِكَوْنِهِ لَمْ يُصَلِّ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ وَكَذَلِكَ أَنَّهُ "اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ" وَعَلِمُوا أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ: "إنَّهُ اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ" مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ وَعَلِمُوا أَنَّهُ تَمَتَّعَ وَهُوَ آمِنٌ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَنَّ قَوْلَ عُثْمَانَ لِعَلِيِّ: "كُنَّا يَوْمَئِذٍ خَائِفِينَ" مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ
– الشيخ: اللهُ أكبر، هذه أغلاطٌ من الأثباتِ من الثقاتِ، ولهذا نماذجٌ: ثبتَ في "الصحيحين" عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنه قال: تزوَّجَ النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو مُحرِمٌ -سبحانَ الله وهو محرمٌ يتزوجُ!- هذا ممنوعٌ لأنه لا ينَكِحُ المُحرمُ ولا يُنكِح، وفي روايةٍ: ولا يَخطِب أو ولا يَخطُبُ. قالَ أهلُ العلم: إن حديثَ ابن عباس هذا غلطٌ ما الدليلُ؟ الدليلُ أنَّ ميمونةَ نفسَها رضي الله عنها أنَّها ذكرَت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّجَها وهو حلالٌ، وهكذا أبو رافعٍ الذي هو رسولٌ بين النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبين ميمونة فهذا من أغلاطِ الثقاتِ والأثباتِ، فحكمَ العلماءُ على أنَّ حديثَ ابن عباسٍ غلطٌ قالوا: بأنَّ ميمونةَ أعلم بنفسها وأبو رافعٍ السفيرُ أعلمُ بحقيقة الواقعِ.
مما يمكن أن يمثلَ به لاعتبارِ الإجماعِ إجماعِ كلِّ أهلِ شأنٍ من الشؤونِ كإجماعِ أهلِ الحديثِ على حديثٍ على قبولِه أو إجماعَهم على ردِّه، كذلك إجماعُ أهلِ الطبِّ على ما يجمعُون عليه من القضايا الطبيةِ وهكذا، ولعلَّ من هذا إجماعُ أهلِ الحلِّ والعقدِ على تنصيبِ وليِّ أمرٍ، فإنه ليس المُعتبر في تنصيبِ الإمامِ الرأيُ العام والدهماء، لأنَّ هؤلاءِ لا رأيَ لهم، إنما يُرجَعُ ويُعوَّلُ على أهلِ الحلِّ والعقد في الأمةِ.
 

– القارئ: باقي سطر. وَأَنَّ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ: (أَنَّ النَّارَ لَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا آخَرَ) مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ وَهَذَا كَثِيرٌ
– الشيخ: نعم، هذا أمرٌ معلومٌ، لا تزالُ جهنمُ يُلقى فيها، وعندما (احتجَّت الجنةُ والنارُ وقالَتِ النارُ: فِيَّ الجبَّارون والمُتكبرون. وقالت الجنَّةُ: فِيَّ الفقراءُ والمساكينُ، فقالَ سبحانه وتعالى للنارِ: أنت عذابِي أُعذِّبُ بك من أشاءُ، وأنتِ رحمتي –للجنةِ- أرحمُ بك من أشاءُ ولكليكما مِلؤها، وأما النارُ فما تزالُ يُلقى فيها حتى يضع ربُّ العزة فيها قدمَه). وجاءَ في رواية عند البخاريِّ بالعكسِ: (وأمَّا النارُ فيُنشئُ الله لها أقوامًا فيُدخلهم إياها) هذه في الجنةِ ما هي [ليست] بالنار.
أيش بعد هذا؟ فصلٌ؟

– القارئ: بعدها ذكر: والناسُ في هذا البابِ طرفان
– الشيخ: أحسنت، قِفْ على هذا.
 


 
الأسئلة:
س1: أحسنَ الله إليك، هذا سائلٌ يسألُ: بعضُ آياتِ الوعيدِ يكون المُخاطَبُ فيها الكفارُ وما أعُدَّ لهم كيف يتدبرُّ المؤمنُ وكيف يُنزِّلُها على نفسِه؟
ج: أعوذ بالله أعوذ بالله، في الكفارِ يُنزِّلُها على نفسِه، إي، يُنزِّلُها على نفسِه بحيث يسألُ ربَّه العافيةَ، هو ولله الحمدُ ليس منهم، ليس من أهلِها ولكنه لا يأمنُ، يسألُ ربَّه العافيةَ –الحمدُ لله- إذا قرأْتَ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا [النساء:56] الحمدُ للهِ أنا لست منهم، لستُ كافرًا، أنا مؤمنٌ باللهِ، أنا أؤمنُ باللهِ ورسولِه، أؤمنُ بآياتِ الله ولكن إذا قرأت هذه الآيةَ قُلْ: أعوذُ باللهِ من حالِ الكفارِ، أعوذُ بالله من عاقبتِهم، أعوذُ بالله من الكفرِ، أعوذُ باللهِ من النارِ، تُنزِّلُها على نفسِك، يعني تستشعرُ أنه [أنك] كافرٌ! لا.
______________________________
س2: أحسنَ الله إليك، هذا سؤالٌ من الشبكةِ -من أمريكا- يقولُ: أختٌ مسلمةٌ تزوَّجَت من شابٍّ مسلمٍ في أمريكا بمُوافقةِ وليِّ الفتاة المُقيمِ في بلادِ المسلمين، وتمَّ توثيقُ عقدِ الزواجِ بواسطة المحاكمِ الأمريكيةِ وبحضورِ الشهودِ ولكن بدون حضورِ المأذونِ الشرعيِّ، فهل هذا الزواجُ صحيحٌ؟
ج: لا إلهَ إلا الله، ما هو واضحٌ السؤالُ بموافقةِ من؟ هل استنابَ؟ يعني المأذونُ ليس شرطًا، المأذونُ ليس شرطًا، هل وليُّها الذي في البلادِ الإسلاميةِ استنابَ شخصًا وقالَ: "زَوِّج ابنتي" هذا هو المهمُّ فإنْ كان قد استنابَ مُسلمًا عنه في الإيجابِ قالَ: "زَوِّج ابنتي" ففعلَ وتمَّ ذلك في المحاكمِ كتبوه، حضرَ فلان وزوَّجَ فلانٌ كتابةً فعندي أنَّ هذا صحيحٌ، يعني الوليُّ هو الوكيلُ والشهودُ كذلك هم حاضرون، غايةُ الأمرِ أنَّ الكتابةَ تمَّت في مكتبٍ في المحاكمِ، فالمأذونُ ليس شرطًا، المأذونُ ما هو إلا مُشرفٌ يُسجِّلُ المعلومات: يكتب اسمَ الوليِّ والشهودَ واسمَ الزوجِ واسمَ الزوجةِ ويأخذ تواقيعَهم، والله أعلم.
______________________________
س3: أحسنَ الله إليك، هذا سؤالٌ يقولُ: هل القياسُ مثلُ الإجماعِ يُظهرُ الدليلَ أو هو دليلٌ في ذاتِه؟
ج: لا، هو دليلٌ في ذاتِه لأنَّه مُستنبطٌ من نفس الدليلِ -الدليل على الأصلِ- ولكن لحجيةِ القياسِ أدلةٌ، القائلون بالقياسِ لهم استدلالاتٌ كالاحتجاجِ بالإجماعِ، ولكن الإجماعَ قالوا: أنه دليلٌ على الدليلِ، لكن بسببِ أنَّه لا بدَّ أن يكون حقًّا -الإجماعُ الصحيح- لا بدَّ أنْ يكون حقًّا استُغنِيَ به عن البحث عن الدليلِ خلص، عندنا يقين أنَّ هذا الإجماعَ لا بدَّ أنه مبنيٌّ على دليلٍ من كتابٍ أو سُنةٍ.
______________________________
س4: أحسنَ الله إليك، هذا أخونا بن جاسم -من الإماراتِ- يقولُ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في مساءِ يومِ الجمعة الموافقِ لِـ 27 من الشهرِ الماضي وأثناءَ درسِكم المنقول عبرَ الشبكةِ من مسجدِ الخليفي وصلتْكم رسالةٌ من الإماراتِ يُخبركم المُرسِلُ فيها أنه صدرَ قرارٌ من الدولةِ بإلزامِ المواطنين الراغبين بتجديدِ جوازِ السفر أنْ يحلقُوا لِحاهم، وأنَّ القرارَ طُبِّقَ في دوائرَ أخرى، ولكن بعد التحرِّي والاستفسار هو مجردُ إشاعةٍ ليس إلا وقد تمَّ إلزامُ السِّلكِ العسكريِّ والشرطة بحلقِ لحاهم ولكنَّا لم نسمعْ بأنَّ القرارَ طُبِّقَ على الجميعِ والسلام عليكم ورحم الله وبركاته؟
ج: الحمدُ لله، هذه بشرى جزاك الله خيرًا، هذا سمعنا به أول -قديمًا- قبل السؤالِ هذا، الذي سألَ: خصَّه بالقطاعِ العسكريِّ وقلتُ للذي سألَني: دافِعُوا أنت وزملاؤك دافعُوا لعلَّ اللهَ يدفعُ بكم الشرَّ وإن لمْ فالحمدُ لله: لا تطلبوا الرزقَ بمعصيةِ الله وكونُوا أقوياء. جزاك الله خيرًا.
___________________________
س5: أحسنَ الله إليك، هذا سائلٌ يسألُ: هل يصحُّ تسميةُ المولودِ بعتبةَ، وهل اجتنابُه أفضلُ أم لا وهل يصح [….]؟
ج: ممكن ممكن، يعني الأسماءُ فيها الحسنةُ وفيها الأحسنُ وفيها القبيحُ وفيها أقبحُ وفيها مُحرَّمٌ مُحرَّمٌ حرامٌ التعبيدُ لغيرِ الله: "عبدُ الشمس عبدُ السيدِ عبدُ الحسينِ" هذا حرامٌ وكذلك "ملكُ الملوكِ" هذا:
(إنَّ أخنعَ اسمٍ من تسمَّى ملكَ الأملاكِ) وما إلى ذلك، أما عتبةُ جائزٌ اسمٌ بس لكنه ليس مُختارًا.
 
– القارئ: يسألُ عن عبدِ المُطلبِ؟
– الشيخ: عبدُ المطلبِ تركُه أولى لأنه يُوهمُ، ما الكلُّ يفهمُ المقصودَ لأنه نقلَ لنا الشيخُ محمد بن عبد الوهاب في أحدِ الأبوابِ في التسميةِ نقلَ لنا عن ابن حزمٍ قال: أجمعَ أهلُ العلمِ على تحريمِ كل اسمٍ مُعبَّدٍ لغيرِ اللهِ حتى عبدُ المطلب، عبدُ المُطلبِ هذا لقبٌ لجدِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لقب لقب، وإلا اسمُه شيبةٌ قيل أنه كان قد خرجَ مع عمِّه المُطلب إلى المدينةِ فرآه أهلُ المدينةِ وقد تغيَّرَ لونه قالوا: هذا من هذا؟ هم لا يعرفونه، قالوا: عبدُ المُطلبِ فصار لقبًا له حتى أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام قال: وهو على البغلةِ يركبُها أنا النبيُّ لا كذب، أنا ابنُ عبدِ المُطلبِ صلى الله عليه وسلم.
___________________________
س6: وهذا سائلٌ من الشبكة يسألُ عن صحةِ بعضِ العباراتِ: الأولى: دعِ الغدرَ لربِّ الغدرِ؟
ج: هذا الكلامُ -نسألُ اللهَ العافيةَ- يُوهم يعني دعِ الغدرَ لأهله -لأهلِ الغدرِ نسألُ اللهَ العافية- دعْه فأنت لا تكُنْ من أهلِ الغدر اترك الغدرَ لأهله، ولكن لربِّ الغدرِ كأنه يُوهم إضافةَ الغدرِ إلى الله فينبغي تركُ العبارةِ وإلا فقُلْ: اتركِ الغدرَ لأهلِه أنت قد عافَاك الله.
– القارئ: … دعِ الغدَ لربِّ الغدِ.
– الشيخ: أنت غلطت
– القارئ: نعم
ج: دعِ الغدَ يعني باكر، دعِ الغدَ لربِّ الغدِ هذا جائزٌ لأنَّ الله هو الذي يعلمُ ما في غدٍ، وهو الذي يعلمُ ما في المستقبلِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا [لقمان:34] يعني دعْ تقديراتك بديلها خلِّ المستقبلَ لله، خلُّه للهِ، اللهُ يُدبرُ فيه بما يشاءُ ويحكم فيه بما يشاءُ وما إلى ذلك، على هذا تكونُ الكلمةُ لا شيءَ فيها، لا بأسَ.                     
– القارئ: الكلمة الثانية قلبي دليلي؟
ج: هذا ما يصحُّ على الإطلاقِ، قد يقعُ في نفسِ الإنسانِ أمورٌ هي صحيحةٌ، وقد يقعُ في نفسه أمورٌ كاذبة فلا يصحُّ أن يُعوِّلَ الإنسانُ على كلِّ ما يقعُ في نفسه، ولكن أحيانًا يقولون: "وللقلبِ على القلبِ دليلٌ حين يلقَاه" بعضُ الأمور تجي في النفسِ وتكون صادقةً، وبعضُ الأمورِ كاذبةٌ فلا يصلحُ إطلاقُ: "قلبي دليلِي".
– القارئ: يقول: "جاءَتِ الأقدارُ" أو "تسوقُها الأقدارُ"، هل هي من جنسِ قولِنا: "شاءَت الأقدارُ"؟
 ج: هذا السؤال طُرقَ في الصباحِ أظنُّ اليوم ولَّا [أو] أمس فلا أدري لماذا التكرارُ؟! لا ليس مثلَها "شاءَتِ الأقدارُ" غلطٌ لا يجوزُ إطلاقُها، أمَّا "جاءَت الأقدارُ" أو" تسوقُه الأقدار" صحيح.
___________________________

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه