الرئيسية/شروحات الكتب/الرد على المنطقيين/(15) هل يمكن تصور الأشياء بالحدود قوله “ونحن نبين أن الحدود لا تفيد تصوير الحقائق”

(15) هل يمكن تصور الأشياء بالحدود قوله “ونحن نبين أن الحدود لا تفيد تصوير الحقائق”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الرَّد على المنطقيين) لشيخ الإسلام ابن تيميَّة
الدّرس الخامس عشر

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ شيخُ الإسلامِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "الرَّدُّ على المنطقيِّينَ":
ونحنُ نبيِّنُ أنَّ الحدودَ لا تفيدُ

– الشيخ: لا تصلْ، قل مرَّةً ثانيةً قالَ
– القارئ: قالَ شيخُ الإسلامِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "الرَّدُّ على المنطقيِّينَ"
– الشيخ: بس قف عنده، قل
– القارئ: ونحنُ نبيِّنُ أنَّ الحدودَ لا تفيدُ تصويرَ الحقائقِ وأنَّ حدودَ أهلِ المنطقِ الَّتي يسمّونَها حقيقيةً تفسدُ العقلَ
– الشيخ: اللهُ المستعانُ
– القارئ: والدَّليلُ على ذلكَ وجوهٌ:
أحدُها: أنَّ الحدَّ مجرَّدُ قولِ الحادِّ ودعواهُ فإنَّهُ إذا قالَ: حدُّ الإنسانِ –مثلاً- أنَّهُ الحيوانُ النَّاطقُ أو الضَّاحكُ فهذهِ قضيَّةٌ خبريَّةٌ، ومجرَّدُ دعوى خليةٌ عن حجِّةٍ

– الشيخ: ومجرَّدُ دعوةٍ، قضيةٌ
– القارئ: فهذهِ قضيَّةٌ خبريَّةٌ ومجرَّدُ دعوى
– الشيخ: ومجرّد دعوى، خليها كذا
– القارئ: ومجرَّدُ دعوى خليَّةٌ عن حجَّةٍ، فإمَّا أنْ يكونَ المستمعُ لها عالماً يصدِّقُها بدونِ هذا القولِ، وإمَّا ألَّا يكونَ، فإنْ كانَ
– الشيخ: لا، فالمستمعُ
– القارئ: فإمَّا أنْ يكونَ المستمعُ لها عالماً يصدِّقُها بدونِ هذا القولِ
– الشيخ: لا، يمكن تمشي يصدِّقُها، كأنَّ المناسبَ يصدِّقُ بها يصدِّقُ بها، لأنَّ صدَّقَ يتعدَّى إلى المخبرِ بنفسه صدَّقَه، وإلى المخبرِ به بالباء صدَّقَ به، صدَّقَه وصدَّقَ به، فهنا المناسبُ لهذه القضيَّةِ، فعالمٌ بها يصدِّقُ بها بدون هذا القول.
 

– القارئ: وإمَّا ألَّا يكونَ، فإنْ كانَ عالماً بذلكَ ثبتَ أنَّهُ لم يستفدْ هذهِ المعرفةَ بهذا الحدِّ، وإنْ لم يكنْ عالماً يصدِّقُهُ بمجرَّدِ قولِ المخبرِ الَّذي لا دليلَ معَهُ لا يفيدُهُ العلمُ، كيفَ وهوَ يعلمُ أنَّهُ ليسَ بمعصومٍ في قولِهِ، فقد تبيَّنَ أنَّهُ على التَّقديرينِ ليسَ الحدُّ هوَ الَّذي يفيدُهُ معرفةَ المحدودِ.
فإنْ قيلَ: الحدُّ ليسَ هوَ الجملةُ الخبريَّةُ وإنَّما هوَ مجرَّدُ قولِكَ حيوانٌ ناطقٌ وهذا مفردٌ لا جملةٌ، وهذا السُّؤالُ واردٌ على أحدِ اصطلاحيهم، فإنَّهم تارةً يجعلونَ الحدَّ هوَ الجملةُ كما يقولُ الغزاليُّ

– الشيخ: الحدُّ هو الجملةُ، يعني: الإنسانُ مبتدأٌ، حيوانٌ ناطقٌ هو
 

– القارئ: كما يقولُ الغزاليُّ وغيرُهُ، وتارةً يجعلونَ الحدَّ هوَ المفردُ المفيدُ كالاسمِ، وهوَ الَّذي يسمّونَهُ التَّركيبَ التَّقييديَّ كما يذكرُ ذلكَ الرَّازيُّ ونحوُهُ، قيلَ: التَّكلُّمُ بالمفردِ لا يفيدُ ولا يكونُ جواباً للسَّائلِ، سواءٌ كانَ موصوفاً تركيباً مركَّباً تركيباً تقييديَّاً أو لم يكنْ كذلكَ.
ولهذا لمَّا مرَّ بعضُ العربِ بمؤذِّنٍ يقولُ: أشهدُ أنَّ محمَّداً رسولُ اللهِ

– الشيخ: أنَّ محمَّداً رسولَ اللهِ
– القارئ: رسولَ اللهِ بالنَّصبِ، قالَ: فعلَ ماذا؟
– الشيخ: لأن باقي ينتظر خبر، أنَّ محمَّداً رسولَ الله أيش في؟، يعني لو قالَ: أشهدُ أنَّ محمَّداً رسولَ اللهِ حقٌّ
– القارئ: فإذا قيلَ: ما هذا؟ قيلَ: طعامٌ، فهذا خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ باتِّفاقِ النَّاسِ
– الشيخ: هو طعامٌ
– القارئ: تقديرُهُ: هذا طعامٌ
– الشيخ: أو هذا طعامٌ
– القارئ: كقولِهِ تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25]
– الشيخ: خلقَهُنَّ اللهُ
– القارئ: وقولُهُ: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ إلى قولِهِ: قُلِ اللَّهُ [الأنعام:91]
– الشيخ: اللهُ
– القارئ: وكقولِهِ: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُم [الكهف:22] أي: هم ثلاثةٌ، وهم خمسةٌ، وهم سبعةٌ
– الشيخ: يعني: اللي تخرّصوا ما قالوا: ثلاثةٌ خمسةٌ، لا، التقديرُ: هم ثلاثةٌ، والآخرون يقولون: لا هم خمسةٌ، والثالثُ يقولُ: لا هم سبعةٌ، نعم، يعني كلُّه يعني خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ.
 

– القارئ: ومنهُ قولُهُ تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ [الكهف:29] أي: هذا الحقُّ مِن ربِّكم، ليسَ كما يظنُّهُ بعضُ الجهَّالِ، أي: قلِ القولَ الحقَّ، فإنَّ هذا لو أُريدَ لنصبَ لفظَ الحقِّ، والمرادُ إثباتُ أنَّ القرآنَ حقٌّ، ولهذا قالَ: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ليسَ المرادُ ههنا بقولِ حقٍّ مطلقٍ، بل هذا المعنى مذكورٌ في قولِهِ: وإذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [الأنعام:152] وقولُهُ: أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ [الأعراف:169]
ثمَّ إذا قُدِّرَ أنَّ الحدَّ هوَ المفردُ فالمفرداتُ أسماءٌ، وغايةُ السَّائلِ أنْ يتصوَّرَ مسمَّاها، لكنْ مِن أينَ لهُ إذا تصوَّرَ مسمَّاها أنَّ هذا المسمَّى هوَ المسؤولُ عنهُ، وأنَّ هذا المسمَّى هوَ حقيقةُ المحدودِ؟
فإنْ قيلَ يفيدُهُ مجرَّدُ تصوُّرِ المسمَّى مِن غيرِ أنْ يحكمَ أنَّهُ هوَ ذلكَ أو غيرُ ذلكَ، بل تصوَّرَ إنسانٌ.
قيل: فحينئذ يكون هذا كمجرد دلالة اللفظ المفرد على معناه، وهو دلالة الاسم على مسماه، كما لو قيلَ: الإنسانُ، وهذا يحقِّقُ ما قلْناهُ مِن أنَّ دلالةَ الحدِّ كدلالةِ الاسمِ، وهذا هوَ قولُ أهلِ الصَّوابِ الَّذينَ يقولونَ: الحدُّ تفصيلُ ما دلَّ عليهِ الاسمُ بالإجمالِ، وحينئذٍ فيُقالُ: أنَّ لا نزاعَ بينَ العقلاءِ أنَّ مجرَّدَ الاسمِ لا يوجبُ تصويرَ المسمَّى لمَن لم يتصوَّرْهُ بدونِ ذلكَ

– الشيخ: لا، تصوُّر ما هي تصوير، تصوُّر مشِّ
– القارئ: تصوُّر؟ نعم
لا يوجبُ تصوُّرَ المسمَّى لمَن لم يتصوَّرْهُ بدونِ ذلكَ، وإنَّما الاسمُ يفيدُ الدَّلالةَ عليهِ والإشارةَ إليهِ.
ولهذا قالُوا: إنَّ المقصودَ باللُّغاتِ ليسَ هوَ دلالةُ اللَّفظِ المفردِ على معناهُ، وذلكَ لأنَّ اللَّفظَ المفردَ لا يعرفُ دلالتُهُ على المعنى إنْ لم يعرفْ أنَّهُ موضوعٌ لهُ، ولا يعرفُ أنَّهُ موضوعٌ لهُ حتَّى يتصوَّرَ اللَّفظَ والمعنى، فلو كانَ المقصودُ بالوضعِ استفادةُ معاني الألفاظِ المفردةِ لزمَ الدَّورُ.
وإذا لم يكنْ المقصودُ مِن الأسماءِ تصويرُ معانيها المفردةِ ودلالةُ الحدِّ كدلالةِ الاسمِ لم يكنْ المقصودُ مِن الحدِّ تصويرَ معناهُ المفردَ

– الشيخ: تصوُّر كلُّها تصوُّر
– القارئ: تصوُّر؟ أحسنَ اللهُ إليكَ، تصوُّرَ معناهُ المفردِ، وإذا كانَ دلالةُ الاسمِ على مسمَّاهُ مسبوقاً بتصوُّرِ مسمَّاهُ وجبَ أنْ تكونَ دلالةَ الحدِّ على المحدودِ مسبوقاً بتصوُّرِ المحدودِ، وإذا كانَ كلٌّ مِن المحدودِ والمسمَّى متصوَّراً بدونِ الاسمِ والحدِّ وكانَ تصوُّرُ المسمَّى والمحدودِ مشتركاً في دلالةِ الحدِّ والاسمِ على معناهُ؛ امتنعَ أنَّ تُتصوَّرَ المحدوداتُ بمجرَّدِ الحدودِ، كما يمتنعُ تصوُّرُ المسمّياتِ بمجردِ الأسماءِ وهذا هوَ المطلوبُ.
ولهذا كانَ مِن المتَّفقِ عليهِ بينَ جميعِ أهلِ الأرضِ أنَّ الكلامَ المفيدَ لا يكونُ إلَّا جملةً تامَّةً

– الشيخ: بعده بس متَّصل الكلام، قفْ على هذا بس [فقط].
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة