مَن تركَ الصَّلاة تهاونًا وكسلًا على وجه الدَّوام: يكفر؛ ولو لم يَجَحدْ وجوبها
مَن تركَ الصَّلاة تهاونًا وكسلًا، لا جحدًا لوجوبها، فجمهورُ المذاهب: على عدم كفره [1].
والقولُ المشهور في المذهب: كفره [2]، وهو الصَّواب؛ لكن اشترطوا: أن يدعوه الإمام أو نائبه فيأمره بالصَّلاة؛ فيصرّ على تركها ويضيق وقت الثَّانية عنها، وهذا لا دليل عليه، فالأحاديثُ والأدلَّة دالَّة على أنَّ الكفر منوط بتركه للصَّلاة، فإذا ترك الصَّلاة متعمِّدًا حتى خرج وقتُها كفرَ؛ لقوله –صلَّى الله عليه وسلَّم-: (العهدُ الذي بينَنَا وبينهم الصَّلاة، فمَن تركَهَا فَقَد كَفَرَ) [3]، وقوله: (بينَ الرَّجلِ وبينَ الشّركِ أو الكفرِ تركُ الصّلاةِ) [4]. ولم يقيّد الدَّعوة بدعوته.
وقد دلَّ الكتابُ والسُّنَّة على كفر تارك الصَّلاة:
* مِن الكتاب: استُدلِّ بمثل قوله تعالى بالكفار: مَا سَلَكَكُمۡ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّينَ * وَلَمۡ نَكُ نُطۡعِمُ ٱلۡمِسۡكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلۡخَآئِضِينَ [المدثر: 42-45] إلى آخر الآيات.
وقوله تعالى: فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا[مريم: 59]
* ومِن السُّنَّة: حديثان، وهما قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (العهدُ الذي بينَنَا وبينهم الصَّلاةُ، فمَن تركَهَا فَقَد كَفَرَ) [5]، في الحديث الآخر قوله: (بينَ الرَّجلِ وبينَ الشّركِ أو الكفرِ تركُ الصّلاةِ) [6].
ونقول: إجماع الصَّحابة على ترك الصَّلاة، كما روى التّرمذي وغيره، عن عبد الله بن شقيق -رحمه الله- قال: "كان أصحاب محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- لا يرون شيئًا مِن الأعمال تركُه كفرٌ؛ إلّا الصَّلاة" [7]، يعني أنَّ الصَّحابة -رضي الله عنهم- لا يرون شيئًا مِن الأعمال تركُه كفرٌ غير الصَّلاة.
فقيل: إنَّ هذا إجماعٌ، ولو كان إجماعًا في الحقيقة لما صحَّ الاختلاف، وكان مَن قال مِن الأئمة بعدم كفره خارقاً للإجماع ! ووجبَ القول بفساده وبطلانه ! لكن رواية عبد الله بن شقيق ليست نصًا، يعني على إجماع الصَّحابة كلهم، إنَّما يروي عن مَن أدرك مِن أصحاب الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم.
ثم يختلفُ القائلون بكفر تارك الصَّلاة، فمنهم مَن يقول: بتركِ صلاةٍ واحدة، ومنهم مَن يقول: بتركِ صلاتين، ومنهم مَن يقول: إنَّه لا يكفر إلَّا مَن كان يتركها دائمًا [8].
واختار شيخُ الإسلام –رحمه الله- مذهبًا وسطًا وهو: أنَّه لا يكفر إلَّا مَن تركها دائمًا [9]، أمَّا مَن كان يصلّي ويترك: فليس هو بتارك في الحقيقة، لكنَّه غيرُ محافظ على صلاته، يصلّي وقتًا أو وقتين ويترك، يصلّي بعض الأيام، ويترك بعض الأيام، فهو ليس بتارك للصَّلاة، تنازعه نفسه بين مدٍّ وجزر.
يستدلُّ على ذلك: أنَّ الذي يصلّي ويترك ليس بتارك حقيقةً، فالتَّارك هو الذي يداوم على التَّرك، ويؤيّده حديث عبادة بن الصَّامت: (خمسُ صلواتٍ افترضهنَّ اللهُ على عبادهِ، مَن أحسنَ وضوءَهنَّ وصلَّاهنَّ لوقتهنَّ، وأتمَ رُكوعهنَّ، وسُجودهنَّ وخُشوعَهُنَّ، كانَ لهُ عندَ اللهِ عهدٌ أن يغفِرَ له، ومن لم يفعل؛ فليسَ له عندَ اللهِ عهدٌ، إن شاءَ غفرَ له، وإن شاءَ عذَّبَه) [10].
فالحديثُ فيه أنَّ مَن لم يحافظ عليها، وعلى واجباتها فهو تحت مشيئة الله، وهذا القول أرجو أن فيه توسّطٌ بين قول: مَن يقول بكفره بترك صلاة أو صلاتين، وقول: مَن يقول إنَّه لا يكفر، ولو داوم على ذلك، ولا يصلّي في جميع أحواله.
وتارك الصَّلاة على الوجه الذي وصفنا: يُقتَلُ ولا يستتابُ على الصَّحيح؛ لقوله –صلَّى الله عليه وسلَّم-: (مَن بدَّل دينَهُ فاقتلوه) [11]، ولم يقيِّده بالاستتابة.
والردَّة أنواع، لكن مَن تابَ: تابَ اللهُ عليه، فمَن ارتدَّ ثم تابَ دون استتابة -يعني هو تابَ مِن نفسه- دَرَأَ العقوبة قبل القدرة عليه، ودون مطالبة له بالتّوبة.
فالمرتدُّ لا يُستتاب، وهذا هو الصَّحيح، والقول الآخر: إنَّه يُستتاب ثلاثة أيام [12]، وقيل: بل أمرُ ذلك إلى القاضي، والحاكم يقدِّر الأمور [13].
وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد لا تعرف له علة بوجه من الوجوه، فقد احتجا جميعًا بعبد الله بن بريدة، عن أبيه، واحتج مسلم بالحسين بن واقد ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ولهذا الحديث شاهد صحيح على شرطهما جميعا».
وأخرجه الحاكم 12 من طريق بشر بن المفضل، عن الجريري، عن عبد الله، عن أبي هريرة، به. وصحح إسناده النووي في "الخلاصة" 660
وأخرجه أحمد 22704، وأبو داوود 425 من طريق محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي عبد الله الصنابحي – وقيل: عبد الله الصنابحي-، عن عبادة، به. وينظر: بيان الوهم والإيهام 2/ 613، والبدر المنير 5/ 389، والتلخيص الحبير 2/333، رقم 808