الرئيسية/الاختيارات الفقهية/مس الرجل للمرأة أو العكس غير ناقض للوضوء مطلقا إلا أن يخرج من الإنسان شيء فيكون هو الناقض
share

مس الرجل للمرأة أو العكس غير ناقض للوضوء مطلقا إلا أن يخرج من الإنسان شيء فيكون هو الناقض

 

مسُّ الرَّجل للمرأة، أو العكس، غيرُ ناقضٍ للوضوءِ مطلقًا؛ إلّا أن يخرجَ مِن الإنسان شيءٌ، فيكون هو النَّاقضُ

مسُّ الرَّجل للمرأة، أو العكس: مما وقع فيه النّزاع الكثير، والنَّاس في هذا على ثلاث مذاهب  [1] :
* أحدها: أنَّ مسَّ المرأة ناقضٌ مطلقًا، بشهوةٍ أو بغير شهوة، أيّ امرأة، حتى ولو كانت مِن المحارم !
* ومنهم مَن قال: لا ينقضُ مطلقًا. 
[2]
* ومنهم: مَن قيّد النَّقض بشهوة  [3] ، ولا شكَّ أنَّ هذا أقرب ممَّن يقول بأنَّه ناقض مطلقًا.
ومدارُ الخلاف على الآية، وهي قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا[النساء:٤٣]
وفي قراءة أخرى سبعية:
{أو لَمَستم النِّساءَ} [4]
فمَن قال: إنَّ لمسَ المرأة ناقضٌ للوضوء، حملَه على الجَسِّ باليد، بالمسِّ: {أوْ لَمَسْتُم النّسَاءَ} فقالوا: إنَّ لمسَ المرأة مطلقًا ناقضٌ للوضوء، وهذا فيه مِن الحرج ما لا يخفى؛ لأنَّه لا يكاد يسلم الإنسان، مِن امرأته، أو بعض محارمه.
وكذلك الذين قالوا: إنَّه لا ينقض، قالوا: المراد باللمس والملامسة: الجماع 
[5] ؛ لأنَّ الآية إنَّما دلَّت على وجوب التَّيمُّم، على مَن جامع، وتكون الآية حينئذ دالة على مشروعيَّة التَّيمُّم، للحدث الأكبر والأصغر: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا هذا يدلّ على الحدث الأكبر، وأنَّه مَن عَدِمَ الماء فإنَّه يتيمَّم، سواء أكان حدثُه الأصغر أو الأكبر.
أمّا على القول الأوَّل: فتكون الآية خالية عن الدّلالة على مشروعيَّة التَّيمّم في الحدث الأكبر. وأيّد القائلون ذلك -أعني: مَن قال إنَّه لا ينقض- بمثل حديث عائشة -رضي الله عنها- في صلاة النَّبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه كان -صلَّى الله عليه وسلَّم- يصلِّي وهي معترضة بين يديه، تقول: "فإذا سجدَ غمزني، فقبضتُ رجلي" 
[6]
وهذا في الحقيقة محتملٌ أن يكون فيه مسٌّ، وقد لا يكون؛ لأنَّه قد يكون مع مسٍّ، وقد يكون مِن وراء الثّياب، فليس بيّنًا.
وأهم ما يستدلّون به: حديث عائشة الآخر، حيث ذكرت أنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان يُقبِّل بعض نسائه، ثم يخرج إلى الصَّلاة، ولا يتوضأ. 
[7]
فهذا الحديثُ هو ما اعتمدَ عليه مَن قال: إنَّ مسَّ المرأة إنَّما ينقضُ إذا كان بشهوةٍ؛ لأنَّ التَّقبيل – تقبيلُ الرَّجل لامرأته- لا يكادُ يحصل إلا عن شهوة.
وإذا كان الأصل في المسألة هو الآية الكريمة، وهي محتملة، بل إنَّ الأظهر فيها حمل اللمس والملامسة على الجماع، فتكون المسألة خالية عن الدَّليل على النَّقض بمسّ المرأة، لا يكون هناك دليل.
فالأصلُ في المسألة، والخلاف: هو الآية الكريمة، والمرجَّح فيها حملها على الجماع، وهذه لغة القرآن، فهو -تعالى- يكنِّي بما شاء، عمن شاء، ويكني عن الجماع: بالمسِّ، والمباشرة، واللمس.
إذاً: فاللمسُ كنايةٌ عن الجماع.
وفي الآية ليس هناك ما يدلُّ على نقض الوضوء بمسّ المرأة، ولكن استحبَّ بعضُ أهل العلم الوضوءَ مِن مسّ المرأة بشهوة؛ لأنَّ مسَّها بشهوة مظنَّة خروج شيء. 
[8]
ولا ريب أنَّ القول بأنَّ مسّ المرأة بشهوة ناقضٌ، هو أقربُ مِن قول مَن يقول إنَّه ناقضٌ مطلقًا؛ لأنّ اللمس المضاف للنّساء -إن لم يكن المراد الجماع- فالمرادُ به: اللمس المناسب، وإلا يصبح مسّ المرأة بشهوة، أو بلا شهوة، كمسّ الجدار! ومسّ أي جسم آخر! إذ لا فرق، إنَّما يظهر الفرق إذا مسَّها بشهوة.
ومَن قال ذلك، وجعلَ العلَّة هي الشَّهوة، ألحق بذلك: مسّ المرأةِ الرَّجلَ بشهوة، بل ومسّ  الرّجل الأمرد بشهوة عياذًا بالله، وكذلك مسّ المرأةِ المرأةَ بشهوة؛ لأنَّ العلَّة في كلّ ذلك واحدة، وهي الشَّهوة.
فأيُّ مسٍّ بين الرَّجل والمرأة، أو بين امرأة وامرأة، أو رجل وأمرد، بشهوة: فإنَّه -على هذا القول- يكون ناقضًا للوضوء؛ لأنَّ العلَّة هي وجود الشَّهوة.
والرَّاجح -كما تقدَّم- في توجيه الآية: أنَّ المسّ لا ينقض، مسّ الرّجل أو المرأة، كلُّ ذلك لا ينقض الوضوء، إلا أن يخرج مِن الإنسان شيء، فيكون هو النَّاقض: خرج مذيٌ، أو منيٌ، فإنَّه يكون الحكم له.
وأمَّا مجرد المسّ، سواء كان بشهوة، أو بغير شهوة: فإنَّه غيرُ ناقضٍ للوضوء؛ لعدم وجود الدَّليل الدَّال على ذلك، بعد الإجابة عن الآية. 
[9]
ويعضدُ ذلك: حديث عائشة: أنَّه كان يُقبِّلُ بعض نسائه ولا يتوضَّأ، وكذلك حديثها: في أنَّه كان يغمز رجليها، فتقبضهما، وهو في صلاته، والله أعلم.  [10]

 


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 ينظر: "المغني" 1/256-257
2 وهي رواية عن الإمام أحمد، قال في "الإنصاف" 1/211: "اختاره الآجري، والشيخ تقي الدين في فتاويه، وصاحب الفائق، ولو باشر مباشرة فاحشة" وفي "الاختيارات" ص28: " مال أبو العباس أخيرًا إلى استحباب الوضوء من دون الوجوب من مس النساء والأمرد إذا كان لشهوة. قال: وإذا مسَّ المرأة لغير شهوة؛ فهذا مما علم بالضرورة أن الشارع لم يوجب منه وضوءًا، ولا يُستحب الوضوء منه"
3 وهذا هو المذهب. ينظر: "الإنصاف" 1/211 و"الإقناع" 1/59 و"المنتهى" 1/72
4 وهي قراءة: حمزة، والكسائي، وخلف. ينظر: "إتحاف فضلاء البشر" للبنَّا 1/531
5 ينظر: "تفسير الطبري" 7/63 "ابن كثير" 2/314 "المحرر الوجيز" 2/565
6 أخرجه البخاري 382 ومسلم 512
7 أخرجه أحمد 25766 وابن ماجه 502 وأبو داوود 179 والترمذي 86 والدارقطني 495 والبيهقي 611 والبغوي 168 كلهم من طريق وكيع بن الجراح، قال: حدثنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه قبَّل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ» فقلت: من هي إلا أنت، فضحكت"
وقد أعلَّه الأئمةُ: الثوري فيما نقله عنه يحيى بن سعيد، ويحيى بن سعيد، وعلي بن المديني، وأحمد، وابن معين، والبخاري، والترمذي، والدارقطني، والبيهقي: بالانقطاع، قالوا: لم يسمع حبيب بن أبي ثابت من عروة. ونقل ابن أبي حاتم في "المراسيل" ص192، رقم 703 اتفاق أهل الحديث على ذلك؛ فقال: " حبيب بن أبي ثابت لا يثبت له السماع من عروة بن الزبير، وهو قد سمع ممن هو أكبر منه، غير أن أهل الحديث قد اتفقوا على ذلك، واتفاق أهل الحديث على شيء يكون حجة"
وفي الباب متابعات وشواهد، "وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء" كما قال الترمذي. وينظر: "العلل الكبير" للترمذي رقم 56 و"العلل" لابن أبي حاتم 1/567، رقم 110 وللدارقطني 15/64، رقم 3837 و"مختصر خلافيات البيهقي" 1/249 و"تنقيح التحقيق" 1/255 و"الجوهر النقي" 1/125 و"نصب الراية" 1/71 و"التلخيص الحبير" 1/434 و"الهداية" 1/343، رقم 74 و"صحيح أبي داوود" 1/317، رقم 172
8 وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "الاختيارات" ص28 والمذهب: يُستحب الوضوء مطلقًا. قال في "الإنصاف" 1/211: " حيثُ قلنا لا ينقض مسَّ الأنثى: استُحبَّ الوضوءُ مطلقًا، على الصحيح من المذهب، نصَّ عليه، وعليه الأصحاب، وقال الشيخ تقي الدين: يستحب إن لمسها لشهوة، وإلا فلا"
9 وهو اختيار الشيخين: ابن باز وابن عثيمين. ينظر: "الاختيارات الفقهية" ص27 و"الشرح الممتع" 1/291
10 شرح "زاد المستقنع" درس رقم /13/