الرئيسية/شروحات الكتب/الرد على المنطقيين/(14) هل يمكن تصور الأشياء بالحدود قوله “وقولهم في الحد الحقيقي أنه متعسر”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(14) هل يمكن تصور الأشياء بالحدود قوله “وقولهم في الحد الحقيقي أنه متعسر”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الرَّد على المنطقيين) لشيخ الإسلام ابن تيميَّة
الدّرس الرّابع عشر

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، قالَ شيخُ الإسلامِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "الرَّدُّ على المنطقيِّينَ":
وقولُهم في الحدِّ الحقيقيِّ أنَّهُ متعسِّرٌ وأنَّهُ لا يتوقَّفُ عليهِ إلَّا آحادُ النَّاسِ

– الشيخ: أيش؟ لا يتوقَّفُ عليه، لا يتوقَّفُ عليه، يمكن لا يقفُ
– القارئ: لا يقفُ عليهِ إلَّا آحادُ النَّاسِ، هوَ مِن هذا البابِ فإنَّ الحدَّ الحقيقيَّ إذا أُريدَ بهِ ما زعمُوهُ فإنَّهُ لا حقيقةَ لهُ في الخارجِ، إذْ يريدونَ بهِ أنَّ الموصوفَ في نفسِهِ مؤلَّفٌ مِن بعضِ صفاتِهِ اللَّازمةِ لهُ؛ الَّتي بعضُها أعمُّ منهُ، وبعضُها مطابقٌ لهُ دونَ بعضِ صفاتِهِ اللَّازمةِ المساويةِ لتلكَ العامَّةِ في العمومِ؛ وللمطابقةِ في المطابقةِ دونَ بعضٍ، وأنَّ حقيقتَهُ هيَ مركَّبةٌ مِن تلكَ الصِّفاتِ دونَ غيرِها، وأنَّ تلكَ الحقيقةَ يصوِّرُها الحدُّ دونَ غيرِهِ فهذا ليسَ بحقٍّ.
فدعواهم تأليفُهُ مِن بعضِ الصِّفاتِ اللَّازمةِ دونَ بعضٍ باطلةٌ، بل دعواهم أنَّهُ مركَّبٌ مِن الصِّفاتِ باطلٌ، ودعواهم لهُ حقيقةٌ ثابتةٌ في الخارجِ يصوِّرُها الحدُّ دونَ غيرِهِ باطلةٌ، وإنَّما الواقعُ أنَّ المحدودَ الموصوفَ الَّذي مُيِّزَ بالاسمِ أو الحدِّ عن غيرِهِ قد يكونُ ثابتاً في الخارجِ، وقد يكونُ ثابتاً في نفسِ المتكلِّمِ بالاسمِ أو الحدِّ وهوَ يظنُّ ثبوتَهُ في الخارجِ، وليسَ كذلكَ.
وبهذا يُقالُ: الحدُّ يكونُ تارةً بحسبِ الاسمِ وتارةً بحسبِ المسمَّى، ويُقالُ: الحدُّ يكونُ تارةً بحسبِ اسمِ الشَّيءِ وتارةً بحسبِ حقيقتِهِ، وإنْ كانَ الحدُّ بحسبِ الاسمِ قد يكونُ مطابقاً للخارجِ لكنَّ المقصودَ أنَّ الحدَّ تارةً يُميِّزُ بينَ المرادِ باللَّفظِ وغيرِ المرادِ وتارةً يميِّزُ بينَ الموجودِ في الخارجِ مِن الأعيانِ وبينَ غيرِهِ، وهذا التَّمييزُ إنَّما يحصلُ بواسطةِ ذلكَ، فالتَّمييزُ الَّذي في النَّفسِ يجبُ أنْ يكونَ مطابقاً للتَّمييزِ في الخارجِ، والتَّمييزُ الَّذي يحصلُ للمستمعِ هوَ بواسطةِ التَّمييزِ الَّذي في نفسِ المتكلِّمِ، واللهُ أعلمُ.
وقد تفطَّنَ أبو عبدِ اللهِ الرَّازيُّ بنُ الخطيبِ لما عليهِ أئمةُ الكلامِ وقرَّرَ في محصِّلِهِ وغيرِهِ أنَّ التَّصوُّراتِ لا تكونُ مكتسبةً وهذا هوَ حقيقةُ قولِ القائلينَ أنَّ الحدَّ لا يفيدُ تصويرَ المحدودِ.
لكنَّهُ لم يهتدِ هوَ وأمثالُهُ إلى ما سبقَ إليهِ أئمةَ الكلامِ في هذا المقامِ.
وهذا مقامٌ شريفٌ ينبغي أنْ يُعرَفَ، فإنَّهُ بسببِ إهمالِهِ دخلَ الفسادُ في العقولِ والأديانِ على كثيرٍ مِن النَّاسِ، إذْ خلطُوا ما ذكرَهُ أهلُ المنطقِ في الحدودِ بالعلومِ النَّبويَّةِ الَّتي جاءَتْ بهِ الرُّسلُ، الَّتي عندَ المسلمينَ واليهودِ والنَّصارى، بل وسائرِ العلومِ كالطِّبِّ والنَّحوِ وغيرِ ذلكَ.
وصارُوا يعظِّمونَ أمرَ الحدودِ ويدَّعونَ أنَّهم هم المحقِّقونَ لذلكَ، وأنَّ ما يذكرُهُ غيرُهم مِن الحدودِ إنَّما هيَ لفظيَّةٌ لا تفيدُ تعريفَ الماهيَّةِ والحقيقةُ بخلافِ حدودِهم، ويسلكونَ الطُّرقَ الصَّعبةَ الطَّويلةَ والعباراتِ المتكلَّفةَ الهائلةَ، وليسَ لذلكَ فائدةٌ إلَّا تضييعُ الزَّمانِ وإتعابُ الأذهانِ وكثرةُ الهذيانِ، ودعوى التَّحقيقِ بالكذبِ والبهتانِ، وشغلِ النُّفوسِ بما لا ينفعُها، بل قد يضلُّها عمَّا لا بدَّ لها منهُ، وإثباتُ الجهلِ الَّذي هوَ أصلُ النِّفاقِ في القلوبِ، وإنْ ادَّعوا أنَّهُ أصلُ المعرفةِ والتَّحقيقِ.
وهذا مِن توابعِ الكلامِ الَّذي كانَ السَّلفُ ينهونَ عنهُ، وإنْ كانَ الَّذي نهَوا عنهُ خيراً مِن هذا وأحسنَ، إذْ هوَ كلامٌ في أدلَّةٍ وأحكامٍ، ولم يكنْ قدماءُ المتكلِّمينَ يرضَونَ أنْ يخوضوا في الحدودِ على طريقةِ المنطقيِّينَ، كما دخلَ في ذلكَ متأخِّروهم الَّذينَ يظنُّونَ ذلكَ مِن التَّحقيقِ وإنَّما هوَ زيغٌ عن سواءِ الطَّريقِ.
ولهذا لمَّا كانَتْ هذهِ الحدودُ ونحوُها لا تفيدُ الإنسانَ علماً لم يكنْ عندَهُ، وإنَّما تفيدُهُ كثرةُ كلامٍ؛ "سمَّوهُم أهلُ الكلامِ"
وهذا -لعمري- في الحدودِ الَّتي ليسَ فيها باطلٌ فأمَّا حدودُ المنطقيِّينَ الَّتي يدَّعونَ أنَّهم يصوِّرونَ بها الحقائقَ فإنَّها باطلةٌ يجمعونَ بها بينَ

– الشيخ: قفْ قفْ على "وأمَّا"
– القارئ: كلمتينِ
– الشيخ: طيِّب كمِّل كلمتين
– القارئ: قالَ: يجمعونَ بها بينَ المختلفَينِ ويفرِّقونَ بينَ المتماثلَينِ
ونحنُ نبيِّنُ أنَّ الحدودَ

– الشيخ: تمام تمام، هذا موقفٌ جيِّدٌ جيِّدٌ
– القارئ: لا تفيدُ تصويرَ الحقائقِ
– الشيخ: نعم بعده.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة