الرئيسية/فتاوى/محبة الله والأسباب المعينة لذلك
share

محبة الله والأسباب المعينة لذلك

السؤال :

ما الدَّليل على وجوب محبّة الله تعالى، وما هي الأسباب المُعينة في ذلك، جزاكم الله خيرًا ؟

الحمدُ لله وحده، وصلّى الله وسلّم على مَن لا نبي بعده، أمَّا بعد:
فإنَّ محبّة الله أحدُ ركني العبادة؛ فإنَّ العبادة تقومُ على ركنين: كمالُ الحبّ مع كمالِ الذّل، وعليه فكلُّ ما وردَ مِن الأمر بالعبادة هو أمرٌ بالمحبَّة، كقوله تعالى: وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، وقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ [البقرة:21]
فوجوبُ محبّته تعالى إذن راجعٌ إلى وجوب عبادته، والمقتضي لعبادته -سبحانه- عقلًا وشرعًا هو كمالُه، وهو اتّصافه بجميع صفات الكمال على أكمل الوجوه، ومِن المقتضي لمحبَّته -تعالى- إحسانُه إلى عبده بأنواع الإحسان، ولهذا وجبَ تقديم محبَّة الله على محبَّة كلِّ محبوبٍ، وتوعَّد مَن خالف ذلك، قال: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24] وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ [البقرة:165]
وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
(ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا) الحديث.
وقد جعلَ الله البرهان على محبَّته: اتِّباعَ رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-؛ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران:31]، فاتّباع الرَّسول -صلّى الله عليه وسلّم- هو دليلُ محبّة العبد لربِّه، وهو سببُ محبَّة الله لعبده، ويمكن إجمال الأسباب الجالبة لمحبَّة العبد لربِّه في أمرين:
الأول: تذكُّر أسماء الله وصفاته وتدبُّرها.
الثاني: تذكُّر نِعَم الله وآلائه التي لا تُحصى؛ فإنَّ محبَّة المُنعِم وشكرَه هو مقتضَى الفطرة السَّليمة والعقل المستقيم، وما يحصل للعبد مِن ذلك هو مِن فضل ربِّه وإحسانه، فيقتضي ذلك أن يشكره على توفيقِه لشكرِه، فيُعلم مِن هذا أنَّه لا يمكن أن يبلغ العبدُ حقَّ ربِّه مِن شكر نعمه، ولهذا لمَّا قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران:102] قال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]
وقد عبَّر الشَّاعر عن تسلسل الشّكر بتسلسل النِّعم في قوله:
             إذا كانَ شُكْري نعمـةَ اللهِ نِعمةً     عَليَّ له في مِثلـها يجـبُ الشُّكرُ
            فكيفَ بلوغُ الشّكرِ إلّا بفضلِهِ      وإنْ طالتِ الأيامُ واتَّصلَ العمرُ
هذا؛ ولا يخفى أنَّ الدّعاء مِن أعظم الأسباب الجالبة لكلِّ خيرٍ، ومِن ذلك: أن يسأل المؤمنُ ربَّه أن يجعلَ في قلبِه حبَّه -سبحانه- وحبَّ ما يحبّ؛ فإنَّه القادرُ على ذلك والمانُّ به سبحانه، قال تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الحجرات:7-8].
ويحسنُ هنا ذكرُ علامات لمحبَّة العبدِ لربِّه، والتي جِماعُها اتّباعُ الرّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما في الآية السَّابقة، وإليك بعض ذلك بالتَّفصيل:

محبَّة ما يُحبّه الله مِن الأعمال، والأقوال، والأشخاص، والأجناس مِن النَّاس وغيرهم، ومِن الزَّمان والمكان، ويدخلُ في ذلك موالاةُ أولياء الله، وفي مقابل ذلك:
بغضُ ما يبغضه الله مِن الأعمال، والأقوال، والذّوات، والصّفات، ويدخلُ في ذلك بغضُ أعداء الله.
الغضبُ لله إذا انتُهكت محارِمُه والانتصار له، ومِن أعظم ذلك: سبُّ الله وسبُّ ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم- والاستهزاء بآياته، قال تعالى في المنافقين: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ [التوبة:65-66]، والله أعلم.

قال ذلك:
عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك
في ضحى الثلاثاء الثَّامن مِن صَفر 1438هـ